هؤلاءٍ أمّتِي وإليهِم أنتمي

دين هو دين الله هو الإسلام و هو شرطه على الناس أن يسالم بعضهم بعضا ، فليس هناك دين إسمه المسيحية و لا اليهودية. فالمسيح دينه الإسلام و موسى دينه الإسلام وأتباع اي نبي من الأنبياء قد يكونوا مسلمين و قد يكونوا ممن يرفع الشعارات و لا علاقة لهم برسالة الأنبياء التي هي واحدة.
رسالة السماء لأهل الأرض لم تتعدد و لم تختلف ، فالدين واحد و الرسالة واحدة
النبي الكريم محمد امتداد لعائلته الكبيرة، عائلة الأنبياء الذين هم مثل الإنسانية العليا بصدقهم و جهادهم لتحرير الإنسان من العبودية للأشياء و الناس و الوقوف مع المستضعفين ، هؤلاء أمّتي و إليهم أنتمي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الخميس، 30 يوليو 2009

صيام رمضان في تشريع القرءان

صيام رمضان في تشريع القرءان


أولا :
1 ـ كان العرب كانوا يصومون شهر رمضان طبقا لملة ابراهيم التى توارثوها جيلا بعد جيل .
وبعد نزول القرآن الكريم اعتاد المؤمنون بالقرآن صيام رمضان بنفس التوارث المعتاد ،ثم نزل تشريع الصيام في المدينة ليتحدث عن شهر شهر رمضان الذى أصبح معروفا للمسلمين بأنه شهر القرآن ، فهو الذي نزل فيه القرآن مرة واحدة على قلب النبي محمد حين كان في مكة.
أول آية في تشريع الصوم قالت :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ) لم تشرح ألآية الأولى في تشريع الصوم معنى الصوم وأنه الامتناع عن الطعام والشراب واللقاء الجنسي بالزوجة – كما تفعل كتب الفقه ـ والسبب بسيط هو أن العرب كانوا يصومون رمضان، بل وكانوا يتخذون منه عادة اجتماعية للهو واللعب بدون مراعاة للتقوى كما نفعل نحن الآن ، لذا تخبر الآية الأولى في تشريع الصوم القاعدة الأولى وهى تأدية الصوم كما اعتادوه بنفس ما كان في ملة إبراهيم (كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ) من الامتناع عن الأكل والشرب واللقاء الجنسي، وهوالذى كانوا يفعلونه أنفسهم في مكة قبل أن ينزل التشريع القرآني بهذا التصحيح والتنقيح ، ثم تختم آية التشريع الأولى بتقرير أقامة الصوم في سلوك المؤمن عقيدة وسلوكا أي أن يكون هدف الصوم هو التقوى. (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

2 ـ بعد تقرير أن الصوم عبادة متوارثة ولا بد من مراعاة التقوى فيها تأتى الآيتان التاليتان بتقعيد تشريع جديد لم يكن موجودا من قبل، وهو فى التيسير باباحة الفطر في رمضان، ولأنه تشريع جديد فقد جاءت تفصيلاته واضحة، بل وتكررت في آيتين متتاليتين توضحان السماح بالافطار للمريض والمسافر وحتى القادر على الصوم ولكن مع قضاء الصوم (للمريض والمسافر ) أو دفع الفدية لمن يفطر وهو يطيق الصوم أى يقدر عليه (البقرة 183- 185).

3 ـ وكان الصوم المعروف المتوارث وقتها قبل نزول التشريع القرآني الجديد يبدأ بعد العشاء ويستمر طيلة الليل والنهار حتى مغرب اليوم التالي ليكون الإفطار مرحلة قصيرة هي ما بين المغرب والعشاء فقط. وكانت هذه الفترة القصيرة لا تكفى إلا للطعام فحسب، ويأتي الليل فيضطر أحدهم لمباشرة زوجته بعد العشاء ، أى في وقت يجب أن يكون فيه صائما. ونزل التخفيف تشريعا جديدا مفصلا في قوله تعالى " أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ) أي جاء التشريح الجديد بأن مباشرة الزوجة مباح في ليلة الصيام (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ) وهنا يخبر الله تعالى عن وقوع بعضهم في مباشرة الزوجة في ليلة الصيام حين كان واجبا الصوم فيه، ويبشر الله تعالى بأنه عفا عنهم وتاب عليهم، وأنزل هذا التخفيف عليهم، لذا جاء التشريع الجديد يقول للمؤمنين (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ). يأتي هنا تفصيل التشريع الجديد لوقت الإفطار في رمضان ، حيث يباح الأكل والشرب واللقاء الجنسي بالزوجة من مغرب الشمس إلى طلوع الفجر، وظهور أول تباشير الضوء حين تتمكن العين المجردة من تمييز الخيط الأبيض من الخيط الأسود . توضيح مفصل في تشريع جديد يعقبه تشريع جديد آخر يتضمن تصحيحا لتشريع قديم هو الاعتكاف في ليالي رمضان في المساجد (وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ )... البقرة 187-) إذ كانوا يعتكفون في المساجد رجالا ونساء، وكان الزوج يعتكف مع زوجته في المسجد في ليالي رمضان، وكان يحدث لقاء جنسي بينهما وقت الاعتكاف، لذا نزل التشريع الجديد يحرم ذلك اللقاء الجنسي بالزوجة أثناء الاعتكاف الرمضاني في المسجد.

4ـ ذلكم هو بيان القرآن لما يحتاج فعلا إلى بيان من تشريع جديد يعرفه الناس لأول مرة أو يوضح وجه الحق في تحريف أدخله الناس في تشريع سائد. لذا اختتمت الآية بتقرير أن ذلك هو بيان القرآن للناس لعلهم يتقون: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ]
وبالفعل فان بيان القرآن الكريم في تلك الآيات القليلة احتوى على كل ما يلزم المؤمن في تشريعات الصوم. وما أحدثه الفقهاء بعدها من ثرثرة وفتاوى وأحكام فقهية كلها هراء لا طائل من ورائه، لذا اختلفوا فيه وانشغلوا بهذا الاختلاف قرونا وكتبوا فيه آلاف الصفحات عبثا ، ومن أسباب ذلك أنهم شرّعوا لأنفسهم ما يريدون فى شكل احاديث ، ثم صدقوا أكاذيبهم ، فحجبوا عقولهم عن التفكير وعن التدبر فى القرآن الكريم فلم يفهموا فلسفة التشريع القرآنى ودرجاته .
وهم لم يكتفوا بالثرثرة،إذ ابتدعوا تشريعات ما أنزل الله تعالى بها من سلطان ، ونسبوها زورا للنبى محمد عليه السلام. وسنتوقف معهم فى المقال القادم بعونه جل وعلا .

ثانيا
التشريعات الاسلامية ـ عموما ـ تقوم على درجات ثلاث :أوامر ، وقواعد ، ومقاصد أوأهداف .
والعادة ان الأوامرالتشريعية تخضع فى تطبيقها للقواعدالتشريعية ، بينما تخضع القواعد التشريعية فى التطبيق الى المقصد التشريعى وهو التقوى ،والتقوى هى الغاية الكبرى من كل العبادات والأعمال الصالحة.
ونبحث عن الأوامر و القواعد والمقاصد فى آيات تشريع الصوم ، وبتدبرها يتضح الآتى :
1 ـ جاءت الأوامر بالصوم فى قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ) (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)، وجاء توضيح الأمر بالصوم فى قوله تعالى (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْل ). وتنفيذ هذه الأوامر ـ بالصيام او الافطار ـ يخضع للقواعد التشريعية التى جاءت فى الايات نفسها.

2 ـ وجاءت القواعد ، وأساسها التخفيف والتيسير وليس التعسير ، فى قوله تعالى فى سياق تشريع الصيام :(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ( البقرة 185 ) .
وهذه القاعدة فى التخفيف ورفع الحرج هى أساس فى قواعد الاسلام يختلف به عن الأديان الأرضية للمسلمين التى تقوم على الحظر والتضييق والتزمت والتحريم للمباح الحلال .
وفى قيام التشريع الاسلامى على التخفيف ،يقول جل وعلا عن الدين الاسلامى كله ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا ) ( الحج 78 )
ويقول (يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ) ( النساء 28 ).
ويتردد هذا فى تشريعات جزئية كالطهارة ، يقول جل وعلا :(مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ( المائدة 6 ).
ويأتى فى مراعاة أحوال ذوى الاحتياجات الخاصة من المعوقين والمرضى : (لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) ( النور 61 ) (لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) ( الفتح 17 ).
ونفس الحال فى الحج (وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) ( البقرة 196 ).
وفى الصلاة فى قصر الصلاة عند الخوف فى الحرب والمطاردة (النساء101 : 103 ) وعند خوف ضياع وقت الفريضة ( البقرة238 : 239 )
وفى قيام الليل (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ)(المزمل 20 )
وهنا فى الصوم.( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ( البقرة 185 )
لقد جاءت الرسالة الالهية الخاتمة ( القرآن الكريم ) بالتخفيف ورفع الاصر ، و(الإصر ) هو الثقيل من التكاليف التشريعية ، ولقد جاء فى آخر آية من سورة البقرة (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ ) فليس فى الاسلام مؤاخذة على الخطأ أو النسيان ، لأن فى رسالته القرآنية الخاتمة رفع (الإصر ) أى التكاليف الشرعية الثقيلة التى كانت فى الرسالات السماوية الاسلامية السابقة . ومن هنا فان الله جل وعلا خاطب موسى عليه السلام فى الميقات عند جبل الطور متحدثا عن رفع الاصر عن أتباع الرسالة القرآنية الخاتمة فقال جل وعلا (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ) ( ألأعراف : 157 )
3 ـ ولأن الصوم فيه مشقة الحرمان فان التخفيف و التيسير جاء القاعدة فى أدائه ، ولذا فقد جاءت تفصيلات التخفيف والتيسير فى آيات تشريع الصوم باعتبارها تشريعا جديدا مفصلا لم يكن موجودا من قبل ، يقول تعالى :(أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ( البقرة 184 : 185 )
وهنا نستخلص قواعد التخفيف والتيسير كالآتى:
• من اصبح فى يوم من أيام رمضان مريضا أو على سفر فله أن يفطر ، ويقضى الأيام التى أفطرها بعد رمضان .
• ومن أصبح مريضا أو على سفر ولكن أراد أن يصوم دون استعمال رخصة الفطر فهو خير له .
• من كان يطيق الصوم ـ أى يقدر عليه ـ ولكن شاء الفطر فعليه أن يدفع فدية (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ). والفقه السّنى يحرّف معنى الآية الكريمة، فيقولون أن معناها أنه على الذين ( لا يطيقون ) الصيام ،أى يقولون بوجود(لا ) النافية ويزعمون أنها محذوفة. وهذا تحريف للقرآن الكريم بأن يزيد فى لغة القرآن الكريم ماليس فيها. ثم أن هذا المعنى المحرف لا يستقيم مع التيسير ، وهو القاعدة فى الصوم، ولا يستقيم مع سياق الآية قبلها حيث أباحت الفطر للمسافر والمريض ثم ألحقت به فطر من يطيق الصوم ويقدر عليه مع دفعه الفدية ، ولا يستقيم مع سياق الآية بعدها حيث يجعل الله تعالى التفضيل لمن يصوم وهو يطيق ـ اى يقدر ـ على الصيام ، كما لا يستقيم مع فهم كلمة (يطيق ) ومشتقاتها التى جاءت ثلاث مرات فى نفس سورة البقرة ، مرة بالاثبات فى موضوع الصوم :(وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ )، ومرتين بالنفى : (قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ) (رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِه) ( البقرة 249 ، 286 ). أى لو كان الله تعالى يريد أن يقول (وعلى الذين لا يطيقونه فدية ) لقالها وأثبت كلمة(لا ) ، ولكنه جل وعلا قال بالاثبات وليس بالنفى ، ليفيد فى معرض التيسير أنه على من يقدرعلى الصوم ويطيق الصوم ولكن يريد الافطار فعليه تقديم فدية طعام مسكين .
• ومفهوم بعدها أنه ـ من باب أولى ـ فالذى لا يستطيع الصوم يمكنه الافطار ودفع الفدية ، فاذا تطوع المفطر فى رمضان بزيادة الفدية فهو خير له ، ولو كان يستطيع الصوم ولكن بمشقة بالغة ولكنه تطوع بقبول مشقة الصوم فهو خير له ، وفى الصوم فائدة على كل حال (وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُم إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) .
• وجاء التخفيف الأخير فى تعديل مدة الافطار لتكون من بداية الليل بغروب الشمس الى أن يتبين الخيط ألأبيض من الخيط الأسود من الفجر. ( البقرة 187 ).

3 ـ تنفيذ هذه القواعد يخضع للتقوى. وهنا ندخل على المقصد من التشريع .
التقوى هنا هى ضمير الصائم الذى يمتنع عن الطعام والشراب والعلاقة الجنسية مع الزوجة ابتغاء مرضاة الله تعالى . هو بذلك يتعامل مباشرة مع ربه فيخشى الله جل وعلا بالغيب ،أى حين يكون وحيدا منفردا يتمسك بصومه حيث لا رقيب ولا حسيب عليه سوى مولاه عز وجلّ. ولذلك كانت عبادة الصيام وسيلة لتعلم التقوى ،أو على حد قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ).
وفى التقوى تجد الاجابة عن كل التساؤلات التى يسأل عنها الصائمون ،وهى البديل الأمثل الذى يستغنى به المسلم الصائم عن كل تلك الثرثرة الفقهية والخزعبلات التى حفلت بها كتب الفقه . ونعطى أمثلة :
* فالقرآن الكريم لم يحدد ماهية السفر الذى يسبب ارهاقا يتساوى مع المرض ، وترك ذلك لتقدير الضمير المؤمن .
* ولم يحدد نوع المرض الذى يستدعى الافطار.المؤمن المتقى عليه أن يأخذ رأى الطبيب المختص ـ وليس الفقيه ـ فى تحديد هل مرضه يستوجب الافطار أم أن الصوم لا يضره ؟
* وليس فى القرآن الكريم تلك الثرثرة الفقهية عن صوم أوعدم صوم الحامل والمرضعة، وحكم تقبيل الصائم لزوجته، لأن كل ذلك متروك لضمير الصائم وتقواه.
* ولم يحدد الفدية التى يدفعها المفطر غير المريض وغير المسافر، قال فقط (فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) . التحديد يخضع لتقوى المسلم ، هل يعطى طعاما فاخرا أم معتدلا ، وهل يعطى طعاما عينيا أو مالا يقوم مقام الطعام ، وما هو الواجب على الغنى والفقير ؟ كل ذلك يقدره ضمير المؤمن الذى يسعى لرضا ربه جل وعلا عليه .
وفى الأحوال السابقة جاءت إشارة لطيفة للتقوى فى قوله تعالى (فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ )، وهى تخاطب من يستطيع الصوم ويطيقه ويقدرعليه ولكن يفطر ويعطى فدية، وموجهة أيضا لمن يستطيع الصيام فى السفر والمرض ولكن يختار الافطار.
* وجاء تحديد بداية الصوم ونهايته أيضا موكولا الى ضمير المؤمن الصائم ، فالبداية من حين يتبين له ـ هو ـ الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.ويمكنه احتياطا أن يمسك عن الطعام قبلها . وحدد وقت الافطار بالليل ( ثمّ اتمّوا الصيام الى الليل ) وليس الى الغروب ، فالغروب ليس الليل ، وعلامات الليل رؤية النجوم والكواكب تتلألأ في كبد السماء .
* وهناك التساؤل المشهور عن سكان القطبين وبلاد اسكندنافيا ..كيف يصلون وكيق يصومون ؟
هناك لا خلاف على وجود يوم طوله 24 ساعة ، وعلى أساس هذا اليوم تسير حياة كل انسان ونومه وعمله وصحوه ويقظته وراحته و انشغاله، وليس صعبا أن تحدد بداية الفجر وبداية الليل ، ليس بالنهار الضوئى حين تستمر الشمس ظاهرة عدة أشهر ، وحيث يستمر الليل ما تبقى من العام ، ولكن بالنهار الذين يعتادون فيه العمل ، وبالليل الذى يعرفون ميقات بدئه ، وبهذا يصومون ويفطرون ، وفى تنفيذ ذلك تكون مراعاة التقوى .
* وفى كل الأحوال فالمتقى يختار لنفسه الأحوط ويعرف فى نفس الوقت ان الله جل وعلا فرض الصوم ليس مجرد الامتناع عن الطعام والشراب ومباشرة الزوج (الزوج تفيد الانثى والذكر ) ولكن ليكون الصوم مدرسة للتقوى وخشية الرحمن بالغيب ، ولذا فلا يتوقف عند التفصيلات التى لا لزوم لها . والآن يمكنه ان يعرف بالضبط موعد الغروب فى المكان الذى يعيش فيه ، ويعرف إنه لو أخطأ بحسن نية فهو مغفور له لأن الله تعالى يقول ( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم ) (الاحزاب 5 ).
وبهذا يكتفى المؤمن بتشريع الله تعالى للصوم فى القرآن ، ويعلم أنه القرآن وكفى .
أما إذا صمم على الاسترشاد بكتب الفقه السنى فسيضل ،فاذا عمل على تطبيقها فقد أضاع ما تبقى من عقله .!
وفى المقال التالى نتوقف مع لمحة عن تشريع الصيام فى كتب الفقه السنى ومخالفته للاسلام العظيم والقرآن الكريم.

الحلال والحرام في تشريع الطعام في الإسلام


الحلال والحرام في تشريع الطعام في الإسلام

الحلال و الحرام فى الاسلام ، وصلة ذلك بالدخان. وأبدأ بهذا المقال .
أولا : إختبار الحلال والحرام في قصة آدم وحواء :
تكررت قصة آدم وحواء في القرآن الكريم في جملة مواضع منها:( البقرة 34- ) ( الاعراف 11- 25) و (طه 115ـ ). ولم تستفد البشرية من قصة ابيهم آدم ، لذا يعيشون في شقاء مستمر .
والمستفاد من دروس قصة آدم وحواء الآتي .
1 حين امر الله تعالي الملائكة بالسجود لآدم ،سجدوا كلهم جميعا الا ابليس الذي عصي واستكبر ثم اخذ يبرر ويعلل عصيانه بأنه خير من آدم وكيف يسجد لمخلوق من طين .
ونحن هنا امام موقفين بالنسبة لطاعة الآمر وهو الله تعالي صاحب الامر، فالملائكة سرعان ما اطاعوا امر الله رغم غرابته فنجحوا في اختبار الطاعة اما ابليس فقد عصي ثم اخذ يبرر عصيانه فأصبح عصيانه بدون امل في أي توبة ،فحقت عليه اللعنة والطرد من الملكوت الاعلي .
2 ـ وحين عاش آدم وحواء في الجنة يتمتعان بكل ما فيها جاءهما اختبار الطاعة ايضا ،فقد اباح الله تعالي لهما ان يأكلا من كل اشجار الجنة الا شجرة واحدة نهاهما عن الاقتراب منها، وتسلل لهما الشيطان وأغواهما واخذ يسألهما عن سبب النهي عن تلك الشجرة بالذات وما زال بهما حتي اكلا من الشجرة المحرمة ،فخرجا من الجنة وهبطا الي الارض ولكنهما عندما وقعا في الخطأ استغفرا ربهما فتاب عليهما الله .ونحن هنا امام موقف جديد من مواقف الطاعة وهو ان يقع المخلوق في المعصية ولكن يبادر بالتوبة فيتوب الله عليه.
وعلي ذلك فان البشر امام قضية الطاعة لله تعالي ينقسمون الي ثلاثة مواقف :
1 ـ اما المبادرة بطاعة الامر مهما بلغت غرابة هذا الامر ،وهذه درجة المتقين الأبرار ،وهكذا فعل الملائكة عند السجود لآدم وهكذا يفعل المؤمنون عند تأدية الاوامر مع ما قد يكون فيها من غرابة ، والله تعالي يأمرنا بالأكل والشرب ( الاعراف 31)ولكنه يأمرنا بالصيام خلال شهر رمضان ،وعلي المؤمن ان يبادر بالطاعة دون ان يسأل عن السبب.
2 ـ ويقابل ذلك المبادرة بالمعصية والإصرار عليها وتبريرها بحجج وأسانيد ،كما فعل إبليس فاستحق اللعنة ،مثل هذا العاصي الذي لا أمل في توبته طالما برر العصيان بأدلة عقلية.
3 ـ والموقف الثالث هو العصيان ثم المبادرة بالتوبة والاستغفار …
وعلي الإنسان الصالح ان يفهم هذه الحكمة من قصة آدم في جزئيها (أي في اختبار الملائكة في السجود أمام آدم ،او في اختبار آدم وحواء في عدم الأكل من الشجرة المحرمة)، وعليه ان ينجح في الاختبار بالمبادرة بالطاعة ،و اذا حدث ووقع في الخطأ عليه ان يبادر بالتوبة .
ولكن ما صلة آدم وحواء في موضوع الحلال والحرام في الاسلام ؟
في الحقيقة هي بداية القصة وأساسها ،ونكتفي بالاشارات التالية ..
1 ـ في موضوع الحلال والحرام نري ان الله تعالي أباحّ لآدم وحواء كل الجنة ما عدا شجرة واحدة ، أى إن الأصل هو الاباحة والحلال ،والمحرم لا يكون إلا استثناء يذكر بالنص .
2 ـ ان التشريع الذي جاء لآدم وزوجه كان بالامر والنهي معا، ان يأكلا من الجنة حيث شاءا وألا يقتربا من هذه الشجرة حتي لا يكونا من الظالمين .اذا هي شجرة واحدة يحرم الاقتراب منها وباقي الشجر حلال لهما .أي إن الامر والنهي من الله هنا (افعل او لا تفعل )هو تلخيص للشرائع السماوية التي جاءت فيما بعد ، وكل انسان عليه ان يختار ويتحمل نتيجة اختياره.
3 ـ انهما اطاعا امر الله في الاكل من المباح الحلال ولكن تسلل لهما الشيطان، ظل يوسوس لهما ويخدعهما ويزين لهما الاكل من الشجرة المحرمة حتي وقعا في الخطأ، ثم نزلا الي الارض ومعهما الدرس لأبناء آدم، ومن هنا كان التحذير الالهي لأبناء آدم ان لا يخدعهم الشيطان كما خدع أبويهم من قبل (يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ) (الأعراف 27 ).
4 ـ ان نفس القصة تتكرر في التشريع الذي نزلت به الرسالات السماوية، فالله تعالي اباح لنا الاكل من كل ما تخرجه الارض ونهانا عن اتباع خطوات الشيطان في تحريم هذا الحلال بقوله تعالي (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )( البقرة 168 ـ )( كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) (الأنعام 142 )ويقول تعالي بوجه عام(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ) (النور 21 )
فما معني خطوات الشيطان ؟؟ وكيف يتبعها أغلبية البشر ؟؟ هذا ما نفهمه من سورة الأعراف ..
ثانيا : استعراض الحلال و الحرام في سورة الأعراف :
الشيطان وتحريم الحلال و تحليل الحرام :
حين طرد الله تعالي إبليس من الملأ الأعلى توعد إبليس أبناء آدم بالغواية بشتى السبل حتي لا يكون اكثرهم مطيعين لله تعالي (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ )(الأعراف 17)
وعلي الفور بدأ خطته مع غريمه آدم وزوجه حواء حين كانا في الجنة ، وكما عصي ابليس ثم اخذ يبرر ويفلسف المعصية في عدم طاعته لربه في السجود لأدم اتبع ابليس نفس الطريق في خداع آدم ،فأخذ يوسوس إليه ليجعله يتساءل عن الحكمة في تحريم هذه الشجرة؟ واستخدم معهما أسلوب الترغيب والترهيب وان يقسم لهما بأنه ناصح لهما وما زال بهما حتي ذاقا الشجرة المحرمة .
وقد قلنا ان الطاعة هي تنفيذ الأمر أو الامتثال للنهي استجابة لصاحب الأمر جل وعلا ، يكفي ان يقول كذا فنسمع ونطيع دون جدال أو اعتراض أو استفهام او تردد .ولأن الحياة الدنيا قد جعلها الله تعالي اختبارا فإن من عناصر هذا الاختبار هو طبيعة الاوامر السماوية بإفعل او لا تفعل ، وغرائزنا التي لا تحب الاستجابة لهذا الأوامر ،ووجود الشيطان الذي يزين العصيان لأوامر الله تعالي ويجعل معصية البشر للخالق جل وعلا طاعة له بالتزوير والبهتان .
ومن هنا فإن الرسالات السماوية تأتي بافعل او لاتفعل ولكن كيد الشيطان يلاحق هذه الاوامر بالتزييف والاختراع ويزين للبشر تحريم ما احل الله واستباحة ما حرم الله، ولا يزال بهم حتي يؤسس للبشر أديانا مزيفة بوحى مزيف
.أى هي خطوات مختلفة تؤدي الي نفس النتيجة وهي الغواية ، وذلك ما حذر منه الله تعالي حين قال بعد ان روى قصة آدم :(يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ :الاعراف 27).
وفي غوايةآدم استخدم الشيطان خطوات خاصة استغل فية تشوق ادم الي معرفة كنه هذه الشجرة ، ولماذا حرمها الله، فكان ان استحل ادم ما حرمه الله عليه واكل منها حباّ فى الاستطلاع .
وبنفس المنطق فكثيرون من أبناء آدم يستحلون الحرام في الطعام والشراب والنساء والأقوال و الأفعال والتصرفات ، فيأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمر ويرتكبون الزنى ، مع القتل والتقاتل طمعا فى المزيد ، ثم يتطور فعل المعصية الي تبرير المعصية ثم تسويغ التبرير بتحويله الى استحلال بتشريعه عن طريق وحى مزيف فيتولد دين أرضى يكون مناخا للفساد فى الأرض إذا تحكم وسيطر .
وهذا هو تحليل الحرام، وهو كثير فى تشريعات الأديان الأرضية للمسلمين مثل القتل خارج القصاص، اى القتل بتهمة حد الردة و الزنا المحصن وترك الصلاة..الخ ..
وقد يغير الشيطان خططه من تحليل الحرام الى تحريم الحلال .
فاذا كان سهلا عليه ان يقنع العصاة باستحلال المحرمات فانه يفعل العكس مع المؤمنين المتدينين ،اذ لا يزال يحثهم علي المبالغة والتطرف في التدين الي درجة تحريم الحلال تحت دعاوى مختلفة مثل الزهد فى الطعام والنقاب فى الزى، وهذا ايضا انتهاك لشرع الله قد يزيد علي استحلال الحرام لأنه مزايدة علي شرع الله وتشريع بغير ما انزل الله. والأمثلة كثيرة فى تشريعات أديان المسلمين الأرضية مثل تحريم الحلال فى الطعام و تحريم الزواج ممن أحل الله تعالى الزواج منها مثل الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها .
على أن خداع الشيطان يجعل البشر المتدينين الذين يريدون المبالغة في الطاعة يبحثون عن الحكمة في التحريم وطبقا لتلك الحكمة فى التشريع يضيفون محرمات اخري ،تكون في شرع الله تعالي مباحة وحلال، ويخترع بعضهم القياس فى التحريم ، وبمرور الزمن يزداد تحريم الحلال حتي يصبح التحريم هو القاعدة والحلال هو الاستثناء خلافا لشرع الله ،وهذا بالضبط ما يريده الشيطان حين توعد أبناء آدم امام الله تعالي بان يحول بينهم وبين الصراط المستقيم (لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)(الاعراف 16:17)
من اجل ذلك حذر الله تعالي الناس جميعا من تحريم الحلال ،وكرر تحذيرهم من اتباع خطوات الشيطان (البقرة 168) (الانعام 142)( النور 21). ومن اسف فان اغلبية البشر ينسون هذا التحذير، لأنهم إما عصاة أو متدينون تدينا فاسدا مغلوطا،وهما معا ضحايا للشيطان.
ونأتي الي بعض التفصيل.
في سورة الاعراف بعد ان قص الله تعالي قصة ادم وبعد ان حذرنا من مكر الشيطان بنا حتي لا يغوينا كما خدع ابوينا من قبل يقول تعالي (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) :الاعراف 31) فهنا امر بالتزين الحلال عند كل مسجد او موضع للسجود هو امر لنا بالاكل والشرب دون اسراف .
ثم تأتي الاية التالية تستنكر تحريم الحلال:( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ .):الاعراف 32)أي لا يجوز تحريم الزينة التي خلقها الله واخرجها لعباده من الارض، ولا يجوز لأحد تحريم الطيبات من الرزق، أي كل رزق يحصل عليه الانسان بطريق مشروع بدون سرقة او سلب او غصب ،ويؤكد الله تعالي ان هذا الرزق وتلك الزينة حلال للمؤمنين في الدنيا ويشاركهم فيها غيرهم من كل ابناء آدم سواء آمنوا او كفروا، ولكن في يوم القيامة حيث يتمتع المؤمنون بنعيم الجنة فان ذلك التمتع سيكون خالصا للمؤمنين فقط .
وبعد ان استنكر الله تعالي تحريم الحلال من الزينة والرزق جاءت الاية التالية تحصر المحرمات اجمالا في خمسة اشياء :(-الفواحش وهي العلاقات غير الشرعية ، الاثم أي السيئات ـ - البغي أي الاعتداء والظلم .- الإشراك بالله . الكذب علي الله بغير علم .)يقول تعالي :(قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) :الاعراف 33)
وتحريم ما احل الله يدخل ضمن تلك المحرمات في البغي وفي الاشراك وفي التقول علي الله تعالي بالكذب والافتراء .
ثالثا :استعراض الحلال و الحرام في سورة الأنعام
لارتباط دور الشيطان فى حث البشر على تحريم الحلال و تحليل الحرام ـ فقد بدأت سورة الأنعام بالحديث عن دور الشيطان وأتباعه فى نشر الوحى الشيطانى الذى يعادى الوحى الالهى ، ووصف الله تعالى أولئك الناس بأنهم أعداء الأنبياء .إذ يؤكد رب العزة جل وعلا علي وجود اعداء لكل نبي ينشرون وحي الشياطين بين اتباعهم ، ويؤكد علي ضرورة الاحتكام الي القرآن لأثبات زيف ذلك الوحي الشيطاني الكاذب ، ويؤكد علي ان القرآن قد تمت كلماته ولا مبدل لكلمات الله ويحذّر الله جل وعلا النبي من طاعة أكثرية البشر ،بل عليه ان يلتزم بسبيل الله تعالي والله اعلم بالمهتدين.
يقول جل وعلا : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ .)(الانعام 117:111) .
وبعدهذه المقدمة الضرورية يأمر الله تعالى المؤمنين بالاكل مما يذكر اسم الله عليه طالما هم يؤمنون بالله (فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ.)(الانعام 118).
معنى ذكر اسم الله فى قوله تعالى : (فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ)
بداية التشريع أكدت دور الوحى الشيطانى فى تغيير شرع الله تعالى بما يفعله أعداء كل نبى ، وهذا يؤكد أن الوحى الالهى الحق فى الطعام هو الأولى بالاتباع ،وأن ما قرره رب العزة حلالا يمتنع تحريمه لأنه هو الطيبات الحلال فى الأكل ، لأن عليه التصريح الالهى بالأكل ، أو عليه ـ بمفهومنا ـ الختم الالهى بالحلال ـ أو بالتعبير القرآنى عليه (إسم الله ) .
وبهذا نفهم معنى قوله تعالى (فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِين). فهنا حقيقة قرآنية لم يلتفت اليها أحد وهى أن الحلال فى الطعام الذى شرع الله تعالي الاكل منه هو ما ذكر اسم الله عليه ولنتأمل ثانيا قوله تعالى ( فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ ) فليس المقصود (هنا ) وجوب ذكر اسم الله تعالى على الحيوان المذبوح حتى نأكل منه ، ولكن المعنى أن الله جل وعلا قد أحلّه ، أى وضع (توقيع ) جواز الأكل منه، والدليل أن الكلام هنا على كل الطعام وليس مجرد الذبائح. أما غيره من المحرمات المنصوص عليها فليس عليها إسم الله اى التصريح بالأكل منها.
هذه المحرمات مثل (الشجرة ) المحرمة فى قصة آدم وزوجه. لم يوضع عليها اسم الله كبقية ما كان فى جنة آدم وحواء. هنا نعيد قراءة هذا المقطع من قصة آدم وحواء فى الجنة : ( وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ ) فالرغد الطيب هو الحلال الذى عليه اسم الله جل وعلا. أما الشجرة فهى محرمة وليس عليها اسم الله تعالى بالحل.
ونعود الى سورة الأنعام :
بعد قوله تعالى (فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ ) أوضح رب العزة أنها نعمة جليلة من الله جل وعلا أن أباح الأكل من جميع الأطعمة عدا المحرم منها فعلي المؤمنين ان يشكروا الله علي هذه النعمة ، يقول تعالى : (وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ )
فهنا تعجب ممن لا يأكل مما احل الله له ،وتأكيدا علي المعني القرآني المجهول وهو ان معني (ما ذكر اسم الله عليه )هو (ما احله الله )أي ان كل ما احل الله اكله هو ما ذكر عليه اسمه .
و يتجلى هذا المعني حين تقرأ الايات فى سياقها (فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ. وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ ) (الانعام 118: 119 ). أي كلوا مما احل الله لكم ان كنتم بآياته مؤمنين ثم ينهي عن تحريم الحلال ويشير الي انه قد فصل المحرم لغير المضطر ،ويؤكد علي ان الذين يحرمون الحلال انما يضلون الناس بغير علم ويعتدون علي حق الله تعالي في التشريع. ونعيد هنا التأكيد علي ان الاكل مما ذكر اسم الله عليه يعني الاكل مما اباح الله ، وما اباح الله تعالي اكله انما يقع خارج المحرم المحدد تفصيلا لغير المضطر …
ونعود الي سورة الانعام وهي تؤكد في الاية (121 ) علي ان من الفسق او الخروج عن الايمان ان نأكل من المحرمات،وأن تلك المحرمات معناها التي لم يذكر اسم الله عليها، يقول تعالي (وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ )أى أن الأكل من المحرمات هو فسق،وأيضا فان تلك المحرمات هى التى لم يذكر اسم الله تعالى عليها.
وحتي نتأكد من ان المقصود بما لم يذكر اسم الله عليه هو المحرمات المحددة نقرأ الآية الكريمة (145)في نفس السورة والتي تحدد المحرمات وتكررها بقوله تعالي (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )ففي الاية الكريمة وصف المحرمات بأنها فسق وهو نفس الوصف للمحرمات في الاية السابقة.
والمستفاد من الآيات الكريمة السابقة أن شرع الله تعالى هنا هو امر ونهي :
*أمر بالاكل مما احل الله ،ونهي عن الاكل مما حرم الله ،والتعبير جاء بصيغة مخصوصة:(فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ )( وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ )وهنا الامر بالأكل من الحلال والنهي عن تحريمه.
*ثم يقول تعالي(ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق ) وهنا نهي عن اكل المحرم.
* وبقية الاية السابقة تنهي المؤمنين عن اتباع خطوات الشيطان ( وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ) بنفس النسق الذي جاء في سورة البقرة 168)في قوله تعالي: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )( البقرة 168 ـ )وقوله تعالى ( كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) (الأنعام 142)، وهذا ما اشارت إليه ايضا الاية 121 من سورة الانعام ونذكرها كاملة (وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ) أي اننا اذا دخلنا في جدال مع المشركين الذين يحلون الحلال ويستحلون الحرام فاننا نسير معهم في نفس طريق الشيطان وعلي وقع خطواته .ذلك انه استطاع -الشيطان- خداع( ادم وحواء)وسألهم أسئلة تبدو منطقية، وقد حذرنا الله تعالي في نهاية القصة من هذه الفتنة الشيطانية فى سورة الاعراف (20:27).
* والشيطان لا يزال يمارس دوره ولم يقدم استقالته وهو يوسوس لنا ، ويجعلنا نجادل باسلوب منطقي لماذا حرم الله هذا ؟واذا كان قد حرمه للضرر اذا فكل ما هو ضار يكون حراما، وعلي ذلك يتكاثر تحريم الحلال وينسي الجميع ان التحريم هنا حق لله تعالي وحده وعلينا ان نطيع دون ان نسأل عن السبب .
* وهذا هو الاختبار الابدي لأبناء آدم وقد سبق ان تعرض الملائكة و ابليس ثم آدم وحواء الي هذا الاختبار، والنتيجة الهامة ان المؤمن يطيع امر الله دون ان يناقشه لأن الله تعالي هو وحده الذي لا يسأل عما يفعل (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) ( :الانبياء 23 )ولا يليق بالبشر ان يسألوا الله تعالى لماذا احل ولماذا حرم كما لا يليق بهم ان يحلوا ما حرم أو أن يحرموا ما أحل .
* وبعد ذلك بآيات عديدة تدخل سورة الأنعام (136: 144 ) في حوار مع مشركي قريش حين كانوا ينذرون النذور لغير الله تعالي وحين كانوا يحرمون بعض الأنعام افتراء علي الله تعالي ، ويتكرر في الايات الكريمة وصفين للافتراء (فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)( سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ) ، كما يتكرر في الحوار النهي عن اتباع خطوات الشيطان (كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ )(:142) والنهي عن الافتراء علي الله (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ :الأنعام 144).
* ثم يقول تعالي :(قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )(الانعام 145)في الاية تأكيد بالقصر والحصر علي ان المحرمات في كل ما نتناوله من طعام ليست الا الميتة والدم المسفوح من الحيوان الحي ولحم الخنزير والمقدم نذرا لغير الله تعالي، وهذه المحرمات تكون مباحة عند الاضطرار طالما لا يبغي المضطر ولا يعتدي احد علي حق الله تعالي في التشريع ويقول باستحلالها .
* ثم تأتي الآية التالية لتتحدث عن اليهود الذين حرموا أشياء فعاقبهم الله بأن جعلها عليهم حراما وجزاهم ببغيهم علي الله صاحب الحق وحده في التحليل والتحريم ،يقول تعالي : ( وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) ( الانعام 146).
* وتأتي الآية التالية بالرحمة للمؤمنين والتهديد للمجرمين (فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (الانعام 147) ، لتؤكد ان موضوع التحليل والتحريم متصل تماما بالعقيدة لأن من يحرم حلالا او يستحل حراما فانما هو مجرم ،والاجرام من صفات الشرك بالله تعالي.
* وتأتي الاية (148من سورة الانعام ) لتجعل تحريم الحلال قرينا للشرك وان من يفعل ذلك سيندم يوم القيامة: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ ) أى يتحداهم رب العزة : هل عندهم من علم ليستدلوا به ، ويؤكد أنهم لا علم لديهم بل إتباع الظن والافتراء.
* ويؤكد رب العزة فى معرض التحدى لهم أن له جل وعلا الحجة البالغة ، ولكنه جل وعلا ترك الناس أحرارا فى الطاعة و المعصية ، ولو شاء لجعلهم مطيعين بالسليقة و الغريزة ، ولكنه إختبار الطاعة ، يقول جل وعلا فى الآية (149 ) من سورة الأنعام :( قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)
* ويستمر التحدي لمن يعتدى على حق الله جل وعلا فى التحريم ، فيقول جل وعلا : (قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ )(الأنعام 150). التحدى هنا يبلغ ذروته بأن يطلب الله تعالى شهادتهم لتكون حجة عليهم يوم القيامة ، فلو استمروا فى تحدى رب العزة وشهدوا على الباطل والافتراء فان الله تعالى يحذر النبى محمدا من ان يشهد معهم ، لأنها ليست مجرد تحريم الحلال ولكنها قضية عقيدية محضة ، تعنى التكذيب بآياتت الله جل وعلا و اليوم الأخر، والاعتداء على حق الله تعالى فى التحريم الذى لا يشاركه فيه أحد من خلقه . ولنتامل قوله تعالى عنهم (وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ )
* ثم تأتي الآيات( 151: 153 ) لتحدد المحرمات خارج الطعام والشراب وهن عشر محرمات او الوصايا العشر وكل ذلك منعا لأي اعتداء علي حق الله في التحريم .وآخر تلك الوصايا هى الوصية العاشرة التى تأمر و تنهى : تأمر باتباع القرآن الكريم وحده ، وتنهى عن اتباع غيره : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). وفى أتباع القرآن الكريم النجاة من الوقوع فى تحريم الحلال و تحليل الحرام .
رابعا : استعراض الحلال و الحرام في سورة البقرة :
* يأمر الله تعالي جميع الناس بالأكل مما في الارض حلالا طيبا ونهاهم عن اتباع خطوات الشيطان لأنه لنا عدو مبين ،اذ يأمرنا بالسوء والفحشاء وان نقول عن الله تعالي اكاذيب لا نعلم عنها شيئا :(يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )( البقرة 168 ـ ) أي تأكيد علي ان الحلال هو القاعدة وهو الطيبات ،وان تحريم الحلال هو اتباع لخطوات الشيطان.
* وقد كان الجاهليون فى تحريمهم الحلال قد اتبعوا عادات أرساها السابقون الذين كانوا إذا كرهوا شيئا أو رغبوا عنه قاموا بتحريمه ، لذا يجعل الله تعالى من علامات الكفر إتباع العادات والثوابت المتوارثة التى تخالف شرع الله ، لأن المفروض الاحتكام الى رب العزة فى كل ما ألفينا عليه آباءنا ، فما خالف منه كتاب الله علينا ننبذه فورا ، وما يتفق مع كتاب الله جل وعلا ولا يخالفه فهو مباح.
أما المشركون ـ فى توضيح قرآنى لملامح عقليتهم ـ فهم يتبعون المتوارث أو التراث أوما قاله السلف أوما يسمونه بالثوابت وما ألفوا عليه آباءهم ، ومنه تحريم الحلال ، لذا ففى هذا السياق عن الطعام يصف الله تعالى بالكفر وعدم التعقل كل من يحرم الحلال (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ . )(البقرة 170 :171) .
* ثم يعيد الله تعالي الخطاب للمؤمنين يأمرهم بالأكل من الحلال الطيب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) (البقرة :172 )أي تأكيد اخر للمؤمنين علي الاكل من الحلال وهو الاصل والاساس ، وهنا تأكيد على وصف الطعام الحلال بأنه (طيبات ) وبالتالى فان ما حرمه الله تعالى على وجه الاستثناء هو الخبائث .
* ثم في الاية التالية يحصر المحرمات في نفس الاشياء الاربعة (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (البقرة 173) ، وهي نفس المحرمات المذكورة ،ويجعل الاكل منها حلالا للمضطر طالما لا يفتي بأنها حلال ويبغي ويعتدي علي حق الله تعالي في التشريع .
* ثم تأتي الآية التالية وما بعدها (البقرة 174 ،175 ) تتوعد الذين يفتون بغير ما انزل الله يحللون الحرام ويحرمون الحلال ويكتمون الحق الالهي ، يقول تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ.).وهناننصح بالتدبر فى العذاب الذى ينتظر أولئك الذين يكتبون فى تشريعات الاسلام بغيرعلم، يكفى ان الله جل وعلا ـ وهو القاضى الأعظم يوم القيامة ـ يجعلهم خصوما له ،لأنهم اعتدوا على حقه فى التشريع بالحرام والحلال ، لذا لايكلمهم ولا ينظر اليهم ولا يزكيهم ،بل يتعجب من صبرهم على النار.
ويتضح مما ذكرته سورة البقرة المدنية(آية 170،171)وما ذكرته من قبل سورة الانعام المكية (121-136-155) أن مشركي العرب واليهود اعتادوا تقليد الأسلاف في تحريم الحلال ونزل القرآن فى مكة ثم المدينة يرد عليهم ويتحداهم ويحذرهم ويصفهم بالشرك وقد استمر هذا الجدال مما استلزم تكرار التأكيد الالهي علي تفصيلات المحرمات والتحذير من اضافة أي شئ حلال الي قائمة المحرمات تحديدا وتفصيلا ..
خامسا : قواعد التشريع في الحلال والحرام في سورة النحل ( سورة مكية ): :
يمكن تلخيص هذه القواعد في الآتي: (1) الحلال هو القاعدة والحرام هو الاستثناء.(2)النهي عن تحريم الحلال(3)إعتبار تحريم الحلال شركا بالله تعالي واعتداء علي حقه في التشريع .
وللقرآن منهج رائع في ربط هذه القواعد بعضها البعض.ونأخذ امثلة علي ذلك في سورة النحل :
يقول تعالي (فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّبًا وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالْدَّمَ وَلَحْمَ الْخَنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ .وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ . مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (.النحل 114:117 )
* ففي الاية 114 جاءت قاعدة ان الحلال هو الاساس وان الطعام الحلال هو الطيبات ،فأمر الله تعالى بالاكل مما رزق حلالا طيبا مع الشكر علي نعمة الله وربط ذلك بالعبادة: (فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّبًا وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُون).
* وفي الاية التالية 115 جاء التحريم بالاستثناء ،وهو بالتحديد الميتة والدم ولحم الخنزير والقرابين المقدمة لغير الله الي الأوثان وغيرها ،وما عدا هذه الاشياء الاربعة فهو حلال طيب. بل ان الاكل من هذه المحرمات تكون حلالا للمضطر طالما لا يفتي بتحليل هذا الحرام لأن تحليل الحرام مثل تحريم الحلال هو بغي وعدوان علي الله تعالي صاحب الحق الوحيد في التشريع وهذا معني (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالْدَّمَ وَلَحْمَ الْخَنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )( النحل 115 ).
* وفي الاية التالية (116) نهي الله تعالي عن تحريم هذا الحلال خارج المحرمات الاربع، واعتبر تحريم الحلال افتراء علي الله تعالي بالكذب ، وأكّد ان الذى يفترى الكذب على الله تعالى لا يفلح (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ )
* ثم توعدالله جل وعلا من يحرم الحلال بالعذاب الأليم في الآخرة أي اعتبره من المشركين (. مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ :النحل 117)
* وحتي لا نقع في ما وقع فيه اليهود حين حرموا الحلال فكان عاقبتهم بأن جعله محرما فعلا عليهم فان الاية التالية (118)تقول( وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) أي حرم عليهم الاربعة اشياء فقط واحل الباقي، فقاموا بتحريم بعض ما احل الله فجعله الله تعالي حراما عليهم ..وجعل من ضمن ذلك تحريم السبت وهذا ما ذكره في نفس السورة (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ـ النحل 124).
* وفى موضع سابق في نفس السورة أكّد الله جل وعلا ان تحريم الحلال شرك بالله (وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ )( النحل 35.).
* وجاء في سورة يونس أن تحريم الحلال و تحليل الحرام هو افتراء على الله ، أى هو تاكيد للآية (116 ) من سورة النحل (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ) ،يقول تعالى فى سورة يونس( 59 : 60): (قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ )
هنا يجعل الله تعالي من الافتراء عليه تعالي تحريم الحلال وتحليل الحرام دون اذن ،أي ان كل رزق انزله الله تعالي هو حلال، والذي خلق هذا الرزق هو الذي يملك وحده التشريع بشأنه ، وهذا الرزق يشمل كل شئ نأكله أو نشربه او نتزين به، أي كل ما نستهلكه، وليس من حق احد ان يجعل هذا حلالا وهذا حراما لأن الله تعالي لم يأذن لأحد في ان يشرع في الدين بالتحريم لأن التحريم حق له وحده ، كما حدث حين حرم شجرة معينة على آدم وزوجه ، وليس لأحد أن يسأل الله جل وعلا عن الحكمة فى التحريم ، وإلا سقط كسقوط ابليس . ومن هنا جاء هذا السؤال الاستنكاري من رب العزة عن هذا الرزق الذي انزله الله كيف تجعلون منه حراما وحلالا دون اذن الله؟اليس هذا افتراء علي الله ؟ وكذبا عليه ؟ثم ما هي عقوبة اولئك المفترين علي الله تعالي يوم القيامة ؟.
ونلاحظ الصلة الوثيقة بين آيتي سورة يونس(60:59)وبين آيتي سورة الاعراف( 33:32)فكلتاهما تتحدثان عن نعم الله التي انزلها لعباده وتستنكر تحريمها وتجعل ذلك التحريم كذبا علي الله تعالي .
*ولأنها قضية عقيدة ـ أى التحريم ـ ولأنها تخص مقام الألوهية فقد جاء اللوم والتأنيب للنبى محمد فى سورة التحريم حين امتنع النبي عن تناول بعض الطعام وحرمه علي نفسه ، فنزل الوحي إليه يؤنبه قائلا (يا ايها النبي لم تحرم ما احل الله لك :التحريم 1)أي ان التحريم حق لله تعالي وحده ويقوم الرسول بتبليغه عن الله ولا يملك النبي الا ان يتبع الوحي ويطيعه.
والرسول هو النبى حين ينطق بالوحى القرآنى ، ولذا فطاعته طاعة للوحى ،وبعد موته فان الرسول هو الرسالة أى القرآن القائم بيننا محفوظا من لدن الله جل وعلا ، وهو النور الذى يتبعه المؤمنون الى قيام الساعة .وهذا الرسول أو تلك الرسالة ـأو القرآن الكريم فيه تحليل الطيبات وتحريم الخبائث ، وسبق التاكيد على أن الطيبات لا تعنى سوى الحلال من الطعام ن وبالتالى فان الخبائث هى المحرمات الأربع المحددة . وهذا معنى قوله جل وعلا عن الرسول محمد خاتم النبيين :(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )( الأعراف 157 ). وبمقارنة هذه الاية الكريمة من سورة الأعراف مع الآية الأولى من سورة التحريم التى تؤنب (النبى ) على تحريم ما أحل الله له ، يتضح لنا الفارق بين النبى و الرسول ، فالنبى هو شخص محمد وعلاقاته و تعاملاته فى المجتمع الذى يحيط به ،أما الرسول فهو النبى محمد حين كان ينطق بالرسالة ويطبقها،لذا فان الطاعة تأتى للرسول وليس النبى ، ولذا فان التأنيب يأتى للنبى وليس الرسول. والتفاصيل فى كتابنا ( القرآن وكفى ).
سادسا : تفصيلات أخيرة فى الحلال و الحرام فى سورة المائدة
* لأن جدالهم استمر حول تحريم الحلال في الأنعام فان اول آية من سورة المائدة جاءت تؤكد ما سبق تأكيده وتخاطب المؤمنين فتقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ) :المائدة 1 ) والانعام هي الحيوانات المستأنسة والصيد هو الحيوان البري الوحشي، والحيوان مقصود به الحيوان والطيور وكل ذلك حلال ويستثني منه الأربعة المعروفة وهي حرام دائما الا عند الاضطرار بدون بغي او عدوان علي حق الله في التشريع. ويضاف الي ذلك عدم قتل الصيد عند الاحرام في الكعبة، وتلك حالة استثنائية اذ انه بعد انتهاء مناسك الحج يجوز الصيد .
اذن فالاصل هو الحلال (أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ ) والاستثناء هو (إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ) ما يتلي من المحرمات المذكورة بالنص والتفصيل الذى جاءت به الآية الثالثة من نفس السورة. ونفس المعنى جاء ايضا في قوله تعالي (واحلت لكم الانعام الا ما يتلي عليكم، فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور :الحج 30)وكل ذلك التأكيد المتكرر انما جاء للنهي عن تحريم الحلال واعتباره قول زور. ويضاف حكم آخر استثنائى هو عدم استحلال الصيد فى الحرم (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ) .
*فى ألاية الثانية يقول تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ اللَّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) ( المائدة 2 ). وهنا نهى عن استحلال شعائر الله فيما يخص الحج والحجيج ، وفيما يخص الطعام قال تعالى (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ ). أى بعد انتهاء الاحرام يحل الصيد . وهذا الايجاز فى أول آيتين فى سورة المائدة جاء تفصيلهما فى آيات أخرى فى نفس السورة ، أهمها الآية الثالثة التالية:
* وفيها يقول تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ( المائدة 3 )
سبق ذكر المحرمات الأربع من قبل وهى ( الميتة ، الدم المسفوح من حيوان حى ، لحم الخنزيرفقط دون الدهن مثلا ، ما أهلّ لغير الله جل وعلا به ). وجاءت هنا تفصيلات تشرح ، فالميتة المحرمة تشمل (وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ) ، وهى أسباب للموت يحرم بها أكل الميتة إلا أن نلحقها بالتذكية أى بالذبح قبل الموت . والمنخنقة اى التى تموت بالخنق، والموقوذة أى التى تموت بالضرب الشديد ، والمتردية اى التى تسقط فتقع ميتة ، والنطيحة اى التى تموت بسبب عراك مع حيوان مثلها ، وما اكل السبع أى التى ماتت بافتراس حيوان مفترس.
ويأتى تفصيل آخر لقوله تعالى (وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ) هو قوله تعالى (وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ) أى النذور الحيوانية المقدمة للقبور المقدسة والأضرحة المقدسة والأولياء المقصدوين بالتقديس والبركة وطلب المدد ، أحياءا كانوا أو أمواتا. هذا فى الأصل من الطيبات الحلال ويتم ذبحه شرعا ، ولكن يصبح حراما إذا تم تقديمه لضريح أو ولى صوفى مقدس . وهو لا يقتصر على الذبائح بل كل طعام آخر ..ثم يتكرر التأكيد بأن لا حرج على المضطر الجائع الذى لا يستحل ما حرّم الله تعالى .
* فماذا إذا تم الصيد بحيوانات أو طيورمدربة كالكلاب أو الصقور، الاجابة فى الآية الرابعة : (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) ( المائدة 4 ).
هنا وصف للحلال من كل الطعام بانه ( طيبات ) وهو مقابل لوصف المحرمات بالخبائث. أى أن الطعام نوعان من حيث الحلال و الحرام : طيبات أحلها الله تعالى ، وخبائث حرمها الله تعالى وهى تلك الأربع المستثناة بتفاصيلها فى الاية الثالثة من سورة المائدة. والمعنى أنها ( طيبات ) ليس لأننا نستحسنها أو نستطيبها ولكن لأن الله تعالى أحلها ، أو ذكر اسمه جل وعلا عليها ، والأخرى خبائث ليس لرداءة طعمها ولكن لأن الله تعالى حرمها و ليس عليها اسم الله . وقد ألحق الله تعالى هنا ـ فى هذه الاية الكريمة ـ بالطيبات الحلال ما يتم صيده بحيوانات الصيد أو طيور الصيد ، فما يقتله حيوان الصيد فهو حلال بشرط أن نذكر اسم الله تعالى عليه . أى إن حيوان الصيد يقوم بدور السكين الذى نذبح به ، ولكن مع شرط أن نذكر اسم الله تعالى على الفريسة قبل أكلها.
* الآية الخامسة تقول :(الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ )( المائدة 5 ) . وهنا يأتى شرح آخر ، فمن المضاف للطيبات الحلال طعام أهل الكتاب . يحل لنا أكل طعامهم ويحل لهم أكل طعامنا على قدم المساواة ، وبنفس التعامل والمساواة يحل لنا أن نتزوج من نسائهم ويحل لهم أن يتزوجوا من نسائنا ـ زواجا شرعيا .
* ولا تكتفي السورة الكريمة بذلك بل تنهي مكررا ومجددا عن تحريم الحلال وتعتبره اعتداء علي حق الله تعالي في التشريع والتحريم، وتأمر المؤمنين بالاكل مما رزق الله حلالا طيبا، ويقول تعالي(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ ) )(المائدة 87 : 88 ). ويتكرر هنا وصف الحلال بأنه (طَيِّبَاتِ) لا يجوز تحريمها . فكل لحم أو طعام خارج المحرمات فهو حلال من الطيبات ، يستوى فى ذلك إن كنا نستسيغه أو نستقذره . لا فارق بين لحم الديدان والكلاب والحمير والفئران والحشرات وكل ما هو خارج الأربع المحرمة. من حقنا أن نستقذره ونعرض عنه بسبب ما تعودناه وما ألفناه فى ثقافتنا ، ولكن ليس لنا أن نحرمه ..فهو أصناف من اللحوم وتحتوى على نفس البروتين والدهون والأملاح ، بغض النظر عن رؤيتنا له . رؤيتنا له ذاتية ، وتختلف من شعب لآخر بل من شخص لآخر ، بل تختلف لدى الشخص الواحد ، ومثلا فانك تنظر الى اللحم المعلق عند الجزار فتشتهيه وتشتريه فاذا قيل لك إنه لحم حمير أو كلاب تقيأت .. لم يتغير اللحم ولكن نظرتك هى التى تغيرت. وربما تأكل لحم ثعبان وتستطيبه فاذا عرفت أنه لحم ثعبان أو لحم سحلية هاجت أمعاؤك ..الصراصير والحشرات تستقذرها ولكن لا تختلف كثيرا عن الجنبرى وغيره من الأحياء البحرية . والملاحظ ان حيوانات البحر نستطيبها ولا نستقذرها ، ولكن ما يشبهها ويعيش بيننا نكرهه ونعرض عنه. من حقك هذا وذاك ولكن ليس لك أن تحرمه ،فإن فعلت فقد اعتديت على حق الله جل وعلا فى التحريم.
* وتأتي الاية (90 ) من سورة المائدة لتحرم ـ تحريما باتا ـ الخمر والميسر والاضرحة أوالقبور المقدسة والاعتقاد في معرفة الدجالين للغيب :) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). فإذا أمتثل المؤمن لذلك واطاع فله أن يمتمع ما شاء بالحلال ، وهذا هو معنى الآية 39 من سورة المائدة.
* تقول :(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(المائدة93).هنا تؤكد الآية علي انه ليس علي المؤمنين أي حرج فيما يتناولونه من أي نوع من الطعام والشراب خارج نطاق تلك المحرمات المذكورة ، أي طالما اجتنبت الاكل من الميتة والدم ولحم الخنزير والطعام المقدم كقرابين للاوثان و الاولياء المقدسين وطالما اجتنبت شرب الخمر فليس عليك جناح في ان تأكل وان تشرب ما تشاء بشرط ان تحصل عليه بطريق شرعي دون سرقة او نهب،وذلك معني اشتراط التقوي والايمان والاحسان (ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) .
* ونعود الي أوائل سورة المائدة وهي تتحدث عن المحرمات وتضع لها اشارتين :الأولى هو المحرمات التي نزل بها القرآن وهي الاربعة المعروفة وتفصيلاتها (الميتة والدم ولحم الخنزير والقرابين المقدمة للأوثان و الاضرحة )والاشارة الاخري هي عدم قتل الصيد عند الاحرام في الحرم :(أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ) .
ومن هنا تتوسع سورة المائدة في الايتين (94، : 95) في تحريم الصيد عند الاحرام بالحج والعمرة عند البيت الحرام :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ) . هنا التاكيد على تحريم قتل الصيد عند الاحرام وفى البيت الحرام ، وتجعل غرامة علي من يفعل ذلك متعمدا.
* ثم تأتي الاية (96 )لتستثني من الميتة المحرمة كل ما يصاد من البحر، ومعلوم ان الاحياء المائية تموت بمجرد خروجها من البحر تقول الاية (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) ، أي ان كل صيد بحري او طعام بحري فهو حلال حيا كان او ميتا، ويحرم صيد البر في حالة الاحرام فقط ..
وهذا هو الشرح التفصيلي الذي جاء في اخر سورة نزلت في القرآن الكريم في الحلال والحرام في الطعام والشراب وبها اكتمل الاسلام . ومع ذلك فقد تناثر في سور اخري من القرآن تأكيدات اخري تؤكد علي نفس القواعد القرآنية .
أخيرا :
بذلك نكون قد استقصينا ـ في ايجازـ معظم آيات القرآن الكريم في ما يخص الحلال والحرام في الطعام والشراب. ونخرج منها بالحقائق التالية :
1 ـ الحلال هو الطيبات والحرام هو الخبائث .
2 ـ الحلال هو الأصل والحرام هو الاستثناء
3- لا يجوز تحريم الحلال .
4- تحريم الحلال يعتبر شركا بالله واعتداء علي حقه سبحانه وتعالي في التشريع .

اين موقع التدخين مما سبق ؟
هنا أيضا نؤكد:
1 ـ ليس التدخين طعاما ولا شرابا ، ليس شيئا (نأكله أو نشربه ) بل هو ( دخان ) نستنشقه ،وليست له علاقة بالجهاز الهضمى بل بالجهاز التنفسى . صحيح إنه لا يلببث أن يذوب فى الدم ويجرى فى الجهاز الدورى ولكن ذلك لا يجعله ضمن الطعام و الشراب ، فليس كل ما يجرى فى الدم محسوبا من الطعام والشراب ، فنحن نشم العطور وينفذ أريجها الى دمائنا ولا نقول إننا نأكل العطور أو نشربها ، والطاهى فى المطبخ ومن يمر بأوانى الطعام ومن يشم رائحة الشواء تتسلل كل تلك الروائح الشهية الى رئتيه ثم الى دمه ولا يؤثر ذلك فى صيامه إن كان صائما لأنه لم يأكل ولم يشرب. وغير الطيبات من الروائح الشهية والعطرية فنحن نستنشق عوادم السيارات ونبتلع ملايين الجراثيم ، منها النافع ومنها الضار، ويتعرض جلدنا للشمس فيحصل على فيتامين (د ) . ولا يؤثر هذا فى صوم الصائم لأنه ليس طعاما ولا شرابا.

التدخين لا يفطر الصائم








التدخين لا يفطّر الصائم









أولا :
ليس الدخان من الطعام والشراب ، فمجرى الطعام و الشراب هو الجهاز الهضمى ( الفم ـ البلعوم ـ المرىء ـ المعدة ـ الأمعاء الدقيقة ، فالغليظة ـ فالشرج ) أما التدخين فمجاله الجهاز التنفسى ، من القصبة الهوائية الى الرئتين شهيقا وزفيرا، وبالتالى فالتدخين لا يفطر الصوم فى رمضان أو غير رمضان .
وأيضا فليس التدخين محرما لأن التحريم لا يكون إلا بنصّ قرآنى صريح . ومثلا فإن المحرمات فى الطعام محصورة ومحددة و غيرها موصوف بالطيبات ، ويحرم تحريم شيء من تلك الطيبات ، نفهم هذا من قوله تعالى (فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّبًا وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ) (النحل 114 : 116 ) وتكرر هذا فى آيات قرآنية مثل ( البقرة 172 ـ ) ( المائدة: 1 ، 3 ـ 87 ـ ، 96 ) (الأنعام 145 ) ( يونس 59 ـ ) والمحرمات فى الشراب هى الخمر ( المائدة 90 ـ ). والتدخين ليس طعاما ولا شرابا .
نقول مرة اخرى ونؤكد:
ليس التدخين طعاما ولا شرابا ، ليس شيئا (نأكله أو نشربه ) بل هو ( دخان ) نستنشقه ،وليست له علاقة بالجهاز الهضمى بل بالجهاز التنفسى . صحيح إنه لا يلببث أن يذوب فى الدم ويجرى فى الجهاز الدورى ولكن ذلك لا يجعله ضمن الطعام و الشراب ، فليس كل ما يجرى فى الدم محسوبا من الطعام والشراب ، فنحن نشم العطور وينفذ أريجها الى دمائنا ولا نقول إننا نأكل العطور أو نشربها ، والطاهى فى المطبخ ومن يمر بأوانى الطعام ومن يشم رائحة الشواء تتسلل كل تلك الروائح الشهية الى رئتيه ثم الى دمه ولا يؤثر ذلك فى صيامه إن كان صائما لأنه لم يأكل ولم يشرب. وغير الطيبات من الروائح الشهية والعطرية فنحن نستنشق عوادم السيارات ونبتلع ملايين الجراثيم ، منها النافع ومنها الضار، ويتعرض جلدنا للشمس فيحصل على فيتامين (د ) . ولا يؤثر هذا فى صوم الصائم لأنه ليس طعاما ولا شرابا.
ثانيا :
1 ـ لم يعرف العصر العباسى التدخين والتبغ ، لأن التدخين عرفه الأوربيون من الهنود الحمر بعد الكشوفات الجغرافية ، ونقله الأوربيون ثم انتشر فى العالم ، وعرفه المسلمون فى نهاية العصر العثمانى .
وفى العصر المملوكى إكتشف المسلمون القهوة والحشيش ، واشتهر الصوفية بادمان الحشيش وسموه ( الحشيشة ) وأطلقوا عليها (لقيمة الفكر و الذكر )، وراجت بهم القهوة ، وفى نفس الوقت اتخذ الفقهاء السنيون موقف العداء من القهوة و الحشيش ، فافتوا بتحريمهما فى إطار الصراع بين دينى السنة و التصوف مما دفع الشيخ الصوفى علم الدين ابن الصاحب لأن يقول فى قصيدته المشهورة :
فى خمار الحشيش معنى مرام
يا أهيل العقول والأفهام
حرموها من غير عقل ونقل
وحرام تحريم غير الحرام .
وقال ابن الأعمى الدمشقى :
ولا نص فى تحريمها عند مالك
ولا حدّ عند الشافعى وأحمد
ولاأثبت النعمان تنجيس عينها
فخذها بحد المشرق المهند.
وذلك موضوع شرحه يطول وسيأتى بعونه جل وعلا أوانه.
ونفس الحال تقريبا حدث مع الدخان فى نهاية العصر العثمانى ، أفتى بتحريمه الفقهاء ودافع عنه بعض محققى الصوفية.

2 ـ من الفقهاء القدامي الذين حرموا التدخين في العصر العثماني :من المذهب الحنفي محمد العيني في رسالته في تحريم التدخين، وابو الحسن البصري الحنفي وعمر بن احمد المصري الحنفي وعيسي الشهادي في الاستانة ،والامام الشربنلاني واسماعيل النابلسي وعلاء الدين الحصفكي .
ومن المذهب المالكي خالد بن احمد الجعفري ساكن مكة ،وابراهيم اللقاني شيخ المالكية بمصر ،وابو الغيث القشاش المغربي وسالم السنهوري .
ومن الفقهاء الشافعية نجم الذين الغزي الشافعي الدمشقي ،وابن علان الصديقي صاحب كتاب اعلام الاخوان بتحريم الدخان ،ومحمد حياة المدني وشهاب الدين القليوبي وسليمان البحيري واحمد عبجي مفتي حلب .
ومن الفقهاء الحنبلية سائر الفقهاء النجديين والوهابيين ،ومنهم محمد بن ناصر بن معمر وعبد الله ابن عبد الرحمن ابا بطين ،ومحمد بن ابراهيم بن محمد بن عبد الوهاب ،وعبد الرحمن بن ناصر السعدي وعبد الله بن علي الفضية ،وفي مصر احمد السنهوري البهوتي .
ومن الفقهاء المصريين الذي حرموا الدخان مصطفي الحمامي ،وفي حماة السورية محمد الحامد ،وفي حلب احمد كردي المفتي فيها ،وفي دمشق بدر الدين الحسيني وهاشم الخطيب وعلي الدقر ،وقد قاموا بحملة ضد التدخين هناك .
ومن علماء الحجاز عبد الله العصامي وتلميذه محمد بن علان وعبد الله الحداد والحسين بن ابي بكر وعبد الرحمن بن محمد الحضرمي وسعيد البلخي المدني ،وعمر البصيري ومكي بن فروح.ومن تركيا محمد الخواجا .
وأشهر من دافع عن الدخان العلامة الصوفى الشيخ عبد الغنى النابلسي في كتابه (الصلح بين الاخوان في اباحة الدخان ) وقد ردّ على من أفتى بحرمته ، وقد ذكر أن بعض علماء الدولة العثمانية افتي بنجاسة التبغ وفساد صلاة المدخن ،وانه لا يعفي عن نجاسة رائحة الدخان في الثوب والبدن وان تعذر ازالتها بخلاف الخمر ،وذلك لتعمد شرب الدخان من غير ضرورة ..وقد ترتب علي تلك الفتوي ايقاع الاضطهاد بالمدخنين وقتها .

3 ـ وعلى العادة فى الفقه السنى فقد بالغ بعضهم فى تحريم الدخان الى درجة االتجديف فى الغيب والكذب على الله تعالى ورسوله ، فبعضهم افتي بأن المدخن يحشر يوم القيامة في جهنم مع شارب الخمر اسود الوجه والغليون في عنقه يلتهب نارا ،وصنعوا في ذلك احاديث نسبوها للنبي ، ، تجعل المدخن من أصحاب الجحيم . أى إن مصانع أنتاج الحديث كانت تعمل بكل طاقتها حتى العصر العثمانى ، مع ان التدخين ظهر بعد عصر النبي بحوالي عشرة قرون ولم يكن النبي يعلم بما سيحدث بعده .
على أن الوهابيين هم أكثر من حارب التدخين وجعل حرب التدخين من أصول الدين ( السنى ) فهناك فتوى محمد بن ناصر بن معمر الحنبلي النجدي الذي الحق التدخين بالخمر وقرر ان المدخن يجب معاقبته بالجلد اربعين جلدة ،وايده عبد الله بن عبد الرحمن في فتوي مشابهه ، ولا يزال التدخين من اهم وأفظع المنكرات فى المملكة السعودية .
وهذا يعطينا فكرة عن ان تحريم الدخان ارتبط احيانا بنوع من التفريعات الفقهية والاحكام الاضافية التي تتطرف في تحريم الدخان وتمتد الي متعلقات المدخنين والتدخين ،مثل القول بفساد صلاة المدخن ونجاسة ثيابه وبدنه ،واختراع احاديث للنبي تجعله من اصحاب الجحيم .
ثم فتاوي اخري تلحق التدخين بالخمور وتجعله من المسكرات .وقد بدأ هذا القول في العصر العثماني ،وممن قاله ابن العلاء الصديقي في كتابه (اعلام الاخوان بتحريم الدخان )وكرر نفس الفتوي محمد بن ناصر بن معمر الحنبلي النجدي الذي الحق التدخين بالخمر وقرر ان المدخن يجب معاقبته بالجلد اربعين جلدة ،وايده عبد الله بن عبد الرحمن في فتوي مشابهه .وقبلهم قال خالد بن احمد الجعفري ساكن مكة انه لا تجوز امامة من يشرب الخمر ولا تجوز الصلاة خلفه ،ولا تجوز شهادته ،وبالتالي لا يجوز الاتجار بالدخان .

4 ـ وفي عصرنا الراهن تكرر الموقف من الفقهاء المعاصرين الذين حرموا الدخان واستدلوا بنفس الادلة ،وقال بعضهم بنفس التطرف في التفريعات الفقهية خصوصا مع دخول المسلمين فى المرحلة النفطية و السيطرة السعودية الوهابية ، حيث قامت دعائم الفكر الوهابي علي عدة اسس منها تحريم الدخان ،واشتهروا بذلك في تاريخ الدولة السعودية الاولي والثانية والثالثة الحالية .وفي عصرنا الحالي يفتي مفتي السعودية السابق محمد بن ابراهيم بتحريم الدخان وعدم جواز امامة من يشرب الدخان وتحريم الاتجار به ،ويفتي عبد الرحمن الناصر السعدي بتحريم الدخان والاتجار فيه وتحريم الاعانة علي ذلك ،وعلي من يفعل ذلك ان يتوب .
ويشتم بعض الفقهاء السعوديين الفقهاء الاخرين المخالفين لهم في الرأي والذين يردون عليهم بالحجج الفقهية ،فيشتم عبد الرازق عفيفي الفقيه الذي يطالب بدليل شرعي ينص علي تحريم الدخان بالاسم ولا يقتنع بالنصوص العامة ،يقول عنه ( قصير النظر ضعيف الفكر جاهل بمصادر الشريعة استهواه الشيطان وحبب له الخبائث ) ،وقال محمد بن مانع مدير معارف السعودية في عصره ان القول باباحة التدخين (ضرب من الهذيان ،فلا يعول عليه الانسان ..فلا تغتر بأقوال المبيحين )( شعيب العباسي :السيجارة مقبرة المدخنين :166،168 ،172،194،157،180 :181 ،173 -،148 .-جريدة الاخبار 22/4/1994 ، جريدة اللواء الاسلامي 9/12/1993 ،جريدة الجمهورية 18/7/1980 .)
وبالتعاون مع منظمة الصحة العالمية (WHO ) وبدعم السعودية تم عقد المؤتمر الاول في جنيف من 9 : 14 سبتمبر 1974 لتحريم الدخان ،وشارك فيه علماء من الازهر ومن السعودية ،كان ابرزهم شيخ الازهر وقتها الشيخ جاد الحق ،ود.عبد الجليل شلبي ،ود.حامد جامع ،ود.زكريا البري ،الشيخ عطية صقر ،الشيخ مصطفي محمد الحديدي الطير ،الشيخ عبد الله المشد ،ود.احمد عمر هاشم ،د. الحسيني عبد المجيد هاشم .واتخذت بحوث المؤتمر اساسا فكريا لكل الابحاث التالية في تحريم التدخين واستنكاره في العالم الاسلامي .وعقدت بعده مؤتمرات في داخل البلاد الاسلامية منها ذلك المؤتمر الذي انعقد في نوفمبر 1993 وحضره مائة فقيه اسلامي .
ومع كل هذه المؤتمرات فأنها لم تأت بجديد في الناحية الفقهية .اذ انها رددت ولاتزال تردد نفس الادلة وتتمسك بنفس العلل والاسباب .

5 ـ اشهر من حرم التدخين في عصرنا :
اشهر من حرم التدخين في العصر الحديث هو شيخ الازهر محمود شلتوت في الستينيات من القرن العشرين .وقد بني علة التحريم علي اساس الضرر قائلا :ان اضرار الدخان في الصحة والمال تقتضي حظره ،وافتي بتفريعات اخري منها تحريم زراعة الدخان وصناعته مالم تعرف له فوائد اخري ،وافتي بصحة الصلاة في حقل الدخان [الفتاوي للشيخ شلتوت 384 :385 :القاهرة 1964 ].هذا مع ان شيخ الازهر الاسبق محمود شلتوت كان يدخن ولم يقلع عن التدخين !!.
والدكتور زكريا البري استاذ الشريعة الاسلامية في جامعة القاهرة واحد اصدقاء الرئيس السادات افتي في جريدة الاخبار في 12/10/1972 بأن حكم الدخان بين الحرام والكراهة التحريمية بعد ثبوت ضرره ..والكراهة التحريمية درجة اقل من الحرام واكبر من الكراهة العادية في الاحكام الفقهية .وافتي بتفريعات اخري منها انه يباح التدرج في الاقلاع عن التدخين لمن كان يدخن معتقدا ان التدخين حلال ،ووجوب اصدار تراخيص جديدة للاتجار فيه ،ومعاونة المتاجرين في الدخان لينتقلوا الي التجارة في اشياء بديلة ،وتدبير موارد للدولة تغنيها عن جمارك الدخان .
والدكتور زكريا البري –المتخرج في جامعة الازهر ،والذي كان يرأس الشئون الدينية للحزب الوطني الحاكم في عصر السادات ،كان يدخن ،وكان صديقه الرئيس السادات مشهورا بالغليون.
وفي الثمانينيات افتي محمد عبد الله الخطيب احد علماء الازهر بتحريم الدخان وجاء بالادلة
المعتادة .
وفي الثمانينيات ايضا افتي الدكتور محمد الطيب النجار رئيس جامعة الازهر ووكيل الازهر السابق ان هناك تشابها بين الخمر والدخان ،وهذا التشابه يوجب تحريم الدخان ،قال ذلك في ندوة تليفزيونية في التليفزيون المصري وعارضه بعض الصحفيين فرد عليه الطيب النجار في الاخبار سنة 1983 .
وفي التسعينيات اشتدت موجة تحريم الدخان بالتاثير السعودى ،وتزعمها الشيخ جاد الحق شيخ الازهر السابق الذي اعتبره هلاكا للنفس والمال واضرارا بالاخرين ،وتبعه الدكتور عمر عبد الكافي احد الدعاة المشهورين في منتصف التسعينيات ،والدكتور احد عمر هاشم الرئيس الحالي لجامعة الازهر، ود. رمضان السيوطي استاذ الشريعة في الازهر .الذي افتي بتحريم بيع الدخان ووجوب رد ثمنه للمشتري ،ووجوب احراق الدخان دون ان يرد المشتري ثمنه للبائع مثلما يجب اراقة الخمر .
اما الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوي بالازهر فقد امر بمكافحة التدخين للوقاية والعلاج ،وجعل الوقاية بالتوعية وهي من باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ،واقترح للعلاج اصدار تشريعات لمقاومة التدخين وحظر بيع السجائر لصغار السن ،وتفضيل غير المدخنين في المناصب القيادية ،وحظر التدخين في الاماكن العامة ووسائل المواصلات ،والحد من انتاج الدخان وتوزيعه ،وفرض ضرائب علي المنتجين ومنع ظهور التدخين علي شاشات السينما والتليفزيون ومنع الاعلان عن السجائر .
وافتي د.عبد الصبور شاهين بأن التدخين حرام بالنص وليس بمجرد الاجتهاد .وقال ان الخمر تدخل في انضاج التبغ ،وعليه افتي ببطلان احرام الحاج اذا دخن وهو في الحج .
وقد افتي عبد الغني تاج الدين – من علماءالازهر –بحرمة التدخين ،وافتي بأنه لا يصح ان يفطر الصائم علي سيجارة وان كان صيامه صحيحا .
اما الشيخ القرضاوي الفقيه المشهور فقد افتي بحرمة التدخين بسبب الضرر وجاء بتفريعات اخري هي :تأكيد حرمة التدخين في احوال معينة مثل تدخين الفقير ،واستيراد الدخان من بلاد الاعداء ،او كون المدخن من علماء الدين او الاطباء ،او اذا اصدر الحاكم قراره بمنع التدخين ..المدخن الراغب في الاقلاع عن التدخين ولا يستطيع يكون معذورا .تحريم الدخان اقل درجات التحريم بسبب اختلاف الفقهاء في حكمه .التدخين للمرأة اشد قبحا .دعوة اجهزة الدولة لمحاربة التدخين ومنع الاعلان عنه .وهي فتاوي لا تخلو من طرافة وتناقض .
وفي اغسطس (6/8/2000) اعلن مفتي مصر د.نصر فريد واصل في غضون حملته علي التدخين في مجلة اكتوبر ان الذي يدخن لا تقبل صلاته ولا صومه ولا زكاته ولا شهادته .والحق التدخين بالخمر والمخدرات والمعاصي ،وحكم بكفر المدخن الذي يعلم بحرمة التدخين ولا يقلع عنه ،وشبهه بمن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعضه ،وجعل التدخين والخمر من الكبائر التي تجب فيها العقوبة أي مثل الزنا والسرقة ،وبذلك يكون فاسقا لا تقبل شهادته مثل الذي يرمي المحصنات وشهادته باطلة .
و مفتي مصر السابق د. نصر فريد واصل دخل في مزايدة فى التحريم مع فقهاء السعودية الحنابلة ، فقد أصدر تفريعات اخري منها تحريم اخذ الجوائز من شركات التدخين ،وتحريم صنع الحلوي علي شكل سجائر حتي لا يتعود الاطفال علي شرب السجائر ،وامتدت فتاويه الي العلاقات الزوجية والاسرية ،فمن حق الزوج في رأيه ان يطلق زوجته المدخنة التي فشلت محاولات علاجها ،ومن حق الزوجة ان تطلب الطلاق من زوجها المدمن في نفس الحالة .وان الاب والام اذا دخن احدهما امام الاولاد فقد ارتكب اثما محرما وجريمة في حق الله وحق المجتمع تستوجب لعنة الله وعذابه في الدنيا والاخرة ،والابن المدخن هو مريض يجب علاجه ،ويجب عقاب المدخن في الاماكن العامة اذا لم يسبتجب للنصح والارشاد ،والعاملون في مجالات التدخين يجب عليهم البحث عن عمل اخر حلال ،فاذا لم يتيسر لهم ذلك ولم يكن لهم دخل اخر فلا بأس .وقال اخيرا انه لا يجوز شرعا اعطاء الزكاة للمدخن لانها اعانه له علي معصيته ،والاعانه علي المعصية تكون معصية .
وهذا التطرف من جانب المفتي في التحريم والحظر جعل شيخ الازهر د.محمد سيد طنطاوي يسارع بنشر رأيه في نفس المجلة (27 /8/2000) ليخفف من وقع اراء المفتي ،اذ قال شيخ الازهر ان تدخين السجائر مكروه ،ولا يتساوي مع شرب الخمر والزنا .

6 ـ الدولة السعودية الراهنة( الثالثة ) هى السبب .
فالعقيده الوهابيه تحرم الدخان ،وحين انشأ عبد العزيز ال سعود الدوله السعوديه الثالثه (1902- 1932)كان الاخوان المتشددون هم عماد قوته، وكانو يقتلون المدخنين بحيث كان البدو يدخنون سرا خوفا من الاخوان [جون حبيب :الاخون السعوديون :71،80،84 )وحين حاصر الاخوان الكويت كان من شروطهم ان يترك اهل الكويت شرب الدخان [ناصر السعيد: تاريخ آل سعود : 619:618 ].
ومع ذلك فحين استولى عبد العزيز على جده وامر بمصادرة مخازن الدخان فيها اشتكى التجار من خسائرهم الفادحه اذا احرق الدخان ،وعرف ان حصيلة جمارك الدخان تفوق عوائد البترول وقتها فسمح باستمرار استيراد الدخان [جلال كشك:السعوديون والحل الاسلامي 624:623 ].وبسبب مرونة عبد العزيز ثار عليه الاخوان عماد جيشه ،وبعد ان قضى عليهم سنة 1930 تهاوت تدريجيا محظورات الوهابيه من الموسيقى والغناء والتدخين والخمور،وتسربت خلسه الى القصور الملكيه وقصور الامراء[الياسيني :الدين والدوله السعوديه 95].

ونرفض تلك القصة التى يرويها ناصر السعيد ـ فى كتابه (تاريخ آل سعود ، ص 541 ) ونضطر لذكرها بكل اسف . يقول :
( ولدينا القصص الكثيرة وبالاسماء عن افعال ال سعود التي هي في منتهي الاباحية التي وصلت بهم ان يجعلوا من عقوبة (مدخن الدخان ) اكبر من عقوبة مرتكب الدعارة في بناتهم ،ونوادر آل سعود في ذلك كثيرة ،نختار منها قصة الاميرة المعروفة التي اغتصبت احد الشباب بعد ان اختطفته من الشارع العام ،ولما قضت شهوتها معه وجلس القرفصاء يستعيد انفاسه واخرج سيجارة بطريقه لا شعورية وبدأ يدخنها هاجمته الاميرة وانهالت في وجهه صارخة مرددة شتائمها بقولها الشهير ( اتشرب المخزي في حوينا يا خائن ؟) أي تدخن الدخان في بيتنا .والدخان هو الشئ (المخزي ) من الخزي !! وليس في اغتصاب الاميرات للمارة واختطافهن للرجال الابرياء أي (خزي ) او شئ مخزي ..المهم ان الاميرة استدعت هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وسلمت لهم الشاب بتهمة (تدخين المخزي ) ولما سألها احد اعضائها قائلا : ( ماالذي جاء بهذا الشاب الي القصر ليشرب الشئ المخزي امامك يا اميرة المؤمنين ؟ ) افادته الاميرة بقولها (انني وجدته في الشارع يسير بمفرده ،فاعجبت بشكله فاجبرته علي الركوب لاوسع به صدري باللعب عليه ، لكنه لم يحسن اللعب معي بل بقي متقرفصا وكأنه خائف مني ان اكله، مع ذلك يشرب المخزي في حوينا !) فأخذه (رجالات الدين )وسلموه الي الشيخ عمربن حسن رئيسهم ،الذي امر بتأديبه بجريمتين ارتكبهما الشاب ،الاولي :عدم احسان الشاب اللعب مع الاميرة !، والجريمة الثانية هي (تدخين المخزي في حويتها )أي تدخينه الدخان في قصرها ..هذه قصة شائعة حدثت في عام 1946 وذلك قبل ان يبدأ الامراء الآن باستيراد الدخان الامريكي ..ليصبحوا وكالاء شركاته ).انتهى ..
واصبح مشهورا ادمان بعض الامراء والملوك السعوديين للخمور والسجائر ، وحين اقتحم الاخوان الجدد الحرم المكي سنة 1979 فى حركة جهيمان العتيبى ،كان ولي العهد الامير فهد يحضر مؤتمرا في تونس وبسبب انزعاجه الشديد كان يدخن بشراهه علنا امام آلات التصوير.(ملف الانتفاضه :47:اصدار منظمة الثوره الاسلاميه. ) .
هذا بينما يجتهد الفقهاء السعوديون وخدمهم في تحريم الدخان.

أخيرا
1 ـ وبرغم الصخب السابق نقول إن التدخين مباح ولا يصح تحريمه طالما لم يرد نصّ قرآنى بتحريمه ، والمحرمات محددة لا يصح الاضافة اليها ، وليس هناك قياس فى التحريم لأن القياس يؤدى الى تحريم الحلال المباح ،أى الاعتداء على حق الله تعالى فى التشريع .
ونؤكد أيضا أن التدخين الذى يتخذ مجراه فى الجهاز التنفسى لا يؤثر فى الصيام ، ولا يفطر به الصائم.

2 ـ ونتساءل : ماذا لو عرف العصر العباسى الدخان لأول مرة .. ماذا كان سيفتى ويقول الأئمة مالك والشافعى والبخارى ؟
دعنا نبتسم ونتخيل ماذا كانوا سيقولون،ونكتب تخيلنا هنا للترفيه عن القارىء :
* سيكتب مؤلف الموطأ نقلا عن مالك تحت عنوان (أحاديث فى تحريم التدخين فى نهار رمضان ):
( وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أنه قال : من دخن عامدا متعمدا فى نهار رمضان لم يجزئه صوم الدهر كله وإن صامه .)
( حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أنه قال : بئس عبد السيجارة ..بئس ابن الحمارة.. بئس وانتكس وإذ شيك فلا انتقش .)
(وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، وَأَبَا، هُرَيْرَةَ فى حديث يرفعه الى .. يؤتى يوم القيامة بالمدخنين وعلى وجوههم دخان من طين فيلقى بهم فى جهنم فى وادى النيكوتين ليتجرعوا العذاب أبد الآبدين .ما تقولش آمين ..)
* وسيكتب الشافعى فى (الأم ):
وأكره للصائم أن يفطرعلى سيجارة أو أن يدخن وهو يركب الحمارة ، واحب للمدخن قبل السحور أن ينفث الدخان على اليمين ليكون من أهل اليمين ،وأكره له أن ينفث الدخان على الشمال حتى لا يكون من اليساريين و الشيوعيين أصحاب الشمال.
وقال الشافعى :
‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ ومن أفطر وهو مسافر فى رمضان فلا يجوز له التدخين إلا بعد أربعين فرسخا .. .فإن اشعل سيجارة قبل بلوغه الفرسخ الأربعين رجع من سفره الى الفرسخ الأول ..
وإن إضطر الرجل للتدخين كأن هددوه بسكين فأكره له أن يستعمل السجائر الأمريكية الامبريالية ، وعليه بالسجائر المصرية، برغم ما فيها من حشرات حرصا على اصلاح ميزان المدفوعات.. والضرورات تبيح المحظورات .
‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ ومن أدركه الفجر وهو يدخن الجوزة أو الشيشة أو السجارة أو السيجار فأسرع فابتلع الدخان أتم صومه وعليه القضاء . فإن غلبه الدخان فنفثه فى الهواء صح صومه وليس عليه قضاء .
‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ ومن ادركه الفجر وهو يدخن فاراد كتم النفس ( بفتح النون والفاء ) وكان فى وضع غير مريح فغلبه الريح فقد انتقض وضوؤه ولكن يصح صيامه ..
‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ ومن أدركه الفجر وهو يجامع زوجته وهو يدخن أثناء الجماع فاسرع فنزع وأطفأ السيجارة صح صومه ، حتى لو أنزل بعدها وقت دخول الصوم ،لأنه أنزل بعد مباشرة مباحة . فإن نزع وغفل عن إطفاء السيجارة فصيامه صحيح ، فإن تعمد ألا يطفىء السيجارة بطل صومه وعليه فدية وكفارة . وقال بعض أصحابنا إن عليه تقديم الفدية قاروصة سجاير مارلبورو ..
وسيكتب البخارى فى باب ( تحريم التدخين )
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ .. حديثا يقول : قوم من امتى لا تشملهم شفاعتى ..يشربون الجوزة والشيشة ..ألا سحقا لهم .إذا لقيتموهم فالعنوهم ..قيل لأبى هريرة : هل سمعت هذا الحديث من الرسول عليه الصلاة و السلام ؟ فضحك وقال : كلا ..إنه من كيس أبى هريرة.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى ـ هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ ـ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ، أَخْبَرَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ، سَمِعَ ابن عباس يقول : من اصبح جنبا بلا إحتلام وعلى سيمائه التدخين بلا احتشام فقد بطل صومه والسلام.. وده آخر كلام ..
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضى الله عنه أنه قال : إن المدخن إذا أشعل السيجارة فإن ملكا من الملائكة يقعد على يمينه ويقعد الشيطان على شماله ، فاذا عطس المدخن بادره الملك فصفعه على قفاه وقال : ذق أمراض الصدر قبل أن تذوق عذاب القبر ، بينما يربت الشيطان على قفاه ويقول : إشرب ما تشاء يا ابن اللخناء ولا تستمع للسفهاء .. قالوا يا أبا هريرة : هل سمعت الرسول يقول هذا الحديث ؟ فقال : لم اسمعه ، وإنما رويته عن ابن عمر ، وهو أحفظ منى .. )

الثلاثاء، 28 يوليو 2009

ابو هريره والكلاب




ابو هريره والكلاب






هل تريد ان تكون مفكرا ؟ ضع نصب عينيك سؤالا واحدا يقول :" لماذا ؟" احمله على كاهل عقلك تواجه به كل مألوف من الثوابت المحيطة بك . منذ صغرى وأنا أحمل هذا التساؤل وكان دائما يسعدنى ويشقينى ،
واول "لماذا" ظريفة تسللت الى عقلى وجعلتنى اقف موقفا متشككا من الفقه والحديث والسنة ، فحين كنت طالبا فى الاعدادى تعلمنا فى الفقه أن الكلب نجاسة مغلظة لا بد من التطهر منه سبع مرات احداهن بالتراب. ولكن القرآن الكريم يقول شيئا مختلفا . لو كان الكلب حيوانا نجسا ما صحبه أهل الكهف معهم وهم يتسللون لواذا من قريتهم الظالم أهلها . أهل الكهف شباب أطهار وصفهم الله تعالى بأنهم فتية آمنوا بربهم وزادهم الله تعالى هدى ، فكيف لمن كان فى منزلتهم فى التقوى والايمان أن يصحب معه كلبا اذا كان الكلب نجسا يتأفف المؤمن من الاقتراب منه كما نفعل نحن الان ؟.
لقد أباح الله تعالى لنا أن نأكل مما تصطاده لنا كلاب الصيد ، فاذا ماتت الفريسة بين انيابها فلا حاجة لذبحها بل نطهوها مباشرة لأن أسنان الكلب طاهرة مثل السكين الذى نذبح به. وأذا كان رب العزة قد جعل هذا تشريعا فى كتابه الحكيم { المائدة 4 } فلماذا يكون الكلب نجسا نجاسة مغلظة وهو الذى نأكل مباشرة مما يصطاده لنا بأسنانه ؟
سألت نفسى " لماذا " جعل الفقهاء السنيين الكلب نجسا بالمخالفة لتشريع الاسلام ؟
وتتابعت "لماذات " كثيرة عن الكلب المظلوم فى تراثنا الفقهى وحياتنا المعاصرة.
ما يلفت النظر أن الكلب – عكس القط - مشهور بالوفاء لصاحبه وخدمته باخلاص ، يستوى فى ذلك ان كان الانسان يعيش فى الصحراء الجليدية أو فى الريف أو فى الصحراء . أن من أقذع الهجاء فى العصر الأموى ما قاله جرير الخطفى فى قوم الأخطل.
قال يصفهم بالبخل الشديد :
قوم اذا استنبح الضيفان كلبهم قالوا لأمهم بولى على النار
فتمنع البول ـ شحا أن تمنع البول ـ شحا أن تجود به ـ وما تجود الا بمقدار
كان من عادة العرب فى البوادى أن يشعلوا النار ليهتدى بضوئها الضيوف . وكان من عادة الضيوف ـ السائرين فى ليل الصحراء اذا اقتربوا من مضارب قبيلة ما - أن يتحرشوا بالكلاب لتنبح فيعرف أهل القبيلة أن ثمة ضيوفا قادمين فيتأهبون لاستقبالهم . ويتهم جرير قبيلة الأخطل انه اذا استنبح الضيفان كلبهم ليلا أطفأت أمهم النار - ببولها ـ حتى لا يصل اليهم الضيوف .
بغض النظر عن تلك الصورة الشعرية المضحكة الموحية والنابضة بالحياة التى رسمها جريرفى شعره فان الكلب هنا يبدو فيها عنصرا هاما فى الحياة العربية ، ولا يزال . والقصص فى التراث كثيرة عن ذكاء الكلب ووفائه لصاحبه .
والسؤال هنا أيضا لماذا يعامل الفقه السنى الكلب بهذا الاحتقار مع عظيم فائدته ووفائه واخلاصه ؟
ان أقوى قبيلة فى العصر الأموى كانت قبيلة " كلب " التى كانت تنتمى الى قبائل العرب اليمنية القحطانية مثل الأنصار. كانت "كلب "هى القبيلة التى كانت تسيطر على الطرق المؤدية للشام ، وكانت لها صلات وثيقة بالأمويين فى مكة . تزعم الأمويون رحلة الشتاء والصيف ، وبتحالفهم مع قبيلة "كلب " كانت قوافل قريش تسير فى الشام لا يتعرض لها أحد . ثم اختار الأمويون الدخول فى الاسلام حرصا على مصالحهم السياسية والتجارية ، وبعد اخماد حركة الردة أقنعوا أبا بكر والمسلمين بفتح الشام والعراق . وأحيا الأمويون التحالف القديم مع قبيلة "كلب " فسهلت " كلب " للمسلمين غزو الشام والعراق . وتوثق التحالف بين " كلب " ومعاوية اثناء ولايته على الشام ، و بسيوفهم استطاع أن يقيم ملكه . مذ كان معاوية أميرا على الشام فى خلافة عمر تزوج ابنة بحدل الكلبى أشهر زعيم لقبيلة "كلب" وانجب منها ابنه " يزيد ". كانت ميسون بنت بحدل الكلبى منذ أن استقر بها المقام فى قصر معاوية فى دمشق تحن الى حياة الصحراء وخشونتها ، وقالت فى ذلك شعرا مشهورا ، كان منه:
ولبس عباءة وتقر عينى أحب الى من لبس الشفوف .
فطلقها معاوية وأرسلها لأهلها ومعها ابنها يزيد ليتربى هناك فى مضارب أخواله فى الصحراء ليتعلم الفروسية والفصاحة. ولم يؤثر هذا الطلاق فى الحلف بين معاوية وقبيلة " كلب " بدليل أنهم هم الذين أرسوا توارث الحكم لأول مرة فى تاريخ المسلمين بتعيين ابن ميسون الكلبية "يزيد بن معاوية" ولى عهد لأبيه ثُم خليفة بعده.
وظل تاريخ الدولة الأموية يتأرجح فى أتون الصراع بين قبيلة "كلب " أقوى القبائل العربية القحطانية اليمنية وقبيلة " قيس " المضرية أقوى القبائل العربية الشماليةالعدنانية، حتى انشقت " كلب " على الأمويين وانضمت للدعوة الجديدة التى أقامها العباسيون فانهارت الدولة الأموية .
هذه القبيلة المشهورة - التى أقامت الدولة الأموية وأسقطتها والتى قامت على أكتافها الفتوحات العربية من بدايتها حتى وصلت الى آسيا الوسطى شرقا وجنوب فرنسا غربا - كان اسمها " كلب ". لم يستنكف أحدهم ان يقول بملء فمه أنه "كلبى " ، أوانه " ابن كلب " فلماذا أصبحت كلمة " ابن كلب " لعنة وسبا فى حياتنا الاجتماعية المتاثره بالفقه السنى ؟

أكثر من ذلك انك لو بالغت فى شتم اعداء لك ستقول لهم "أولاد كلاب " . مع اننا نعرف ان احد اجداد النبى محمد عليه السلام اسمه "كلاب "، يعنى اذا نسبت النبى محمد لجده " كلاب " وقلت انه "ابن كلاب " فقد قلت نسبه الحقيقى الشرعى ولا عيب فى ذلك ، ولكن الفقيه السنى سيصاب بامساك واسهال فى بطنه و" حول " – بفتح الحاء وفتح الواو – فى عينيه اذا طرأت له هذه الفكرة.

ـ باختصار : أننا ـ نحن العرب ـ الشعب الوحيد الذى يعترف بفضل الكلاب ولكن يجعلها نجسه ومحتقرة ويجعلها شتيمة وسبا ولعنة. والسؤال هنا " لماذا"؟ .
سألت نفسى منذ الصغر لماذا هذا الظلم لهذا الحيوان المخلص الوفى . وتجدد السؤال الى أن عثرت على السبب ، أنه أبو هريرة ، أكبر وأشهر كذاب فى تاريخ المسلمين وتراثهم.

ـ أبو هريرة مع شهرته الا ان اسمه الحقيقى مختلف فيه، طغت على اسمه كنيته :" أبوهريرة" بسبب شهرته بحمله للقطط الصغيرة . ولو ظل رجل يحمل قطة صغيرة فى ذهابه وايابه وسيره وحله وترحاله بحيث يطلق عليه : أبو هريرة لكان محلا للسخرية من الناس. وهكذا كان أبوهريرة فى حياته كما جاء فى تاريخه ، كان الناس يستهزئون به وكان يستمرىء منهم هذا الاستهزاء حتى وهو شيخ فى أرذل العمر ، حتى وهو أمير على المدينة فى الخلافة الأموية ، اذ كان يستهزىء به الكبار والأطفال طبقا لما جاء فى تاريخه . وموعدنا مع مقال خاص عما قالوه فى التراث السنى ذاته عن أبى هريرة حين كان "مسخرة " للمعاصرين له.
انه أقل الناس صحبة للنبى محمد عليه السلام ، الا أن شهرته ترجع لعاملين: لأنه عاش طويلا بعد موت كبار الصحابة ، ولأنه انحاز الى الأمويين يفترى لهم الأحاديث التى تناصرهم ، ويقوم القصاصون برواية احاديثه بعد الصلاة حيث كان القصاص وظيفة رسمية فى العصر الأموى تعادل منصب القضاء ،حيث كان القصاص يقوم بوظيفة وزير الاعلام فى عصرنا.
وابو هريرة - بأحاديثه التى نشرها القصاصون وتداولها الناس بالرواية الشفهية - هواشهر مؤسسى الثقافة السمعية التى لا زلنا أسرى لها حتى الآن ، وهى المسئولة عن تخلفنا العقلى والفكرى والدينى خصوصا بعد تدوين هذه الثقافة السمعية الشفهية ونسبتها كذبا وزورا للنبى محمد عليه السلام فى العصر العباسى ، اذ أصبحت دينا اسمه " السنة " وله تشريع يسمى " الفقه السنى ".

ـ أبو هريره فى تخلفه العقلى كان متعصبا للقطة منحازا لها فى كراهيتها للكلب ، أبو هريرة المسكين كره الكلاب لأن الهرة تكره الكلاب. وانعكس هذا فى أحاديثه التى جعلت الكلب نجسا محتقرا، تقول : (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرار). (إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات). (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب). رواه مسلم حديث رقم 279)
وجاء الفقه السنى يأخذ بأحاديثه ويجعلها دينا، ويختلف فى التفصيلات كالعادة .
ننقل هنا بعض الفتاوى السنية الوهابية المعاصرة التى أحيت التخلف السنى فى عصر الانترنت ، تقول الفتوى "المباركة" :
" ذهب الجمهور إلى نجاسة الكلب بجميع أجزائه وذهب الحنفية في الأصح عندهم إلى نجاسة سؤره وطهارة بدنه، وذهب المالكية إلى طهارة سؤره وبدنه، والراجح هو مذهب الجمهور، قال الإمام النووي في المجموع: مذهبنا أن الكلاب كلها نجسة، المَُعَلَّم وغيره، الصغير والكبير، وبه قال الأوزاعي وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد ، . واحتج أصحابنا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرات. رواه مسلم .
وعن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب. رواه مسلم ، وفي رواية له: طهر إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسل سبع مرات.
والراجح نجاسة الكلب، ونجاسة جميع أجزائه، وإنما يجب غسل ما أصاب من ثوب أو بدون أو غيره بسؤره أو بدنه المبلول. والله أعلم."
ولتأكيد وجهة نظر أبى هريرة اخترع السنيون أحاديث أخرى نسبوها لأم المؤمنين عائشة، ورواها البخارى ومسلم تزعم أن من يقتنى كلبا ينتقص من أجره كل يوم قيراطاً. وأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة.
نكتة يضحك منها كل مكتئب محزون أن يقال أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة. لا يوجد الآن بيت فى العالم لبس فيه صورة انسان أو حيوان أو نبات، كما أن معظم البشر يحملون أوراق هوية أو جوازات سفر تحمل صورهم. فاذا كانت الملائكة لا تقترب من اى صورة مرسومة أو فوتوغرافية { فضلا عن السينما والتليفزيون ) فالمعنى الوارد أن الملائكة لن تدخل بيتا على الاطلاق ، فهل نجارى التخلف السنى ونسأل ببراءة : هل يعنى هذا أن الملائكة ستقضى ليالى البرد القارس فى الشارع معرضة للاصابة بالبرد والانفولنزا ؟؟
ذلك الافتراء الذى يزعم أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة أو كلب يخالف الحقيقة القرآنية التى تؤكد أن النبى محمد عليه السلام لا يعلم الغيب وليس له ان يتكلم فيه . ولكن الجهل السنى افترى هذه الأحاديث ليؤكد الخرافة ويحعلها دينا.
نكتة أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب تخالف أيضا القرآن الكريم . المؤمن بالقرآن الكريم يعلم ان هناك اثنان من الملائكة يلازمان كل انسان ويسجلان كل ما يلفظ من قول أو ما يفعل من فعل. طبقا لذلك التخلف السنى الوهابى من الممكن لأى شخص أن يتصور نفسه فى بيت ملىء بالعاهرات يفعل ما ما يشاء وسيضمن أن معاصيه لن يتم تسجيلها اذا اوقف كلبا على باب البيت ليطرد البوليس والملائكة أيضا. وهناك تطبيقات أخرى لهذه الفكرة الجهنمية لكل سارق وقاتل وخائن ومرتشى ونصيحة لهم باصطحاب الكلاب لطرد الملائكة وخداعها.
الفضل لهذه الأفكار العبقرية يرجع للتخلف السنى وأحاديثه المضحكة البائسة.
نعود الى أبى هريرة امام الفقه السنى لنرى كيف حاباه ذلك الفقه المتخلف فى أحاديثه وتشريعاته . فأكثر مما سبق تخلفا وسذاجة هو انحياز الفقه السنى للقطة واعلان طهارتها كيدا فى الكلب ، ووفاء لشيخهم أبى هريرة المأفون ، فرووا أحاديث تؤكد على طهارة القط – لاغاظة الكلب، ونقلت الفتاوى الوهابية هذا التخلف كالعادة فى عصر الانترنت. تقول احدى فتاويهم :" ..فإن الهر طاهر. ففي الموطأ والمسند والسنن أن أبا قتادة دخل على كبشة بنت كعب بن مالك وهي زوجة ابنه ، فسكبت له وضوءا ، فجاءت هرة لتشرب منه ، فأصغى لها الإناء حتى شربت. قالت كبشة: فرآني أنظر إليه. فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ فقالت: نعم. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنها ليست بنجس ، إنما هي من الطوافين أو الطوافات." فالحديث صريح في طهارة الهر كما هو واضح. وإذا كان طاهراً فلا يؤثر استلقاؤه على فراش المصلي ، ولا ملامسته له على صحة صلاته. ولكن يجب التحرز من بوله لأنه نجس عند الجمهور. ولمزيد من الفائدة فإن الكلب نجس على الراجح من أقوال أهل العلم، ونجاسته مغلظة يجب غسلها سبعاً على الراجح من أقوالهم أيضاً، وهو بعد موته أشد نجاسة منه قبل الموت، فما أصاب منه من رطوبة ثوباً أو بدناً أو غيره، فإنه يغسل سبعاً إحداها بالتراب. "
المهم أن الصراع بين القطة والكلب قد جعله أبو هريرة دينا وتشريعا ، وتأكد ذلك التخلف المضحك بالفقه السنى فى العصور الوسطى وظلاميتها. ثم جاءت الصحوة السلفية الوهابية لتبعث ذلك الافك المفترى وتنسبه للاسلام .
وفى الوقت الذى ينوء فيه المسلمون بكل أوزار العصر من تخلف وديكتاتورية وفساد وحروب أهلية وزلازل وفقر ومرض وانحلال يقوم الوهابيون السلفيون بنشر هذا التخلف المضحك لمناصرة القط والكيد للكلب ووفاء لشيخهم المقدس أبىهريرة ـ حامى حمى القطط والعدو اللدود للكلاب .
وبهذا التراث السنى الفقهى وبالصحوة السلفية المعاصرة تأثرت ثقافتنا السمعية المتخلفة فكافأنا الكلب على اخلاصه وخدمته لنا بجعله نجسا ولعنة متناسين تشريع القرآن والمكتوب فى تاريخنا نفسه. كل ذلك بسبب كذاب أشر وأفاك أثيم اسمه أبو هريرة .
ـ كل ذلك أيضا لأن احدا لم يسأل السؤال السحرى " لماذا "
هل تعرفون " لماذا" لا نسأل "لماذا" ؟
لأن اسرى الثقافة السمعية المتخلفة - الذين يعبدون الثوابت وما وجدنا عليه آباءنا - لا يسألون لماذا . هم قطيع من الأنعام طبقا لما وصفهم به رب العزة فى القرآن الكريم { البقرة170 ـ 171 } بل هم أضل سبيلا : ( الفرقان 44 ).

- المفجع ان الاخوان المسلمين - فى عصر الانترنت - يريدون أن يحكمونا بشريعة أبى هريرة التى لا يعرفون غيرها ..!! ونكاية فيهم وبابي هريره اشتريت كلبا ترونه في اعلى الصفحه يشاركني في اكلي ونومي وقيامي وقعودي ويبسط ذراعيه بجنانبي اثناء صلاتي .
و لك عزيزى القارىء الذكى ان تسأل دائما : "لماذا "؟

جرائم خلف النقاب









جرائم خلف النقاب


حتي هذه اللحظة ولا أدري ما هي الحكمة في إرتداء النساء لما يسمي بالنقاب ؟ .. في تقديري لا يوجد سببا يجعل إنسانا يخبيء وجهه ولا يظهر منه إلا العينين في مشهد يدعو إلي الإستغراب والدهشة .. فالطبيعة الإنسانية تذهب في إتجاه آخر مخالف ومغاير تماما لمثل هذا السلوك .. فالإنسان لا يتخفي بطبيعته .
وعليه ومن الناحية الدينية فالمستقر عليه عند الفقهاء أنه مسموح للمرأة إذا بلغت أن يظهر منها الوجه والكفين وهناك روايات أخري عن بعض الفقهاء يزيدون فيها الرقبة والقدمين .. ما علينا من هذا الإختلاف الفقهي ، المهم أنه ليس هناك إجماعا فقهيا علي وجوب النقاب .
وعليه .. فنحن نري أن النقاب المنتشر الآن في مجتمعاتنا العربية ما هو إلا ظاهرة إجتماعية وثقافية تعبر عن توجه محدد في الفكر ، وإن كان لها جانب ديني – تحديدا إسلامي – فلا يمكن قبولها إلا في سياق الهوس الديني والتعصب الأعمي المسيطرة مع الأسف علي مجتمعاتنا .
ولا نغادر الحقيقة حين نقرر أن المجتمع يقع تحت قهر وسيطرة هؤلاء المهووسين دينيا، فمن منا يستطيع أن يهاجم هذه الظاهرة أو ينتقدها أو يدعو لتغييرها أو يرفضها علانية، لأن رد الفعل المتوقع والبديهي أن يشهر به أنه يحارب دين الله وسنة رسوله، وأنه مرتد ينكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة ، وأنه خارج عن ملة الإسلام مهدور دمه ، وأنه يرفض الفضيلة ويدعو إلي الرذيلة ، ويدعو إلي أن تتعري النساء ويكشفن عن أجسادهن لإيقاع الرجال في الفتنة المحرمة .. وعند صدور الفتاوي الإرهابية .. هناك آلاف المتعصبين الذين يبادرون إلي تنفيذها قتلا وتدميرا وإراقة الدم البريء إرضاءا لله وللرسول .. وليضمن مكانا في الجنة إذ يحسب عند الله شهيدا ومجاهدا في سبيل الله .
ولست أدري إلي متي سنظل خاضعين لفكر سلفي متخلف لا يري في المرأة إلا جسدا وشهوة ومتعة لا يمتلكه إلا من يملك صك الملكية الشرعي ، ويجب أن يخبئه عن أعين الآخرين الذين لا هم لهم إلا النظر إلي جسد المرأة كعورة وشهوة .. متي نتعامل مع الإنسان – رجلا كان أو إمرأة – علي أنه إنسان يملك عقلا وفكرا ورأيا وتعبيرا وقلبا ومشاعرا يتعامل برقي إنساني وليسوا مجرد حيوانات تهيم علي وجهها وراء غرائزها بلا عقل أو ضمير .
تفاجئنا اليوم مشاهد في المجتمع ونحن في القرن الواحد والعشرين وفي ظل هذا التقدم العلمي والتقني والتكنولوجيا الرقمية وثورة الإتصالات أن يمد رجل يده بالسلام إلي سيدة في مجلس قد تكون زميلته أو صهرا لها أو قريبا لها فتظل يده معلقة في الهواء وتعتذر السيدة عن مد يدها للسلام علي الرجل مبررة ذلك بأن لمس الأجنبي حرام !!!!
وهناك من لا يزال يتكلم عن صوت المرأة بأنه عورة !!!
وفي نفس هذا السياق الذي يمثل منظومة كاملة تصدر الفتاوي من فقهاء وشيوخ الوهابية بمنع الإختلاط بين الإناث والذكور في العمل والتعليم وفي النوادي ....الخ وكأن كل جنس يعيش في مجتمع آخر .. ووصل حد الهوس الجنسي بالمرأة وبكل ما يصدر عنها أن أفتي أحدهم فتوي يحرم فيها علي المرأة أن تنتعل حذاء بكعب عالي لأنها حين تسير في الطريق يحدث صوتا ( طرقعة ) تثير الشهوة في الرجال !!!
وإذا تحدثنا علي أرض الواقع فالنقاب أمر خطير إجتماعيا بإسمه ترتكب الجرائم ، ويتخفي من وراء ستاره من يمارس أفعالا شاذة تضر بالسلوك الإجتماعي وبالهيئة الإجتماعية ، فقد رويت وقائع كثيرة حول ذلك منها أن رجلا كان علي علاقة آثمة بإحدي الزوجات وكان يلتقيها في بيتها مرتديا زي النقاب للنساء والأغرب أن زوجها هو من يستقبلها/هـ علي باب المنزل بإعتبارها/هـ صديقة لزوجته !! وتكرر أن قبض علي أشخاص مطلوبين للعدالة وهاربين من تنفيذ أحكام قضائية صدرت بحقهم وهم متخفيين في العباءة والنقاب ، وهناك كثيرات يتخفين في النقاب لإتيان أفعالا غير مشروعة .
فتاة هربت من أسرتها مع إنسان تحبه إلي مدينة بعيدة عن موطن الأسرة وإضطرتها الظروف أن تعود مع حبيبها إلي نفس المدينة فلم تجد صعوبة إذ إرتدت النقاب حتي لا يعرفها أحد .
وهكذا ..
مع كل يوم تنتشر فيه ظاهرة النقاب في مجتمعاتنا يملؤني اليقين أننا مجتمع يتقدم إلي الخلف ولا يسير علي قدمين .. مجتمع مشوه وغير عاقل وغير معقول .. ونسأل بعد ذلك لماذا هذه الأمة مهزومة دوما ؟!!!

حور العين......فهم مغاير








صوّر مجموعة من المفسرين جنة الخلد أنّها متاع جنسي للرجال دون النساء ويقصدون بالرجال جنس الذكور و بالنساء جنس الإناث وواصلوا بذلك اعتبار المرأة متاعا للمرء و أنّ العلاقة بين الزوجين علاقة جنسية لا غير و اعتبر المفسرون أنّ استمتاع الذكر الجنسي يستمر في جنّة الخلد دون حق الأنثى في الإستمتاع الجنسي كذلك. و رسموا لوحة زيتية لأهل الجنة بمروياتهم الحديثية تصورهم و حولهم عشرات "الحوريات" في عربدة عامة ووفرة جنسية مذهلة.
إنّ هذه المفاهيم تناقض القرآن في عمق مفاهيمه، فالقرآن أولا لا يعتبر الرجل مرادفا للذكر و لا النساء مرادفا للأنثى و إذا أعطى الله للذكور حوريات في الجنة فما هو نصيب الأنثى ؟ خاصة و أنّ القرآن قرر أنّ الجنة ليست حكرا على الذكور كما سنرى. و إذ هم وُضعوا أمام تناقضاتهم في كثير من الآيات وجدوا لمفاهيمهم مخارج وهمية للتملص من ما يظهر أنّه تناقضات في البلاغ المبين. وهذا التملص يعّبر أنّهم لا يتحركون وفق القرآن و إنما يحاولون تحريكه لصياغة موروثهم باستعمال آياته.

و هكذا عندما ترد لفظةالناس في البلاغ المبين تجعل مرة مرادفا للرجال (زين للناس حب الشهوات من النساء) و مرة بمعنى أتباع النبي الكريم محمد (ولله على الناس حِج البيت) وهم بذلك يعلمون القرآن كيف يعبر و يصححون له بالخط الأحمر ما ارتكبه من أخطاء في التعبير !!.
أكان القرآن عاجزا أن يضع الرجال بدل الناس أو المؤمنين وهو قد أورد لفظ الرجال و المؤمنين في القرآن مرات عديدة أم أنّ كتابه ليس بحق و هو في استعماله للألفاظ يقع في مثل ما يقع فيه البشر من خطأ في تعابيرهم و استعمال ألفاظهم؟
و عندما يرد لفظ الرجال في البلاغ المبين يجعل مرادفا للذكور و إذ وقعوا أمام التناقض في آيات كثيرة(2/239 24/37 ؛33/23 ؛7/46 ؛ 9/108؛ 22/27؛ 33/40) تراهم يقدرون الألفاظ و يصححون النظم و يعيدون تركيب الجمل.
البلاغ المبين يستعمل الألفاظ بحق فلا تختلف معاني لفظ من آية لأخرى و لا تتناقض بل هي تنبع من نفس المفهوم كما سأوضحه في بحث المنهج قريبا .فلا يكون الناس مرة بمعنى و مرة بمعنى آخر بل مفهوم الناس في القرآن واحد لا يتعدد. و مفهوم الرجل هو مفهوم الحركة نسبة لقاعد أو بطيء الحركة لا يقوى على اللحاق، فقد يكون الرجل ذكرا أو أنثى في كتاب الله.
للألفاظ القرآنية هندسة خاصة و مفاهيم لا تتغير و لا تنحرف عن المراد التي وضعت له و هي ترتقي في مدى معرفتنا في الكون محافظة على أصلها .
بعد هذه المقدمة ندخل في موضوعنا و هو مفهوم الحور العين في القرآن. و سأعرض مجموع الآيات التي تتحدث عن موضوعنا ملتزما منهج الترتيل القرآني و قد أُغفل نسيانا بعض الآيات أرجو من القارئ في حين تعقيبه على الموضوع عرضها.

لعل انسياق المفسرين نحو شرح الحور العين أنّها أنثى يستمتع بها الرجل في جنّة الخلد جاءت من الآيات التي تحمل ألفاظ التزويج بحور العين و لنبدأ في تأمل هذه الآية :


الدخان 44/51 ـ 56

فلفظ "زوجناهم" أوحى لهم أنّ المقصود هو المتعارف عليه وما يعقبه من معاشرة جنسية ومع أنّ لفظ "فيها" يرفع هذا الإشكال الوهمي إذ "فيها" يعبر عن مكان و ليس عن أنثى ولا ذكر. و إذا افترضنا هاء "فيها" تعود على الجنات مع أنّ الأمر مستبعد إذ "جنات" جمع و ليست مفرد، و اعتبرنا الجنات جنات متعددة داخل الجنّة الواحدة فإنّ الآيات تتحدث عن الثياب و الفاكهة و يأبى المفسرين إلاّ أن يحشروا الجنس بين الثياب و الفاكهة.

و لو قرأنا آيات الدخان أعلاه لرأينا أنّ هذا العطاء موجه للمتقين. فهل المتقين ذكور فقط؟
إنّ هذا العطاء موجه لمن يدخل جنة الخلد فإذا اعتبرنا أنّ عطاء الذكور الجنسي هو "حور العين" فما هو عطاء الإناث؟
و الغريب أنّ بعضهم يقول أنّ للإناث نفس العطاء الجنسي من "حور العين" و جعلوا الجنّة بقولهم هذا مكانا أترك للقارئ تصوره. و الحقيقة أنّ هذا القول على ما فيه من جرأة أقرب للتناسق و أقرب لتعبير البلاغ المبين إذ لا يعتبر المتقين ذكورا فقط و يحقق لمساوة في الجزاء بين الذكور و الإناث بحكم امتلاك الإثنين رغبات جنسية.
و لو أبصرنا نظم الألفاظ في آيات الدخان لرأينا أن الآية تقول "زوجناهم بحور عين" وليس "زوجناهم حورا عين" و الفارق بين النظمين هو فارق بين مفهومين. و حتى نوضح المفهوم القرآني نقرأ الآية التالية :


الأحزاب 33/37

فالتزويج الذي يعني ربط كائنين قصد البقاء النوعي برغبة جنسية أو بدونها يعبر عنها البلاغ المبين بفعل متعد إلى مفعول "تزوج فلان فلانة" و ليس "تزوج فلان بفلانة" و هذا يكفي دليلا لبداية الغوص في مراد القرآن من هذا التزويج و أنّ ما قاله مجموعة من الأسلاف لغو في البلاغ المبين و تحريف لمفاهيمه.

كل قارئ يدرك حجم التناقضات التي تحملها التفاسير السابقة و أنّها قراءة خاطئة للآيات أنتجتها ثقافة الأمة العباسية التي شاع فيها الجنس. هذه الثقافة التي أصبحت في نظر الكهنوت الرسمي مرادفا للإسلام أسس لها مبرراتها بنسفه لقواعد التعامل البسيط مع القرآن.

رؤيتنا لهذا الخطأ لا يعني أنّ الإشكال قد انتهى بل جهد معرفة مقصود الآيات يحتاج إلى نفس طويل نرجو القارئ أن يتابع معناالسير.
ما مفهوم "زوجناهم" في آيات الدخان و ما مفهوم "حور عين"؟

مفهوم التزويج في القرآن شامل لكل الكائنات :


الذاريات 51/49


يسن 36/33 ـ 36


الزخرف 43/11 ـ 12

الفيزياء الحديثة فتحت لنا آفاق كبيرة جدّا في فهم الزوجية في عالم الميت (شحنات كهربائية؛ سبينات زوجية؛ كوركات زوجية ...) و البيولوجيا الحديثة فتحت لنا ابتداءا من القرن العشرين ما لا يتصور من نوافذ و طرق تزويج الخلية و هندسة DNA اللولبية الزوجية و طرق التزواج بين الذكر و الأنثى.
فالزوج يشارك زوجه في البنية و يختلف عنه في ترتيب اللبنات في أصل البنية. و هو بهذا المفهوم يجذب إلى زوجه بحكم هذا الإختلاف؛ فالإلكترون يجذب نحو البوزيترون و الأنثى تجذب نحو الذكر. فعملية التفاعل والربط بين الزوجين هي سبيل البقاء النوعي.
إنّ عملية التزويج هي أساس البقاء و الإرتقاء في كوننا سواء كانت تفاعلا في العالم الميت أو تناسلا في العام الحي و الآية تشير أنّ أساس بقاءنا و خلودنا في دار الخلد هو هذا التزويج بـ "حورعين".
أمّا اعتبار التزويج مرادفا للمباشرة الجنسية بين ذكر و أنثى أو تمهيدا لها فهذا تنقضه الآيات التالية :


ص 38/ 55 ـ 58

فالعذاب يتلاحق بفعل المد الموجي بعد لفظ "شكله" و هو من شكل الحميم(الحار) والغساق(السائل) و لكنه أزواج أي يختلف ظاهره وهو من نفس الشكل.


الشورى 42/49 ـ 50

الآية توضح الإحتمالات الأربعة في هبة الأولاد وهي احتمالات داخلة في قانون يستحيل على الإنسانية أن تتحكم فيه. و ليس المقصود بهذا الكلام استحالة معرفة الميكانيزمات البيولوجية بل المقصود التحكم في عدد الذكور و الإناث. ما يتعلق بموضوعنا هو أنّ التزويج لا يعني عملية نكاح أو تحضير له بين الإخوة في نفس العائلة.


التكوير 81/1 ـ 7

و لا شك أنّ الأمور المصورة في الآيات لا تصف عرسا و تزويجا بالمعنى المشاع بل أنّ كل نفس يلحق بها زوجها الدنيوي الذي يمثل ذاكراتها المخزنة لأعمالها.
فالتزويج في البلاغ المبين مفهوم شامل للوجود متعد إلى كل أجزاء الكون الفسيح بما فيه الكائنات الحية. فهو قانون يصور النسخ المتشابهة في البنية التحتية و إن اختلفت المظاهر الخارجية. ولا شك أنّ هذا المفهوم لا يحمل معاني المباشرة الجنسية ولا النكاح.
فالتزويج في هذه الآية هو تزويج بين جيناتنا الدنيوية الحاملة لهويتنا و جيناتنا الأخروية الحاملة لأعمالنا وتجديدها بـ "حور حين".

و كما سطرناه سابقا فالتزويج بحور العين هو تعبير إذن عن مكان فيه الموجود المسؤول عن بقاءنا الخالد. وقبل أن نغوص في البلاغ المبين لنتعرف على هذا المكان نسجل ملاحظات ننفي بها أن تكون الجنة مكانا للذكور فقط :


الواقعة 56/1 ـ 11

فأصحاب الجنة(الميمنة و السابقون) و أصحاب النار (المشأمة) ذكورا و إناثا.
و يخبر القرآن أنّ عائلة الإنسان تلحق به في الجنة و تواصل العيش السعيد معه شرط أن تكون أعمالها شاهدة على حسن سلوكها، إذ لا ينفع النسب يوم الحساب:


الرعد 13/19 ـ 24

و في القرآن آيات أكثر من أن تُحصى توضح أنّ الجنة و نعيمها ليس حكرا على الذكور. ليس هناك في القرآن ما يسمح بالقول أنّ أغلب أهل النار إناث كما يحلو لرواة الأحاديث المكذوبة على النبي القول.
و قبل معرفة ماهية الحور العين و علاقة الربط بين اللفظين "حور"و"عين" التي وردت بهذاالربط في ثلاث آيات :
الدخان 54 ؛ الطور 20 ؛ الواقعة 22، أعيد ما قلته وهو أنّ اختصاص الذكور بحور العين مرفوض في البلاغ المبين و لنتأمل الآية التالية:


الطور 52/17 ـ 24

فالآية ابتداءا تتحدث عن نعيم المتقين (ذكورا و إناثا) و تؤكد أنّ جو الجنّة جو عائلي يمكن أن يكون امتدادا للعائلة الدنيوية إذا كان النسب عنوانا لإتصال العمل الصالح.
و يعقب وعد التزويج بحور عين إلحاق الذرية في إشارة واضحة أنّ التزويج بحور عين لا يعني المعاشرة الجنسية إذ كيف يجمع الإنسان مع زوجه و ذريته وحوله "حوريات" بالعشرات" و نفس الملاحظة في دخول الباء على حور عين لإستبعاد معنى الإقتران الجنسي. ويأتي هذا التزويج بعد وصف متاع الأكل و الشراب و الإستراحة الذي سنجده مكررا في آيات كثيرة.

و الآن سنحاول الغوص في البلاغ المبين لإستكناه معنى "الحور العين"، فنحن في هذه المقالات لا نسعى فقط لهدم قراءة الأسلاف و نقد منهجها بل نحاول جهدنا بناء منهج جديد في التفاعل مع كتاب الله.
و سبيل البحث في نظري هو قراءة الآيات التي جاء فيها لفظ "حور" و مشتقاتها (حار ؛ يحور ؛ حيران؛ الحواريون)
ثم ترتيل الآيات التي احتوت لفظ "عِين" (بكسر العين) و ربطها بمشتقاتها (عَيْن؛ عيون؛ أعين ؛معين) و محاولة فهم علاقة الربط بين اللفظين و أخيرا محاولة ربط هذا الجمع "حور عين" بمفهوم التزويج.

ولنتأمل آية الرحمان التي أتى فيها لفظ "حور" مفردا دون أن يربط بعين :


الرحمان 55/62 ـ 78

و لعل القارئ بفعل تفسير الأسلاف يظن لأول وهلةأنّ "حور" هي "حور عين" و أنّهن مقصورات في خيمتهن ينتظرن زوجهن العائد من السفر أو العمل يتجملن له ولعل القارئ قد انساق وراء الأوصاف التي أعتطها بعض الروايات لهن و ربما اشتاق لإمتلاك بعضهن. إن كان القارئ من هذا الصنف فأنا أستسمحه لأني سأهدم هذه الصورة في ذهنه. فلنقرأ الآيات حتى نرتقي لمستوى الخطاب الإلهي. و أول الملاحظات أنّ صيغة المثنى حافظت عليها الآيات من الآية 62 إلى 69 :
جنتان ... مدهمتان ... فيهما عينان ... فيهما فاكهة و نخل و رمان.
و إذا بنا نفاجأ أنّ المثنى تحول إلى جمع مؤنث :
فيهن خيرات حسان.
فلمن تعود نون "فيهن"؟
و لا شك أنّ قراءة بسيطة للآيات تبين أنّ الخيرات الحسان راجعة إلى الفاكهة و النخل و الرمان و هي بتعبيرنا الحالي فيتمينات و بروتينيات و سكريات و ..، و تواصل الآية وصف الخيرات (فيتامينات) على أنّها:
حور مقصورات في الخيام.
أي أنّ هذه الخيرات الحسان محصورة داخل خيام الفاكهة و النخل و الرمان.
هذه الخيرات مهداة "لمن خاف ربه" (55/46) ذكرا كان أو أنثى و لا تسمح لنا الآيات إخراج النساء من هذا النعيم و هي بذلك تؤكد أنّ ما ذهب إليه الأسلاف في فهمهم لحور العين خطأ فادح. و الأفدح منه أنّ بعضهم قال صراحة أنّ معنى الطمث هو افتضاض عذرية "الحورية" و الآية الكريمة بعيدة عن هذا التصور الهمجي الوقح فهي تقول "
"لم يطمثهن قبلهم إنس و لا جان"
فلفظ "قبلهم" واضح المعنى و هو أنّ الخيرات الموجودة في الفاكهة لم يذقها ولم "يفتضها" لا إنسي ولا جان، و أماّ اعتبار الحور عذارى فهن خلقن أساسا لأهل الجنة حسب زعمهم، فما معنى إيراد لفظ "قبلهم". و لقد ذهبوا بعيدا في هوسهم إذ اعتبروا أزواج الجن في زعمهم من نفس جنس أزواج الإنس و استشهدوا بهذه الآية ليبرروا دجلهم معتبرين إمكان زواج الجن بالإنس.
إنّ سياق الآية لا يستثني الإناث من كل هذا النعيم (لمن خاف مقام ربه) وسياق الآيات تتحدث عن الأكل و الشراب والإستجمام، ولسائل أن يقول، إنّ وجود الطعام و الشراب و الإستجمام بهذا الوصف لا يمنع من أن يمن الله على عباده بهبتهم علاقة جنسية خاصة في الجنّة فوق العادة مجازة لهم. فما المانع؟
المانع واضح وهو أنّ الجنة ليست مكان التناسل و بقاء النوع و لا مكان للتنافس و الدفع و أماّ الأكل و الشراب فهو عملية تجديد الطاقة اليومية التي يخضع لها كل مخلوق بطريقة أو بأخرى.
فما معنى وصف الخيرات الحسان بالحور.
لنتأمل هذه الآية :


الإنشقاق 84/10 ـ 15

فالحَوَر يصور حالة الرجوع و الحيرة تصور حالة التردد وتقليب الأمر و الرجوع إلى نفس النقطة دون إمكان الخروج والتحاور (تفاعل) هو الأخذ و الرد بين طرفين، و الحواريون هم خلص أتباع عيسى عليه السلام الذين يترددون عليه وهم من بقى معه بعد تفرق الأنصار و يلاحظ القارئ أنّي أحاول جهدي البقاء في الألفاظ القرآنية دون اللجوء ل"شعر جاهلي" و لا ل"شعر أموي أوعباسي" و أطالب القارئ أن يعود إلى مشتقات حار في القرآن ليغوص أعمق مما قدمت سابقا.
فحور إذن وصف لرجوع الخيرات إلى مكانها بعد اقتطافها، ورجوع الخيرات هو بالضرورة رجوع الفاكهة أولاّ. فالفاكهة تحوي خيرات حسان (عالية الفعالية) و هي حور (تعود على أصلها مباشرة بعد قطفها) إذ ليس هنالك حرث و زرع و هذه الخيرات محصورة في لب الخيمة المحيطة بالثمرة.

و بعد أن تعرفنا على مفهوم حور لنحاول معرفة دلالة لفظ "عِين".
و قبل أن نبدأ فلفظة عَين، عيون، أعين تعبر عن سيلان و جري إلى مدى معيّن فالعين و الأعين (حاسة البصر) تسيل و لا تتوقف عن السيلان و عيون (جمع عين) تجري وتسيل لسقي الناس وفي "عِين" إذن معنى السيلان الخفي جدا، فالكسرة في البلاغ المبين تعبر عن الخفاء (جِنّة و جَنّة).
و لنقرأ الآية التالية التي ورد فيها لفظ عِين غير مقترن بحور :


الصافات 37/40 ـ 49

لقد صوّر بعض الأسلاف "قاصرات الطرف"أنّها الحورية التي تغض بصرها حياءا وهذا التفسير الجنسي منبعه سوء فهم للحور الذي امتد فيما بعد ليشمل كل الآيات. فالطرف عندهم هو حاسة البصر مع أنّه في البلاغ المبين جانب الشيء:
"أقم الصلاة طرفي النهار و زلفا من الليل" 11/114
"ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم" 3/127
"أولم يروا أنّ نأتي الأرض ننقصها من أطرافها" 13/41

الطرف إذن هو جانب الشيء ووصف القرآن الشجرة التي تحمل هذه الفاكهة ب"قاصرات الطرف" أي أنّ أي طرف فيها (غصن أو جذع) قاصرات و نرى هنا نظم القرآن المبين، فالطرف مفرد و قاصرات جمع مؤنث (انظر ألفي المد القاصر في الرسم القرآني المعبرة عن التنوع وليس تعدد نفس الشجرة) فالآية تقول أي كانت شجرة الفاكهة فإن أي طرف فيها قاصر والفاكهة في متناول القاطف أي بتعبيرنا الأعجمي قصير، ويمكن تمثيلها بشجر البونزاي المعروف.
و حتى نطمئن إلى هذا المعنى و أنّ قاصرات الطرف تعني ما قلنا نقرأ هذه الآية :


الرحمان 55/46 ـ 60

و نفس الماحظة في الإنتقال من المثنى (46 ـ 54) إلى الجمع المؤنث (56) نلاحظه في هذه الآيات :
جنتان ..ذواتا أفنان..فيهما عينان..فيهما..
و الإنتقال إلى الجمع : فيهن قاصرات الطرف.
الآيات تصف جنى الجنة وثمارها و أنه دان وأنّ من بين أشجار الجنى "قاصرات الطرف" أي ثمار الأشجار القاصرات الطرف لم يذقهن ولم يفتضهن لا إنسي و لا جني وألوان هذه الثمار هي لون الياقوت و المرجان و أمّا لون بشرة المرأة فلا يوصف بلون المرجان. كل هذه النعم موجهة "لمن خاف مقام ربه" ذكرا كان أو أنثى.
و لنقرأ هذه الآية حتى تتم الصورة :


ص 38/49 ـ 54

المتقين ذكورا و إناثا لهم هذا النعيم و هذا النعيم وصفته الآيات أنّه رزق لا ينفذ. و الرزق في البلاغ المبين لا يرد إلاّ على ما به ديمومة الجسم (الأكل و الشراب) :
"كلوا واشربوا من رزق الله" 2/60
"فلينظر أيها ازكى طعاما فليأتكم برزق منه" 18/19
"كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور" 34/15.
ف"قاصرات الطرف" من هذا الرزق ووصفت أنها أتراب أي أنّ تكوينها من نفس تربة الجنة وليس المقصود بالأتراب ذوات نفس السن إذ أقرب مشتق لترب تراب و متربة وربما أطلقها بعض الكتاب القدماء أتراب على متماثلي السن لإستواء التربة على مستوى أفقي واحد وهذا ليس صحيحا و لا يمكن أن يأتي القرآن بلفظ يخالف فيه الموجودات الكونية.

و قبل أن نعود إلى آية الصافات 37/48 أسجل ملاحظة مهمة في البنية القرآنية وهي ظاهرة إقتران الألفاظ اقترانا ثنائيا :
حور عين؛ قاصرات الطرف؛جنة النعيم؛رب العالمين ...
هذا البناء الثنائي يحمل معاني لفظية و لكن يتجاوزهما بهذا الإقتران. فهي أشبه باقتران ذرتين لإنشاء جزيء جديد يتجاوز خصائص الذرتين، فقاصرات الطرف هي وصف لقامة نوع خاص من الأشجار مثمر ولكن جعل الطرف مفردا جعل الوصف متعلقا بالثمار و كأنّ الآيات تقول أنّ قصر أغصان وجذع هذه الأشجار هو الذي أعطى للثمار غناءها و ذوقها وكأنّ الآيات ترسم علاقة بين غناء الثمار و قامة الأشجار في الجنة.

ف"قاصرات الطرف" وصفتها آية الصافات ب"عِين"


الصافات 37/40 ـ 49

و أنّهن أشبه بالبيض المكنون (اللؤلؤ ولونه في المحارة).بعض المفسرين جعلوا "عِين" مرادفا لأعين و الطرف مرادفا للعَين وجعلوا غض البصر من الواجبات في الجنة فأخرجوا لنا تفسيرا يشبه قصور ملوك بني العباس و ما يحدث فيها. والحقيقة أنّ الله يحسن التعبير ف"عِين" ليست أعين و لو أراد أعين لأوردها ونلاحظ أنّ الآية بإشارة عجيبة تقودنا نحو الحل وهي أنّ "عِين" على وزن "بِيض" و البيض لون اللؤلؤة المكنونة في المحارة أو في غيرها و عين إذن ليست عَين و إنّما العلاقة بينهما في الشكل و المظهر الخارجي (بيضاء ـ بيض في نفس الآيات) فثمار القاصرات الطرف شكلها كالعين في سيلانها و ملاستها و نعومتها و رقتها.

اقتربنا من رؤية مدلول "حور عين" ف"حور" يصف حالة التردد والرجوع و العودة وعِين تمثل شكل أملس ناعم يسيل بخفاء فما مدلول اقتران اللفظين و ما معنى إيراد التزويج بها واعتبارها مكانا؟
فلنعرض الآن الآيات التي ورد فيها إقتران اللفظين :


الدخان 44/54


الطور 52/20


الواقعة 56/22

أول الملاحظات أنّ الآيات تتوجه إلى المتقين و إلى السابقين و أصحاب اليمين ذكورا وإناثا ولا يستطيع أي مفسر أن يفصل منها الإناث إلاّ إذا حرّف ألفاظ المتقين و السابقون و أصحاب اليمين وادعى أنّ المقصود بهذه الألفاظ الذكور فقط. وهذه الملاحظة تنفي أن تكون حور العين أو قاصرات الطرف أو الغلمان أو الأبكار كائنات خلقت للمتاع الجنسي إلا إذا اعتبرنا أنّ هذه الكائنات من الجنسين ولكن القرآن لا يترك لنا الخيار بل يحدد معاني الألفاظ تحديدا يمنع معها تعدد الدلالات.
فالقرآن يحدد أنّ "حور عِين" مكان خاص فيه مفهوم الرجوع و شيء ذو مظهر أملس يشبه ملاسة العين و أنّ "حور عين" تشبه اللؤلؤ المكنون في المحارة. إنّ هذه الأوصاف لا تدع شكّا أنّ المقصود ب"حور عين" بطاريات تجديد الطاقة التي تسمح لنا بالخلود في الجنّة،هذه البطاريات ذو شكل أملس محاري (أمثال اللؤلؤ المكنون) يدخل فيه الإنسان دون خوف (آمنين) ليجدد طاقته التي تسمح له بالخلود وتضيف الآية لتوضح وظيفة "حور عين" بقوله :
"لا يذوقون فيها الموت إلاّ الموتة الأولى، ووقاهم ربّهم عذاب الجحيم" الدخان 44/56.
وبهذا نفهم أنّ سياق الآيات ليس اعتباطيا بل هندسته من وحي رب العالمين. و الآن ما مفهوم "زوجناهم بحور عين"؟
إنّ خلق البشر تمّ من خلية واحدة خُلِقَ منها زوجها أي الخلية الأخرى الأنثوية و بخروجهما إلى سطح البسيطة ذكورا و إناثا تمّ التزاوج بينهم لبقاء النوع، فالزوج هو نسخة زوجه في عالم الميت والعالم الحي أمّا في الجنة فلا تناسل وبقاءنا مرتبط بتجديد طاقة الخلود في بطاريات خاصة في مكان يدعى "حور عين" وصفه القرآن بكل تفاصيله. فتزويجنا هو إعادة نسخنا في "حور عين".

و أشير أنّ المفسرين الذين اعتبروا الغلمان كائنات جنسية لم يقرأوا القرآن و إنّما وصفوا لنا ما يحدث في قصور بني العباس. و أمّا الآية فتقول "غلمان لهم" دلالة على أنّهم خدم وتضيف الآية وتصفهم "كأنهم لؤلؤ مكنون" دلالة على أنّهم آلات روبوتية ذوي شكل أملس ناعم.
و أماّ من زعم أنّ القرآن يصف افتضاض العذارى ذوات النهود المستوية فليقرأ ثانية آيات الواقعة :
"إنّا أنشأنهن إنشاء (35) فجعلناهن أبكارا (36) عربا أترابا (37) لأصحاب اليمين (38)"
و نسأل على من تعود نون "أنشأنهن" إن لم تعد إلى
سدر مخضود و ظل ممدود وماء مسكوب و فاكهة كثيرة و فرش مرفوعة؟
و نحن نعجب أن يقال أنّ النون تعود على كائنات جنسية إسمها "حور عين" فأين هي في الآيات التي تصف نعيم أصحاب اليمين؟ إنّنا أمام أفكار صيغت مسبقا و لا تنظر في الآيات و لا تهمها الألفاظ و لا النظم ولا السياق.
و من هذه الأفكار المغروسة جعل المفسرين أبكارا هي جمع البكر أي عذارى و لو كانت "الحورية" هي متاع جنسي أنشئت إنشاءا لسكان الجنة فما سبب إضافة "فجعلناهن أبكارا"، هل يعقل أن يسري الشك إلى إمكانية كونها ثيبا حتى توضحه الآية أم في القرآن حشو ؟ أمّا البكر فهي في البلاغ المبين من البكور أي الشيء في بدايته فهو ليس باليا ولا ذاويا و لا يابسا.
وجعلوا عربا المتحببات إلى أزواجهن مع أنّ أقرب مشتقات عربا هي عربي و المقصود بها كمال الخلق و الصنعة كما هو حال القرآن في وصفه بالعربي بكمال لسانه (28 حرفا).
و جعلوا أترابا نساءا من نفس السن مع أنّ أقرب المشتقات في البلاغ المبين لأتراب هي التراب.
الحقيقة أنّ منهج التعامل مع النص القرآني خاطئا فلا غرابة أن تأتي كل هذه الأخطاء متدافعة لأنّ المفسرين لا يتحاكمون للقرآن في بنيته لمعرفة دلالة ألفاظه بل يتحاكمون للشعر و آراء محصورة في التاريخ لا يمكن أن تتعداه.
فآيات الواقعة تصف نعيم الجنة من فاكهة وماء و فرش
بأنّها غير بالية ولا ذاوية (أبكار) و أنّها كاملة الصنعة (عربا) و أنّها من نفس عناصر تربة الجنة(أترابا).

و هكذاوصلت إلى النهاية في حديثي وخاتمتها أنّ الجنة مكان الخلود نجدد طاقتنا اليومية بالأكل و الشراب و نستقي طاقة الخلود في "حور عين" و أنّ نعيم الجنة لا يعدو أن يكون شرابا و أكلا و استجماما دون عناء و تعب ليُفسح المجال للإرتقاء الحقيقي وليست الجنة مكانا للعربدة ولا لأفعال جنسية همجية ليس في القرآن وصف جنسي أشبه بأفلام الخلاعة بل هو رسالة الله للإنسانية المرتقية نحو معرفته. و أخيرا أرجو أنّ أكون قد فتحت نوافذ جديدة في التفاعل مع كتاب الله