هؤلاءٍ أمّتِي وإليهِم أنتمي

دين هو دين الله هو الإسلام و هو شرطه على الناس أن يسالم بعضهم بعضا ، فليس هناك دين إسمه المسيحية و لا اليهودية. فالمسيح دينه الإسلام و موسى دينه الإسلام وأتباع اي نبي من الأنبياء قد يكونوا مسلمين و قد يكونوا ممن يرفع الشعارات و لا علاقة لهم برسالة الأنبياء التي هي واحدة.
رسالة السماء لأهل الأرض لم تتعدد و لم تختلف ، فالدين واحد و الرسالة واحدة
النبي الكريم محمد امتداد لعائلته الكبيرة، عائلة الأنبياء الذين هم مثل الإنسانية العليا بصدقهم و جهادهم لتحرير الإنسان من العبودية للأشياء و الناس و الوقوف مع المستضعفين ، هؤلاء أمّتي و إليهم أنتمي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الخميس، 29 أكتوبر 2009

تاريخيّة الوضع في الاسلام




أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟


يتكئ أصحاب الفهم المغلوط للسُنة النبوية على ما يُسمى بالحديث النبوي الشريف الظني، والمُمتلئ بالإسرائيليات، وألطمم والرممم، والغث والسمين، والصحيح القليل، والموضوع الكثير ولن نزيد، كمصدر للدين والعلم، حتى وقع السواد الأعظم من المسلمين في المحظور، وأوقع العُلماء الأفاضل أنفسهم في الحرام. لقد قيد البعض آيات التنزيل الحكيم بتأويلات وتفسيرات بشرية من خارج النص، بأحاديث خبيثة وخشبية، دُست ونُسبت للرسول الكريم (ص) حتى باتت هذه الأحاديث المكذوبة على رسول الله (ص)" تلموداً" سُنة مُبتدعة ودين جديد للمسلمين، وسيفاً مُسلطاً على رقابهم، حولتهم من موحدين بالله الواحد الأحد إلى مُشركين، كما كانوا في جاهليتهم الأولى وهم لا يشعرون، فصار الرسول (ص) البشر المخلوق، شريكاً يُشرع مع خالقه! وينسخ تشريعاته وأحكامه، ويُحرم الحلال الذي أحله الله سُبحانه وتعالى، لجهلهم أو تجاهلهم، بأن تحريم الحرام هو من اختصاص الله تعالى حصراً، وأن الحرام شمولي وأبدي، لقوله سُبحانه وتعالى في كتابه العزيز:


قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) الأنعام:151)


وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ) النحل: (116)


قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (الأنعام: (145)


وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (الأنعام: 119)


قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللّهَ حَرَّمَ هَـذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ –الأنعام 150)



إن المُحرمات الأساسية في التنزيل الحكيم لا تتجاوز (13) مُحرماً تسع منها في سورة (الأنعام(151 –– 153 : مُضافاً إليها محارم النكاح وربا الصدقات والأطعمة المُحرمة، وأن الأصل في الأشياء الحِلية، وأن الحرام هو الاستثناء.


للأسف الشديد، إن المسلمين وبعد أن هجروا كتاب الله تعالى، مستعدون للدفاع بدمائهم وأنفسهم عن هذه السُنة المُبتدعة، المُغلفة بالأحاديث التي تُعارض كتاب الله تارة، وتُسقط العقل والعلم، والمكان والزمان تارة أخرى، لإيمانهم العاطفي وتعلقهم بها منذ نعومة أظفارهم، واعتقادهم بأنها أحاديث صحيحة لا تشوبها شائبة، دون أن يكون لهم القدرة على نقدها وإن كانت مكذوبة على رسول الله (ص) ويرفضون ويُحاربون كل من يُحاول كشفها لهم بشتى الوسائل، حيناً بتوجيه تهم باطلة جاهزة ومُعلبة، وحيناً آخر بالتكفير والقمع والاعتداء، وفي كثير من الأحيان ببذاءة اللسان!. حتى أضحت تقليداً مُتبعاً عند الذين نصبوا أنفسهم وكلاء حصريون عن الله سُبحانه وتعالى، باسم الدفاع عن السُنة النبوية والأحاديث الأموية.. لأن الكشف عن حقيقة هذه الأحاديث ستكشف سذاجتهم بدينهم، وغفلتهم عنه لأكثر من ألف وأربعمائة من السنين.



حتى لا أُتهم بالكذب والافتراء، أو بأنني أهرف بما لا أعرف، فسوف أستشهد بما كتبه البعض من عُلماء السُنة، ومنهم الدكتور الشيخ مُصطفى السباعي، أحد العلماء البارزين والدعاة المشهورين والمصلحين المعدودين على أهل السُنة، رحمه الله في كتابه: السُنة ومكانتها في التشريع ، طُبع في دار الوراق/ المكتب الإسلامي عام 2000 دفاعاً عن المفهوم الفقهي للسُنة النبوية تحت عنوان: كيف نشأ الوضع؟ ومتى؟ وأين؟ وبما كتبه أيضاً الدكتور الشيخ محمد عجاج الخطيب، وكيل كلية الشريعة بجامعة دمشق ورئيس قسم علوم الحديث والسُنة في كتابه (السُنة قبل التدوين) ومُقتطفات من كتابات الشيخ يوسف القرضاوي، لنلقي الضوء بعد ذلك على ما أورده الشيخ محمود أبو ريه في كتابه أضواء على السُنة المُحمدية


اقتباس: كتب الشيخ السباعي، رحمه الله: كانت سنة أربعين من الهجرة هي الحد الفاصل بين صفاء السُنة وخلوصها من الكذب والوضع! وبين التزيد فيها واتخاذها وسيلة لخدمة الأغراض السياسية والانقسامات الداخلية بعد أن أتخذ الخلاف بين معاوية شكلاً حربياً سالت به دماء وأزهقت منه أرواح وبعد أن انقسم المسلمون إلى طوائف مُتعددة. لقد حاول كلُ حزب أن يؤيد موقفه بالقرآن وبالسُنة، وطبيعي أن لا يكون مع كل حزب ما يؤيده في كل ما يدعي ، فعمل بعض الأحزاب على أن يتأولون القرآن على غير حقيقته، وأن يُحمَلوا نصوص السُنة ما لا تحتمله، وأن يضع بعضهم على لسان الرسول أحاديث تؤيد دعواهم، بعد أن عزَ عليهم مثل ذلك في القرآن لحفظه وتوفر المسلمين على روايته وتلاوته، ومن هنا كان وضع الحديث واختلاط الصحيح منه بالموضوع. وأول معنى طّرّقه الوضاع في الحديث هو فضائل الأشخاص، فقد وضعوا الأحاديث الكثيرة في فضل أئمتهم ورؤساء أحزابهم، ويُقال أن أول من فعل ذلك الشيعة على اختلاف طوائفهم، كما قال ابن أبي الحديد في "شرح نهج البلاغة" – أعلم أن أصل الكذب في أحاديث الفضائل جاء من جهة الشيعة، وقد قابلهم جهلة أهل السُنة بالوضع أيضاً. ** أهـ – السُنة ومكانتها في التشريع ص 93-94


وكتب الدكتور، الشيخ محمد عجاج الخطيب تحت عنوان: ابتداء الوضع وأسبابه قائلاً:


اقتباس: بقي الحديث النبوي صافياً لا يعتريه الكذب ولا يتناوله التحريف والتلفيق طوال اجتماع كلمة الأمة على الخلفاء الأربعة الراشدين، قبل أن تنقسم إلى شيع وأحزاب، وقبل أن يندس في صفوفها أهل المصالح والأهواء – انتهى.) السُنة قبل التدوين ص 187 ونقتبس من نفس المصدر ص (188


وهكذا نشأت الأحزاب والفرق التي اتخذت شكلاً دينياً له أبلغ الأثر في قيام المذاهب الدينية في الإسلام، وقد حاول كل حزب أن يدعم ما يدعي بالقرآن والسُنة، ومن البديهي أن لا يجد كل حزب ما يؤيد دعواه في نصوص القرآن والسُنة الشريفة، فتأول بعضهم القرآن وفسروا بعض نصوص الحديث بما لا تحتمله، إلا أن هذا لم يُحقق ما يرمون إليه ولم يجد بعضهم إلى تحريف القرآن أو تأويله سبيلاً، لكثرة حُفاظه ، فتناولوا السُنة بالتحريف وزادوا عليها، ووضعوا على رسول الله ما لم يقل ونشطت حركة الوضع مع الزمن، حتى اختلط الحديث الصحيح بالموضوع، وظهرت أحاديث موضوعة في فضائل الخُلفاء الأربعة وغيرهم من رؤساء الفرق الدينية ، وكانت الأحاديث الموضوعة تولد مع ظهور الفرق.


ومن نفس المصدر ص 189 يُتابع الدكتور، الشيخ محمد عجاج الخطيب قائلا: ولم يقتصر الوضع على فضائل الأشخاص، ودعم الآراء والأفكار العقائدية والمذاهب السياسية، بل تعداها إلى مُختلف أبواب الحديث، وكادت الأحاديث الموضوعة تتناول جميع جوانب الحياة الخاصة والعامة، فوضعت أحاديث في الفضائل والمثالب، وأحاديث في مناقب البُلدان والأيام، وآخري في العبادات اَلْمُخْتَلِفَة، وفي المُعاملات والأطعمة والأدب والزهد، والذكر والدعاء، وفي الطب والمرض والفتن والمواريث وغيرها.


كتب الدكتور يوسف القرضاوي على صفحات موقعه الآتي:


اقتباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للقرآن كتابا يكتبونه منذ نزل به جبريل عرفوا باسم "كتاب الوحي" ، ولم يجعل ذلك للسنة، بل صح عنه قوله "لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن"


أن السنة من أجل ذلك دخلها المنكر والموضوع وما لا أصل له من الحديث، فضلا عن الضعيف والواهي وما لا يصلح للاحتجاج به، واختلط الحابل بالنابل، فلم يعد في الإمكان التمييز بين ما يصح وما لا يصح، وصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل للسنة كتابا يكتبونها كالقرآن، بل نهى عن كتابة غير القرآن في أول الأمر، لتتوفر الهمم على كتابة القرآن، لقلة الكاتبين، وقلة مواد الكتابة وتنوعها وعسرها، وخشية اختلاط القرآن بغيره، ولكنه كتب أشياء مهمة لتبلغ عنه وتنفذ ، مثل كتبه في الصدقات والديات وغيرها، وأذن لبعض الصحابة أن يكتبوا، مثل عبد الله بن عمرو وغيره. وحث على تبليغ الأحاديث لمن لم يسمعها بدقة وأمانة، وجاء في ذلك حديثه المستفيض، بل المتواتر عند بعض العلماء: "نضر الله إمِرء سمع مقالتي، فوعاها ، فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع" ، وفي رواية: "فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"

لقد أورد الشيخ محمود أبو ريه، رحمه الله - في كتابه أضواء على السُنة المُحمدية) ص( 6 - 7 عدة أمور منها:


اقتباس:- إن للحديث النبوي من جلال الشأن وعلو القدر ما يدعو إلى العناية الكاملة به، والبحث الدقيق عنه. لكن العُلماء لم يولوه ما يستحق من العناية والدرس، وتركوا أمره لمن وقفوا بعلمهم عندما يتصل بالسند فحسب ، أما المعنى فلا يعنيهم من أمره شيئ ، وعلى أنهم قد بذلوا أقصى جهدهم في دراسة علم الحديث من حيث العناية بسنده فإنهم قد أهملوا جميعاً أمراً خطيراً ، هو البحث عن حقيقة النص الصحيح لما تحدث به النبي – صلوات الله عليه. وقد حفزني حب عِرفان الحق أن أبحث عن أصل الحديث وروايته، وتاريخ حياته من المصادر الصحيحة، والأسانيد الوثيقة، وانتهيت إلى نتائج خطيرة!
ذلك أني وجدت أنه لا يكاد يوجد في كتب الحديث كُلها ما سموه صحيحاً، أو ما جعلوه حسناً أو جاء على حقيقة لفظه ومُحكم تركيبه كما نطق به الرسول، ووجدت أن الصحيح منه على اصطلاحهم إن هو إلا معانٍ بما فهمه بعض الرواة! وقد يوجد بعض ألفاظ مُفردة بقيت على حالتها في بعض الأحاديث القصيرة وذلك في الفلتة والنُدرة، وتبين لي أن ما يُسمونه في اصطلاحهم حديثاُ صحيحاُ، إنما كانت صحته في نظر رواته! لا أنه صحيح في ذاته، وأن ما يُقال عنه "مُتفق عليه" ليس المُراد أنه مُتفق على صحته في الأمر، وإنما المُراد أن البُخاري ومُسلم قد اتفقا على إخراجه – وليس من شروط الحديث أن يكون مقطوعاً في نفس الأمر لجواز الخطأ والنسيان والسهو على الثقة** انتهى

لماذا لم تُدون السُنة في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم؟ يُجيب الدكتور الشيخ السباعي، رحمه الله على هذا السؤال، فيقول:


اقتباس: لا يختلف اثنان من كتاب السيرة وعُلماء السُنة وجماهير المسلمين في أن القرآن الكريم قد لقي من عناية الرسول (ص) والصحابة ما جعله محفوظاً في الصدور ومكتوباً في الرقاع والسعف والحجارة وغيرها ، حتى إذا توفي رسول الله كان القرآن محفوظاً مُرتباً لا ينقصه إلا جمعه في مُصحف واحد


أما السُنة فلم يكن شأنها كذلك، رغم أنها مصدر هام من مصدر التشريع في عهد الرسول! ولا يختلف أحد في أنها لم تُدون تدويناً رسمياً كما دون القرآن، ولعل مرجع ذلك إلى أن الرسول) ص) عاش بين الصحابة ثلاثاً وعشرين سنه، فكان تدوين كلماته وأعماله ومُعاملاته تدويناً محفوظاً بالصحف والرقاع من العسر بمكان، لما يجتاح ذلك إلى تفرغ أناس كثيرين من الصحابة لهذا العمل الشاق، ومن المعلوم أن الكاتبين كانوا من القلة في حياة الرسول بحيث يُعدون على الأصابع، وما دام القرآن المصدر الأساسي الأول للتشريع، والمُعجزة الخالدة لرسول الله (ص) فليتوفر هؤلاء الكُتاب على كتابته دون غيره من السُنة، حتى يؤدوه لمن بعدهم مُحرراً مضبوطاً تاماً لم ينقص منه حرف، وشي آخر أن العرب لأميتهم كانوا يعتمدون على ذاكرتهم وحدها فيما يودون حفظه واستظهاره، فالتوفر على حفظ القرآن مع نزوله مُنجماً على آيات وسور صغيرة، ميسور لهم وداعية إلى استذكاره والاحتفاظ به في صدورهم، فلو دونت السُنة كما دون القرآن وهي واسعة كثيرة النواحي شاملة لأعمال الرسول التشريعية وأقواله منذ بدء رسالته إلى أن يلحق بربه، للزم انكبابهم على حفظ السُنة مع حفظ القرآن، وفيه من الحرج ما فيه، عدا خوف اختلاط بعض أقوال النبي الموجزة الحكيمة بالقرآن سهواً من غير عمد، وذلك خطر على كتاب الله يفتح باب الشك فيه لأعداء الإسلام مما يتخذونه ثغرة ينفذون منها إلى المُسلمين لحملهم على التحلل من أحكامه والتفلت من سُلطانه، كل ذلك وغيره – مما توسع العُلماء في بيانه – من أسرار عدم تدوين السُنة في عهد الرسول، وبهذا نفهم سر النهي عن كتابتها الوارد في صحيح مُسلم عن ألي سعيد ألخدري عن رسول الله (ص) لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه. أهـ .السُنة ومكانتها في التشريع ص رقم 77


يُجيب على نفس السؤال الشيخ محمود أبو ريه في كتابه أضواء على السُنة المُحمدية، ص 18 فيقول:


اقتباس: كان رسول الله – صلوات الله عليه - كما قلنا مُبيناً ومُفسراً للقرآن بفعله، ولكن أقواله في هذا البيان أو في غيره لم تُحفظ بالكتابة كما حُفظ القرآن، فقد تضافرت الأدلة النقليه الوثيقة، وتواتر العمل الثابت الصحيح على أن أحاديث الرسول صلوات الله عليه لم تُكتب في عهده كما كان يُكتب القرآن ولا كان لها كتّاب يُقيدونها عند سماعها منه وتلفظه بها كما كان للقرآن كُتّاب معروفون يُقيدون ايآته عند نزولها، وقد جاءت أحاديث صحيحة وأثار ثابته تنهى كلها عن كتابة أحاديثه، صلى الله عليه وسلم، نجتزئ هنا بذكر منها:


روى أحمد ومُسلم والدرامي ،) الدرامي شيخ البُخاري) والترمذي والنسائي، عن أبي سعيد الخدري (إن صحَ) قال رسول الله: لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن ومن كتب عني غير القرآن فليمحه. وأخرج الدرامي عن أبي سعيد كذلك: إنهم استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في أن يكتبوا عنه فلم يأذن لهم. ورواية الترمذي عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد قال: استأذنا النبي (ص) في الكتابة فلم يأذن لنا (2) * لهذا الحديث صيغ آخرى كلها تتفق في المعنى، ومن مراسيل ابن أبي ملكية أن الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال: إنكم تُحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اِخْتِلَافًا، فلا تُحدثوا عن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا:: بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه * تذكرة الحُفاظ الذهبي جزء 1


إن صَحَ - ما ورد في المنع من كتابة الحديث هو ما رواه أحمد في مُسنده ومُسلم في صحيحه وابن عبد البر في كتاب العلم وغيره عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: لا تكتبوا عني شيئاً إلا القرآن فمن كتب غير القرآن فليمحه) وإن أصحّ) ما ورد في الإذن، حديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما مرفوعا: (اكتبوا لأبي شاه) وهو لا يُعارض حديث أبي سعيد الخدري وما في معناه على قاعدتنا التي مدارها على أن نهيه (ص) عن كتابة حديثه مُراد به ألا تتخذ دينا عاماً كالقرآن، وذلك أن ما أمر بكتابته لأبي شاه هو خُطبة خطبها (ص) يوم فتح مكة موضوعها تحريم ولقطة الحرم، وهذا في بيانه (ص) للقرآن الذي صرح به يوم الفتح وصرح به في خُطبة الوداع وأمر بتبليغه - فهو خاص مُستثنى من النهي العام، وقد صرح البُخاري في باب اللقطة من صحيحه بأن أبا شاه اليمني طلب أن تُكبت له الخُطبة المذكورة فأمر – صلى الله عليه وسلم بإجابة طلبه.


جهود العُلماء لمقاومة حركة الوضع!!

كتب الشيخ السباعي – رحمه الله في الفصل الثالث من كتابه السُنة ومكانتها في التشريع: تحت عنوان: في جهود العُلماء لمقاومة حركة الوضع ص 108

اقتباس: لا يستطيع من يدرس موقف العُلماء – منذ عصر الصحابة إلى أن تم تدوين السُنة – من الوضع والوضاعين وجهودهم في سبيل السُنة وتمييز صحيحها من فاسدها إلا أن يحكم بأن الجهد الذي بذلوه في ذلك لا مزيد عليه، وأن الطرق التي سلكوها هي أقوم الطرق العلمية للنقد والتمحيص، حتى لنستطيع أن نجزم بأن عُلمائنا رحمهم الله، هم أول من وضع قواعد النقد العلمي الدقيق للأخبار والمرويات بين أمم الأرض كلها، وأن جهدهم في ذلك جهد تُفاخر به الأجيال وتتيه به على الأمم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم.


للأنصاف، أشهد للعُلماء بأن هذا الجهد الذي بُذل كان مضيعة للوقت الثمين ولم يوجه إلى الوجهة التي تستحق هذا الجهد، وهي تدبر كتاب الله تعالى الذي أُحكمت آياته ثم فُصلت من لدن حكيم خبير، وأشهد بأن الطرق التي سلكوها هي أبعد ما تكون عن الطرق العلمية للنقد والتمحيص بعدما تم الاستغناء عن كتاب الله تعالى! الذي حوله أصحابه إلى أشرطة تتُلى في الأفراح والأتراح، واستبدلوه بكتب الحديث والمرويات التي تطفح بالإسرائيليات، وكتب الناسخ والمنسوخ.
إن السؤال الأول المُلح الذي يطرح نفسه بشده، لماذا تم استبعاد كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه للحكم على صدق الحديث أو كذبه؟ هل الاهتمام بدراسة أحوال الرواة، ومعرفة سنوات ولادتهم، وسنوات وفياتهم، وأسماء شيوخهم وتلاميذهم ورحلاتهم ، ودرجات ضبطهم لمروياتهم أدق وأصدق من كتاب الله تعالى؟؟

لربما خفي على البعض ولم يخفَ على البعض الآخر، من أن عُلماء السُنة هم الذين كتبوا تاريخ المسلمين لأنفسهم حين كانت السُلطة الشرعية بيدهم، وما زالوا.. والذي يكتب التاريخ بنفسه ولنفسه لا يمكن إلا أن يكونوا متحيزاً، والدكتور الشيخ السباعي رحمه الله، لم يشذ عن هذه القاعدة، فسنة أربعين من الهجرة لم تكن هي الحد الفاصل بين صفاء السُنة وخلوصها من الكذب والوضع، وبين التزيد فيها واتخاذها وسيلة لخدمة الأغراض السياسية والانقسامات الداخلية، لقد استمر الوضع، واشتدت شوكة الكذابين المُفترين (الوضاعين كما يصفهم أهل السُنة والجماعة للتلطيف) وبوازعٍ من الولاة طيلة العهد العباسي، والأهم من ذلك كله اعتراف الشيخ السباعي رحمه الله، والشيخ الخطيب، والشيخ يوسف القرضاوي، بأن السُنة لم تدون في عهد الرسول (ص (والأسباب التي وردت في هذه الكتب القيمة، لم ولن تغير من حقيقة الأمر شيء، ويبقى هذا السؤال المُحير للمُحدثين والعُلماء الأفاضل للإجابة عليه :لماذا ضُرب بعرض الحائط بحديث رسول الله (ص) إن صَحَ عنه ، الذي رواه مُسلم في صحيحه : لا تكتبوا عني، من كتب عني غير القرآن فليمحه؟ والله سُبحانه وتعالى يقول:

تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون (الجاثية: 6)


أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون (العنكبوت: 51 )


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق