هؤلاءٍ أمّتِي وإليهِم أنتمي

دين هو دين الله هو الإسلام و هو شرطه على الناس أن يسالم بعضهم بعضا ، فليس هناك دين إسمه المسيحية و لا اليهودية. فالمسيح دينه الإسلام و موسى دينه الإسلام وأتباع اي نبي من الأنبياء قد يكونوا مسلمين و قد يكونوا ممن يرفع الشعارات و لا علاقة لهم برسالة الأنبياء التي هي واحدة.
رسالة السماء لأهل الأرض لم تتعدد و لم تختلف ، فالدين واحد و الرسالة واحدة
النبي الكريم محمد امتداد لعائلته الكبيرة، عائلة الأنبياء الذين هم مثل الإنسانية العليا بصدقهم و جهادهم لتحرير الإنسان من العبودية للأشياء و الناس و الوقوف مع المستضعفين ، هؤلاء أمّتي و إليهم أنتمي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأحد، 25 أكتوبر 2009

بين الله والرسول


بين الله والرسول

يحاول أصحاب الوحي الموازي من سدنة الموروث الحديثي أن يفرضوا ما اختلقوا أغلبه على أنّه هو قول الرسول و يمعنوا في إعلاء هذا الموروث بوسمه رسولا يكمل القرءان و يبين مبهمه و يوضح خاصه !!!!! بل و يخرجون من القرءان ءايات تأمر بطاعة الرسول لبيان ضرورة إتباع هذا الموروث ومع أنّهم مختلفون في صحة هذا الموروث و نسبته لشخص النبي البشري محمد إلاّ أنهم يمعنون في الإتكاء على ءايات القرءان لبيان وجاهة رأيهم . و كل قارئ للقرءان يدرك أنّه يقول عن نفسه أنّه كامل محكم مفصلة ءاياته و أنّه تنزيل للكتاب و محيط بموضوعه لكن ضراوة دعاية أصحاب الوحي الموازي تؤثر على أكثر الناس عقلانية في قبول الأراء و الفرضيات و سبب هذا التأثير في الناس يعود إلى عدم تفريقهم بين الرسول و المرسَل و لم يعوا أنّ حامل الرسالة مرسل و الرسول باق بعد وفاة المرسل فالرسول متجدد برسالاته المودعة فيه ينتظر توليدها كلّما تجمعت شروط التوليد أمّا المرسل فهو مستودع حي للرسول تنتهي مهمته كفرد عند موته و في هذا البحث محاولة لإزالة اللبس عن هذه القضية الخطيرة.

أصحاب الوحي الموازي يبرروا ضرورة الإلتزام و التصديق بالمختلق بعبارة "طاعة الرسول" التي نص عليها القرءان و مع أنّ لفظ الطاعة نفسه هو اللين في قبول الأمر و عدم رفضه إبتداءا فإنّ التلموديين ، جماعة الوحي الموازي ،جعلوا من الطاعة عنوانا للإلتزام الآلي و إن لم يقتنع الإنسان و في هذا إجحاف و ظلم و تجاوز. فالقرءان لا يوجب في نصه الخضوع الإكراهي لأمر دون فهم و إقتناع بل و يصف من لا يعقل الأمر بأنّه "شر الدواب" و عودا لكلام كررناه مرارا و سنعيده هنا أنّ طاعة الله هي اللين في معرفة السنن و التعامل معها فالله هو عنوان النظام في الكون و طاعة الرسول هو اللين في معرفة مدلول الكلام الرسالي سواءا كان هذا الكلام كتابا من توراة و قرءان أو خطابا صيغ بأسلوب البشر. و في الرسول الكتاب توراة و قرءانا لا يمكن أن يتناقض الله مع الرسول فطاعة الله لا يمكنها إلا أن تؤدي لطاعة الرسول ، فكشف السنن يجعلنا نرى القرءان أكثر شفافية في بيانه و نقرأه بالمنهج الصحيح و كشف السنن يجعلنا نلين في قبول الرسالة و التريث في معرفة دليل الأيات التي لم يصل سقفنا المعرفي للإحاطة بتفاصيلها.

طاعة الرسول ليست إتباعا لأخبار رويت بل هي لين في قبول ءايات الكتاب الرسول لدراستها و عدم رفضها إبتداءا فالمرسَل حمل رسولا و هو مستودعه الحي و لكنّ الرسول موّجه كذلك إليه فالمرسل أشبه بساعي بريد أوصل إلى المدينة خبرا مكتوبا يخص جميع ساكني المدينة بما فيهم هو ذاته و هذا المرسل يؤكد أنّ خبره ليس إفتراءا من عنده و أنّ في الخبر دليل براءته من الإفتراء و مصداق براءته بما يحمله هذا الخبر من إيحاءات يستحيل إختلاقها من المرسَل. بل إنّ المرسل نفسه عاجز مثلهم عن إخراج قروء الرسول و مهمته فقط إيصاله. و لندخل الموضوع من بابه الأول بإستعراض التعابير الرسولية في ربط طاعة الله بطاعة الرسول :

" أطيعوا الله و الرسول"
"أطيعوا الله و رسوله"
"أطيعوا الله و أطيعوا الرسول"


يغيب في القرءان غيابا تاما أداة الفصل بين الله و الرسول "أو" فلا وجود لعبارات من قبيل "أطيعوا الله أو الرسول" فطاعة الله متقاطعة بطاعة الرسول و يجب هنا من التنبيه لقضية كنّا أشرنا عليها عدّة مرات و هي أنّ عبارة "الله و رسوله" تشير إلى مفرد و ليس إلى مثنى يضع الله طرفا و الرسول طرفا ثاني و لنقرأ بلاغات الرسول:

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ" الأنفال :20
"يَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ " التوبة :62
"وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ " النور :48
"إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9)" الفتح


هذه البلاغات القرءانية و غيرها ممّا يستطيع القارئ بحثه في القرءان تدّل تأكيدا أنّ عبارة "الله و رسوله" تدل على مفرد، فألفاظ "عنه" و "يرضوه" و "يحكم" و عبارة " تعزروه و توقروه و تسبحوه" تضعنا أمام هذه الحقيقة. و عبارة كهذه تحمل لفظين منفصلين لا يمكنها أن تدل على مفرد إلاّ إذا كان أحدها مرادفا للأخر من حيث الدلالة و ليس من حيث الماهية و هذا ما جعلنا نقول أنّ الله هو عنوان الكتاب الكوني بما يحمله من سنن و أنّ الرسول هو إسقاط للكتاب في صحيفة، فالرسول هو مبعوث الكتاب ليشرحه و يهدي الناس لمعرفته و جاءت الهاء لتبين أنّ الرسول من نفس الله و ليس خارجا عنه في هذه الأيات. فكلّما ورد لفظ الله في القرءان لا بدّ أن تتجه أبصارنا إلى سنّة كونية موضوعية و كلّما ورد لفظ الرسول اتجهت أبصارنا إلى القرءان و عبارة "الله و رسوله" تعبر عن تطابق الله و رسوله في دلالتهما فهما مفرد من حيث أن الخط لا ينقطع بين الله و الرسول فثنائية "الله ـ الرسول" تحوي سلسلة لا يزول فيها الكلام و لا يغير و لا يعدل . و ليس صحيحا أنّ الرسول تعبير عن شخص النبي محمد إذ في هذا الكلام تجاوز كبير أن يربط فرد بالله و لم نجد في القرءان "الله و إبراهيم" و لا "الله و عيسى" و لا "الله ومحمد" و مثل هذه الثنائيات إدخال للبشر في حدود التأليه. فالله في القرءان عنوان السنن الناظمة للكون و لا يمكن أن يكون لمخلوق التقاطع معه.

إذا قررنا أن ثنائية "الله و رسوله" مفرد فعلينا أن نتساءل عن مجيء العبارات الأخرى في القرءان فعبارات " أطيعوا الله و الرسول" و " أطيعوا الله و أطيعوا الرسول" تشير إلى كسر الإفراد لتجعل من "الله" و "الرسول" دلالات مستقلة. وقبل أن نبدأ في التفصيل علينا أن نحاول فهم زيادة الهاء في لفظ الرسول في عبارة "أطيعوا الله و رسوله" بدل "أطيعوا الله و الرسول".

الهاء تشير إلى إحتواء ما تعود إليه أي أنّ الرسول أرسله الله و هذا بيان أنّ الرسالة جاءت لإحداث النظام السنني في السير الإنساني حتّى لا يختل التوازن و نضيع مهمتنا ووظيفتنا الأساسية فـ "رسوله" تدل أنّ الرسالة هي نظام كنظام سنن الكون و في هذه العبارة بيان أنّ كل ما يضر السير الإنساني و يعيق نظامه ليس من الرسالة مطلقا و هذا التنبيه ضروري لمن يقرأ حتّى إذا التبس عليه فهم بعض بلاغات الرسول وجب أن يلجأ لما فيه صلاح الناس و يترك قراءته جانبا ليحاول الغوص في بنية القرءان علّه يكشف أخطاءه. و ليس الصلاح هوى يتبعه الفرد و الجماعة لبسط سيطرتهم على الأخرين و إنّما الصلاح مرتبط بصلاح الجمع كما أنّ السنن الكونية تسيّر جميع الموجودات . فثنائية "الله و رسوله" تشير إلى كل هذا و تضع قاعدة أساسية في قراءتنا للرسالة و هي أنّها تهدف إلى تنظيم سير المجتمع حتّى يصلّي كل جزء فيه على الأخر دون أن تدب الفوضى أو تعم . و أمّا عبارة "الله و الرسول" المحذوفة الهاء فهي تشير أنّ "الله " و الرسول" لا يختلفان فأي وجود لتناقض بين كشف علمي أو كوني لا يمكنه أن يكون واقعا إلاّ بنقض الرسول فالقرءان يقول أن لا وجود لهذا التناقض و يتحدى البطلان . فالعبارة ترسم جدلية الكتاب السنني "الله" و تنزيله "الرسول" و تقول لنا أنّ كشف السنن الكونية و معرفتها هي نفسها كشف الحقائق القرءانية و معرفتها فقولنا "أطع زيدا و عمرو" ينفي أن يكون ما يقوله زيد مناقض لما يقوله عمرو فكلاهما يقول نفس الشيء و طاعتك لزيد يمكنها أن تكفي لإحداث معنى الطاعة و لكن سماعك لعمرو تأكيد لفهمك لما قال زيد لتكن طاعتك بشاهدين و هذه الجدلية ضرورية لإستقرارنا الداخلي أو ما يسميه القرءان بالإيمان فأن نتعامل مع الكون دون رسول أشبه بجالس في ظلمة لا يدري أين البداية و المنتهى و تعاملنا مع الرسول دون النظر في الكون و الدليل الموضوعي التجريبي أشبه بدون كيشوت و هو يحارب مروحة الهواء ظانا أنّها الفارس المغوار. و الإنسانية لا تستطيع أن تحدث التوافق التام بين الله "سنن الكون" و الرسول "القرءان" إلاّ بهذه الواو التي بينهما التي تشير إلى الضم و الرص المتواصل و لو لاحظ القارئ صحيفة القرءان لرأى هذا الشيء العجيب في رسمه و هو مجيء رمز واو صغيرة بعد لفظ "رسوله" كلّما وردت عبارة "أطيعوا الله و رسوله:

الأنفال : 1 ؛ 20 ؛ 46 ـ المجادلة : 13

مثل هذا الرمز يؤكد ما قلناه مرارا أنّ الرسم القرءاني ليس عبثيا و أنّ هذه الواو الرمز تؤكد أنّ "الله و رسوله" مفرد عندما نصل إلى إحداث التطابق و لكنّ الطريق طويل مستمر بإضافة الأجزاء إلى بعضها من كشف علمي كوني يضم الجانب العلمي البحت أو الجانب الإجتماعي و النفسي ، فالواو الرمز ترسم الإضافات المتتالية لتستقر قناعة الإنسان بأنّ ما في الرسول هو لهدايته إلى الله و ليس لإحداث البلبلة في نفسه و تعميق الشكوك . فالرسالة ليست وظيفتها تقديم الوصفات و لا إصدار التشريعات بل وظيفتها تعريف الإنسان و هدايته للحق الكوني بتفتيق نفخ الروح فيه فهي كتاب معقد و لكن هذا التعقيد ضروري ليعرّف الإنسان بمكنونات نفخ الروح فيه و نرى في منظومتنا التعليمية بعضا من هذا عند الأساتذة البارعين ممن لا يعطي الحلول للإشكالات بل يدفع الطالب لإخراج الحل بنفسه و زيادة التعقيد في كل مرحلة كي يتم بناء عقل الطالب ليجعل منه باحثا و ليس حافظا مكررا.

لنقرأ بلاغ الرسول في سورة النساء لنرى التطابق بين طاعة الرسول و طاعة الله و أن طاعة الله باللين في معرفة سنن الكون و الصبر على كشفها و معرفة حدود إستعمالها هي نفسها طاعة الرسول :

" أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا (79) مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80)" النساء

هذه الأيات محيرة و يظهر أنّها حاملة للتناقض في ظاهر عباراتها و عهدنا بالقرءان أنّ ما يظهر متناقضا فيه هو مفتاح لكشف بعضا من بنيته فلنمض مع الأيات طائعين.

"إن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله ، و إن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك ؛ قل كل من عند الله، فمال لهؤلاء القومـ لا يكادون يفقهون حديثا"

توبيخ كبير لمن لا يفقه الحديث ممن عجز على ربط أجزاء الكلام. فالأية تقول أنّ الحسنة و السيئة من عند الله و لكن المشكلة هي الأية التي تليها :

"مآ أصابك من حسنة فمن الله ، و مآ أصابك من سيئة فمن نفسك ؛ و أرسلناك للناس رسولا ؛ و كفى بالله شهيد"

و كأنّ من صاغ القرءان يعلم أنّ الكثيرين سيفهمون أنّ الأية متناقضة و لذلك أردف " و أرسلناك للناس رسولا ؛ و كفى بالله شهيدا" ليعبرّ عن حياد الصحيفة و أنّها لا تستحق التمزيق و ليعبر القرءان في حياة المرسل نبي الهدى محمد أنّه مكلف بتبليغ الرسول و لا يسعه إلاّ هذا و إن لم يقتنع هو شخصيا بما تخطه يداه. الأمر إذن ملتبس فالحسنة من الله و السيئة من نفسك !!!!
إنّ السنن الكونية جارية على الجميع و هي عند البعض حسنة و عند البعض سيئة فالموت سنة و هو حسنة لمن ينتظر الميراث و سيئة لمن فقد المعيل و لذلك فالأية الأولى غاب فيها أداة "مِن" و أتت عبارات "إن تصبهم حسنة/ إن تصبهم سيئة" . أمّا الحسنة و السيئة الأتية من أعمال الإنسان في تفاعله مع المحيط كفرد فهي من مسؤوليته الخاصة فحتى لا يصيب الإنسان السيئة عليه أن يفقه جيدّأ السنن الكونية و الإجتماعية ليعرفها و يتجنب السيئة و أمّا إذا جهلها و أو تناساها أو أراد تجاوزها فسيقع "و ما أصابك من سيئة فمن نفسك" و إن فقهها و تعامل معها مراعيا الحدود فلن تصله .


الرسول مهمته التبليغ أي أنّ محتوى الصحيفة هو محتواها حتّى و إن ظن القارئ خطأ ما فيها و تناقض أجزاءها و الله هو الشهيد أي أنّ السنن الكونية هي من يشهد على عدم تناقض الرسول و الرسول نفسه يؤكد :

"من يطع الرسول فقد أطاع الله"

فاليد التي تخرج الطاعة من محتوى الرسول لا بد و أنّها أطاعت الله ، فلا طاعة للرسول دون بحث السنن و كشف حقائق الكون و عبثا يحاول الناس فصل الرسول عن الله و من يبحث عن غير الله ليطيع الرسول فليسمع من الرسول :

"و من توّلى فما أرسلناك عليهم حفيظا"

و نجد في القرءان دقة في وسم بعض الرسل بالكتاب ة تحديدا ما أوتيه النبي الكريم موسى و النبي الكريم محمد و ليس كل رسول كتابا فعيسى رسول بما يحمله من ءايات و ببشراه و إنجيله و لنقرأ قول الرسول :

" وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ ءايَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) فَلَمَّا جآءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى ، أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَآ أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ ، قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمـْ صَادِقِينَ (49) فَإِن لَّمـْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ ؛ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ؛ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)" القصص

الرسول ءايات بالضرورة في صحيفة أو في واقع الناس . فالصحيفة رسول و رسالة تحتاج إلى من يفتق رحمها ليخرج الرسول فهي تحمله كمونا و هذا الرسول هو الأيات نفسها مرسومة في صحيفة و الأيات هنا لا تقول "قل فأتوا برسول من عند الله هو أهدى منهما" بل استبدلت الرسول بالكتاب لتدل أنّ المقصود ليست الأيات الكونية بل صحيفة التوراة و صحيفة القرءان و هذه الأية تحديدا تشير أنّ هناك كتابين صحيفتين في هذا الكون لا ثالث لهما هما التوراة و القرءان. و حتّى ينتهي الجدل في دليل الرسول تورد سورة الشورى القول البلاغات التالية :

" وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ (53)" الشورى

إنّ الكلام يصلنا من الله بطرق ثلاث :

1 ـ وحي : بما يشير المحيط بما يحمله من أشياء إلى وجود علاقات و روابط بينها للمتلقي و تفعل هذه الظواهر فعل التأثير الفكري أو العاطفي لتُنشأ في المتلقي الإثارة للوصول إلى العلاقات بين هذه الأشياء فالذي يرى ظاهرة كسوف الشمس و إختلاف ضوء القمر يستنتج أنّ هذا الجرم يتحرك أو أنّ الأرض تتحرك حوله و هذا هو الوحي و به نصل إلى كلام الله أي السنة النظامية لهذه الظاهرة و قد توصلت الإنسانية إلى معرفة حركة القمر حول الأرض و حركة الأرض قبل أن تخرج إلى السدير بالوحي وصلت إلى كلام الله

2 ـ من وراء حجاب : من وراء ستار غير مرئي لنا كأن تصلنا المعلومات من مخلوقات تعيش في عالم ذو أبعاد يتجاوز أبعادنا و لنفترض أنّنا نريد أن نوصل معلومات لمخلوقات تعيش في بعدين فسنبقى نوصلها من وراء حجاب إذ يستحيل أن تعرف هذه الكائنات ماهيتنا إلاّ إستقراءا.

3 ـ رسولا : صحيفة أو ءاية من منظومتنا التي يمكننا إبصارها مباشرة .
و الصحيفة القرءانية هي وحي أرسلت في أشياء كوننا كما سبق بيانه في بحث الصيام و من وراء حجاب أي من صائغ ماهيته مرتفعة عنّا و بلغتنا رسولا نقرأه في صحيفة و هذه الصحيفة تهدي إلى السنن الكونية "صراط الله" لنصل إلى العلو المنشود.


سندخل الأن بشيء من العمق في مفهوم لفظ الرسول من حيث جذره كي نبين بعضا من معانيه. الجذر العربي (ر س ل ) في القرءان يدل على تكليف وسيط بنقل كلام. و الكلام ليس تعبيرا شفهيا بل كما سبق الإشارة إليه مرار أنّه يعبر عمّا نسميه Information

"قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112)" الأعراف

إن مهمة المرسل هنا هي البحث عن مختصين في السحر بتجميع الناس و حشرهم لإعلان رغبة فرعون و لكل مرسل طريقته في البحث و الحديث مع الناس لكن الهدف الأساسي من الرسالة هو الإيتاء بالسحرة.

" أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12) قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13)" يوسف

لم يكن ليوسف ليذهب مع إخوته من تلقاء نفسه بل بأمر من يعقوب فذهابه معهم يعني إذن أبيه له بمصاحبتهم فهي ذريعة للإخوة كي لا يُتهّموا بعدها بالخطف أو التآمر.

" فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَرًا إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ " يوسف :31
" وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ" يوسف :45

و يمكن للقارئ أن يواصل في إستقراء مفهوم الجذر (رس ل ) في القرءان بنفسه ليحكم على صواب ما ذهبنا إليه و نرى أنّ ما يؤكد هذا المفهوم هو تنوّع الرسل في القرءان من :

"الملائكة" الحج :75 ـ فاطر:1
"الناس" الحج:75
"السماء" هود :52
"رجزا من السماء" الأعراف :162
"الصواعق" الرعد:13
"الأيات" الإسراء :59
"حاصب" الإسراء: 68 ـ العنكبوت:40 ـ القمر:34 ـ الملك :17
"قاصفا من الريح" الإسراء :69
"حسبانا من السماء" الكهف :40
"روحنا" مريم :17
"الشياطين" مريم :83
"الريح / الرياح" الفرقان:48 ـ النمل:63 ـ الروم :46 ؛48 ؛ 51 ـ الأحزاب:9 ـ فاطر :9 ـ فصلت:16 ـ الذاريات:41 ـ القمر :19
"سيل العرم" سبأ :16
"الأنفس" الزمر :42
"حجارة من طين" الذاريات :33
"الناقة" القمر :27
"صيحة" القمر: 31
"شواظ" الرحمان:35


كل هاته الرسل ليست عقابا من الله مباشرا لفعل ارتكبه قوم فسخط عليهم فتحركت فجأة قدرته لإصدار حكم العقاب و عطل السنن الكونية و قام بالتنفيذ الفوري بل الرسل تنقل كلاما لمن يسمع كلامها و يحسن فهمه و كل ما في الوجود وحي و يصبح رسالة عندما يخترق الروتين فالزلازل رسالة للناس لكشف باطن الأرض و دراسة طبقاتها ليس فقط ليحموا أنفسهم منها بل لتربو معرفتهم بكيفية صنع الحياة في الكواكب الأخرى و بإختيار الكواكب الممكنة لإستقبال الحياة فيها و الناس ترى في الزلازل مأساة و هي كذلك عندما نتعامل معها كهمج يفرّون بدل من تركيز إهتمامنا على فهم آلياتها للإستفادة منها في وظيفتنا الخلافية فالرسول ينبئنا أنّ رحمة الله وسعتنا و بالرحمة نزل الرسول ليؤمننا و ينشر الطمأنينة علينا لتهدأ ذواتنا و تباشر مهمتها. و تأتي الكوارث منبئة على حجم الإهمال في سيرنا الحضاري و تمادينا في التجاهل للسنن و ظلمنا في الرقابة و المحافظة و الصلواة كما قصت سورة سبأ حدث السيل العرم
Dam break و ينقلنا القرءان إلى جوانب الرسل الكونية المتنوعة من :


الصيحة : الزلزال المدمر بتعبيرنا ـ الحاصب : نيزك ـ شواظ : سائل بركاني ـ الريح : إعصار ....الخ

لينبهنا أنّها رسل تحمل الكلمات فندرسها جيّدا قبل أن تدمرنا و في دراستها ربا لمعرفتنا الكونية و في فك كلامها إضطلاع بمهمتنا الخلافية و لا شك أنّ القارئ يتصور الأيات القرءانية محصورة في تاريخ الأمم السالفة و أنّ القرءان قصّ ما حدث من كوارث سابقة لأمم خلت و هو في هذا مخطئ جدّا إذ القرءان رسول للعالمين و قراءته دائما مستقبلية و تلبس بعض ءاياته بالتاريخ وهم بصري سرعان ما ينفك عندما يغوص القارئ في مفاهيمه الكونية و لا يبقى حبيس المعاجم و القواميس. و على الإنسان أن يتعامل مع الوحي الكوني كرسالة ليخرج منها الكلام و لا يتعامل معها كعقاب إلاّ إذ ظنّ أنه مستحق له بفعل إجرامه و تجاوزه.

بعد أن أرسينا مفهوم الجذر (رس ل ) و بيّنا أنّ الإرسال لا يختص فقط ببشر سندخل لفارق مهم بين لفظين جعلهما الأسلاف مترادفين و هما لفظ "رسول" و لفظ "مرسل" لنرى دقّة القرءان في هندسة ألفاظه.

المرسل هو الكائن الحي الظاهر الحامل للرسول و الرسول هو مستودع الكلام الحامل لأجزائه و الرسالة هي الرسول المنتظر لفتح مكنونه و محتواه بتوفير شروط خروج هذا المحتوى للوجود و توّلده و لا بد أن نشير هنا أنّ الرسالة القرءانية متولدة في كل حين فتاؤها تأتي دائما منفتحة "رسالته / رسالات / رسالاته/ رسالاتى ". فالميم في "مرسَل" كما سبق و أشرنا إليه في موضوع "حفريات في كتاب الميم القرءاني" متعلقة بمفهوم الحياة و فتحة السين في "مرسَل" دالة على الظهور في مقابل الكسر الدال على الخفاء "مرسِلة :النمل 35". و لنرى الأن هل يتسق هذا الكلام مع بلاغات الرسول التي وردت فيها ألفاظ "رسول" "مرسل" و "رسالة".
المرسل و المرسلين حامل حي للرسالة و لنقرأ قول الرسول :


" وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا" الفرقان :20

و تأتي بلاغات سورة يس لتجعلنا نطمئن لما ذهبنا إليه :

" وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ (17)" يس

ها هم قوم صالح يخاطبونه قولا مرسلهم و يتحدوه :

" فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ "

و نجد في سورة الشعراء بيانا للفرق بين الرسول و المرسل :

" كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) .... كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) ..... كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) ..... كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) ..... كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) ...."

و نجد سلسلة المرسلين تترى في سورة الصافات :

" وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ (123) .... وَإِنَّ لُوطًا لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) ... وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) ... سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)"

فالسلام يُلقى على و للأحياء و المرسلين أحياء في كل زمن و كل مرسل في القرءان إسم و ليس لقب يمثله سيره و خصوصياته و فحوى رسالته التي يحملها . لا ينبغي أن نتيه في قراءة الأيات بالتركيز على معنى وحيد للرسول و حصره في شخص النبي و هو حي مستودع في قلبه للتنزيل أو في الصحيفة بعد وفاته بل علينا أن نسير دائما بالمفهوم لنرسم الإحكام في الأية بما يمليه سياقها و نبدأ رحلتنا بالبلاغات القرءانية من قول الرسول :

"وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ " يوسف:50

الأية تركز هنا على الرسالة و تتناسى عمدا حاملها الحي "المرسل" لتشير بهندستها إلى التغيير الكبير في هيئة السجين القديم و كأنّ يوسف لم يعرفه أو كأن الشخص نفسه أخفى هويته القديمة عمدا ليفر من لوم يوسف له لنسيانه ذكر قضيته عند ربّه. فالمهم هو الرسول مستودع الرسالة و المهم هو محتواها. لنقرأ قول الرسول :

"أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءانَ ؛ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا (82) وَإِذَا جَآءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ !! وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ، وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُـ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً (83)" النساء

القرءان وجهته دائما للمستقبل و لا يمكن لنا إلاّ أن نتدبره أي نسير دبره كي يهدينا إلى الوجهة الصحيحة و هذا التتبع تحقيق لإنتفاء التناقض "الإختلاف" بين القرءان و السنن المبوثة في الكون لمعرفتها "الله " و أقف هنا لحظة في عبارة "إختلافا كثيرا" لأهميتها في منهجية قراءة القرءان. فنفي الإختلاف الكثير لا يعني غياب الإختلاف و كأنّها شهادة بوجود بعض التناقض القليل في القرءان . و عندما يجد القارئ مثل هاته الإشكالات في ءايات القرءان فليوقن أنّ وراءها كشف و ليمعن البحث و التنقيب فوراء ما يظهر لأول تناقضا أمر خطير. لندقق إذن القراءة . لفظ "إختلافا" لم يرد إلاّ مرّة واحدة في القرءان !!!!! هل هذه صدفة ؟ إنّ ءاية النساء 82 تؤكد أنّ القرءان ليس من صياغة النبي الكريم إذ كيف به يستطيع أن يضبط نفسه ذهابا و إيابا في النص و قومه ليست لهم ثقافة الكتاب أن يغامر في هذا المنحى ؟ ورود لفظ "إختلافا" مرّة واحدة في القرءان دليل أنّه لا إختلاف فيه و لذلك نفهم سبب إيراد لفظ "كثيرا" في هذا البلاغ.

لنعد لموضوعنا الأصلي. فالقرءان ينتظر تدبره لتخرج قروءه بالكشف المستقبلي و في نسخته أن أوهن البيوت بيت العنكبوت ممن تخرج سرّها لمجرد إثارتها بالخبر الإشاعة وكان الواجب حفظ أمر الأمن أو الخوف الذي سربته و أخبرت به السلطات الحافظة لأمن البلد من أعداءه الخارجيين. فالرسول هنا هو نسخة القرءان إذ هي مستودع رسالته وهي تدعو مجتمع الذين ءامنوا إلى سلوك الممانعة مع العدو و سياسة التمويه و أن لا يتغلب علينا "الوهم" فنجعل من العدو صديقا و نرمي إليه بالأسرار و كل من يغامر في هذا الإتجاه فسيكتشف وهمه.

و سنسير مع القرءان على أنّه خطاب للناس جميعا ممن استقبلهم بخطابه منذ نزوله و نقرأ قول الرسول :

"قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" الأعراف :158

رسول الله موّجه إلى الناس جميعا و غايته إحداث التأمين الذاتي في الفرد و دفعه إلى تأمين الأخرين بمفرد "الله و رسوله" كما سبق بيانه. هذا المفرد "الله و رسوله" هو النبي بما يلقيه من أنباء و هو جامع لكل من له أم "أمى" أو بتعبيرنا أممي بالمعنى الواسع لا يفلت من هديه أحد في هذا الكون.

" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (62) لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)" النور

التواجد في صلواة الجمعة و في الأمر الجامع مسؤولية و ليست ترفا فكريا أو إجتماعيا لأنّ غاية الإجتماع مع الأخر هي الإستفادة منه و حل المشاكل العالقة معه ليصل الجمع إلى الإيمان و تزول مصادر النزاع و الكفر . و تأتي الأيات لتحل الرباط العضوي بين الله و رسوله لتتوجه بالبيان تعريفا بدليل الرسول و الله. فالتجمع بما يفرزه من قرارات رسول و كل فرد من حاضري الأمر الجامع مستودع لرسالته عليه حفظها و أداءها فدعاء الرسول ليس نداءه و رفع أياديه إلى السماء بل دعاءه هو دعوته كلما دعت الحاجة و هذا الدعاء شهادة حق عندما يدب الخلاف لا يجوز التسلل بـ "لو" و "عسى" و ...و . و إن حدث تسلل و تحلل فليعلم الإنسان أنّ كل ما يفعله مسجل مسطور :

"ألا إنّ لله ما في السماوات و الأرض قد يعلم ما أنتم عليه و يوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا و الله بكل شيء عليم"

و نختم هذه البلاغات عن دليل الرسول بأيات من سورة الفرقان :

" وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا (29) وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْءانَ مَهْجُورًا (30)" الفرقان

الرسول شهيد على الظالم إذ لا ظلم في الرسول فسبيله مناقض للظلم و إتخاذ أي سبيل في الرسول يبعد عن الظلم فسبله في الإجتماع و الكشف الكوني كلّه مقدرّة تقديرا لا ظلم فيها و لا تجاوز و لمّا أتى السياق محدثا عن الذكر الذي يبقى و محدثا عن القرءان إيماءا للقروء المبثوتة فيه كان الرسول هو صحيفة التنزيل و حري بنا أن نسمي القرءان رسول عندما يتعلق الأمر بالصحيفة و نسميه قرءانا عندما يتعلق الأمر بقراءته و إخراج قرءوه و إخراجه من الهجر و ذكرا عندما يتعلق الأمر بزوال الوهم عمّا ظنّه الأسلاف و الأخلاف. فالرسول هو من يقول في صيرورته أنّ من أقوم بهم و يقومون بي هجروا قروءي.
إنّ ما نطلق عليه قرءان هو الرسول و في هذا الموضوع يرى القارئ أنّني جعلت الأيات من قول الرسول لينتهي التلاعب الذي طال بفعل تحريف الكلم عن مواضعه ممن جعلوا عبارات النبي الكريم محمد هي قول للرسول في صحائفهم .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق