هؤلاءٍ أمّتِي وإليهِم أنتمي

دين هو دين الله هو الإسلام و هو شرطه على الناس أن يسالم بعضهم بعضا ، فليس هناك دين إسمه المسيحية و لا اليهودية. فالمسيح دينه الإسلام و موسى دينه الإسلام وأتباع اي نبي من الأنبياء قد يكونوا مسلمين و قد يكونوا ممن يرفع الشعارات و لا علاقة لهم برسالة الأنبياء التي هي واحدة.
رسالة السماء لأهل الأرض لم تتعدد و لم تختلف ، فالدين واحد و الرسالة واحدة
النبي الكريم محمد امتداد لعائلته الكبيرة، عائلة الأنبياء الذين هم مثل الإنسانية العليا بصدقهم و جهادهم لتحرير الإنسان من العبودية للأشياء و الناس و الوقوف مع المستضعفين ، هؤلاء أمّتي و إليهم أنتمي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الثلاثاء، 29 ديسمبر 2009

قول في الإسلام والسياسة



قول في الإسلام والسياسة


توصلنا وبعد جهد، إلى أن الإسلام دين الفطرة، وأن المسلمين هم معظم سكان الأرض، وأن الإيمان تكليف، وأن المؤمنين هم أتباع محمد (ص).
وانتهينا إلى مفهوم عالمي انساني واضح لقوله تعالى
(فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ..) الأنعام 125. وإلى أن الله سبحانه هدى معظم سكان الأرض للإسلام فعلاً، وشرح صدرهم له. وأن الذي يرفض المثل العليا الإسلامية فعلاً، ينطبق عليه قوله تعالى في تتمة الأنعام 125 (ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء ..) لأنه لا يستطيع أن يواجه الناس والمجتمع إلا بهذه الحالة.
وعلى هذا، فنحن بحاجة إلى تصحيح الكثير من المفاهيم، وبخاصة ما يتعلق منها بأمور العقيدة، وطريقة التعامل مع الآخرين. علينا نحن المسلمين المؤمنين أتباع محمد
(ص) أن نتعامل مع الناس على مستويين:
المستوى الأول، مستوى الإسلام. مستوى الإيمان بالله واليوم الآخر والتوحيد والمثل العليا. وبما أن الإيمان بالله واليوم الآخر والتوحيد أمر شخصي لا إكراه فيه، يخص كل إنسان على حده، فإننا نتعامل مع الآخرين على أساس المثل العليا الإسلامية، لأن الإسلام ميثاق للإنسانية جمعاء، ولأن مثله العليا لا تخضع للتصويت. وهذه الطريقة في التعامل إنسانية عالمية، ولا تقتصر على العرب دون العجم، ولا على المؤمنين دون غيرهم، وهذا المستوى في التعامل مستوى دنيوي اجتماعي بحت، أي مجال عبادة الله طاعة ومعصية.
أما المستوى الثاني، فهو مستوى الإيمان. مستوى الشهادة بأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا، مضافاً إليها فيما نرى، الشورى والقتال. وهذا المستوى مستوى تكاليف جاءت إلى المؤمنين أتباع محمد
(ص)، هو أساس التعامل بين المؤمنين بالإضافة إلى الإسلام. وهو مستوى شخصي بحت من جهة إقامة الشعائر، واجتماعي من جهة الشورى والقتال.
لننظر الآن أين يقع دور الدولة من هذين المستويين. وهل ثمة شيء اسمه دولة إسلامية، وشيء اسمه دولة علمانية؟
دور الدولة على مستوى الإسلام بأسسه وأركانه:
أ- إن تذكرة الدخول إلى الاسلام هي الإيمان بالله واليوم الآخر. وبما أن الله هو خالق السموات والأرض، واليوم الآخر ظاهرة تخص الكون كله، وبما أنه لا شيء في الوجود إلا ويسبح بحمد الله سبحانه، فإن الله واليوم الآخر أكبر من أي دولة. فالدولة بكل بنيتها لا تعتبر شيئاً أمام الله واليوم الآخر، فكيف نحقق الله واليوم والآخر في دولة، وكيف ينعكسان على بنيتها؟
لما كان مفهوم الله أزلياً سرمدياً مجرداً، وصل إليه إبراهيم فسماه فاطر السموات والأرض حنيفاً، فيجب أن نضع في الحسبان الفردي والاجتماعي أن كل شيء متغير وهالك إلا الله. وأن قانون التطور والهلاك وتغير الصيرورة، هو القانون الثابت الوحيد في هذا الكون. يجب أن تكون هذه الحنيفية في الوجود حاضرة في أذهاننا حين نتحدث عن بناء دولة ومجتمع واقتصاد وسياسة. وهنا تظهر أهمية إبراهيم لم يعرف كيف يضع الله اسماً فسماه
(الذي فطر السموات والأرض حنيفاً). علينا أن نعي دائماً ونحن نتكلم عن الدولة، أن الدولة كغيرها من عناصر الكون تتغير من شكل إلى آخر.
فالمجتمعات تتغير، والقوانين الوضعية تتغير، والعلوم تتقدم وتتطور، والوعي الجمعي عند الناس يتغير من مكان إلى آخر ومن زمان إلى آخر. فلا يتوهم أحد أنه قادر على رسم هيكل لدولة تخلد في وجه هذه المتغيرات كلها. علينا أن نعلم أن مفهوم التوحيد ذاته قد تطور في وعي الناس اليوم إلى الأحسن، وأن مفهوم الله المجرد عن التشبيه والمماثلة في أذهان الانسانية اليوم، أحسن بكثير من السابق، بل إنه أحسن حتى من عصر النبوة. فالتجريد يتقدم مع تقدم الانسانية إلى الأمام في السير على طريق الحنيفية
(التغير والتطور).
ب- أما وحدانية الله، وهي أن الله لا يجسد، فهي أيضاً تسير مع تقدم الانسانية في طريق التجريد ابتعاداً عن التجسيد. أي أن الانسانية تسير مبتعدة عن الوقوع في شرك التجسيد الذي لا يغتفر، لكنها معرضة دائماً للوقوع في شرك التثبيت والبعد عن الحنيفية. كأن تضع لنفسها نموذجاً للأعراف أو للتشريع أو للفقه، وتزعم أنه نهائي غير قابل للتطور والحنفية، فهذا هو الشرك الخفي، الذي يعطي الظواهر صفة الثبات والبقاء، بينما هذه من صفات الله وحده، ومن هنا، نفهم علاقة التوحيد بالدولة والمجتمع، على أنها علاقة بنيوية تدخل في الوعي الجمعي للمجتمع قبل الدولة، أي أن التغير والتطور في الفقه والقانون والتخطيط والعمارة وأدوات الإنتاج، وأن تغير وتطور وسائل الإنتاج والمعاش والعمل الصالح الذي ينفع الناس ويعمر الأرض، وأن تطور العلاقات الإنتاجية والاقتصادية والأعراف والتقاليد، كلها من ظواهر التوحيد للألوهية والربوية معاً، ومن هنا نرى أن التوحيد يكمن في بنية المجتمع ذاتها.
ج - عبادية الناس لله هي الأساس في علاقة الناس بعضهم ببعض، فكلمة الله العليا التي سبقت، هي أنه تعالى خلق الناس جميعاً ليعبدوه، أي ليكونوا عباداً له يطيعونه بملء إرادتهم ويعصونه بملء اختيارهم. وهي أنه تعالى خلقهم أحراراً في الاختيار، ثم يحاسبهم بناء على ذلك، ولهذا فالمجتمع الذي تكون فيه كلمة الله هي العليا، لا ترى فيه إكراهاً. وإذا رأيت مجتمعاً المؤمنون بالله فيه مؤمنون بملء إرادتهم، والملحدون المجرمون فيه ملحدون بملء إرادتهم، فاعلم أن كلمة الله في هذا المجتمع هي العليا.
لكنك إذا رأيت مجتمعاً كل أفراده مسلمون، ليس فيه ملحد واحد، أو على العكس، كل أفراده ملحدون ليس فيهم مسلم واحد، فاعلم أنه مجتمع مستبد، هذا يسوق الناس إلى الإسلام كرهاً، وإلى إقامة الصلاة غصباً، أو يسوقهم إلى الإجرام ويكرههم على الالحاد، واعلم أنه مجتمع كلمة الله فيه هي السفلى.
لذا، فإن أساس الأسس في أي وعي جمعي، وفي أي مجتمع يريد بناء دولة، هو الحرية، كلمة الله العليا، وأن الله خلق الناس عباداً وليس عبيداً، وأن العبادية هي الحرية والعبودية هي الاستعباد. وعندما تتحقق وتتجلى فكرة عبادية الانسان لله بأنها عين الحرية، تظهر أهمية الإسلام كميثاق.
د- بما أن الله خلق الناس أحراراً، فقد طلب منهم، بناء على ثقتهم به، أن يتبعوا تعليمات
(عبادات) تتناسب وفطرتهم الانسانية (الحنيفية)، هي تعاليم الاسلام. وهي ميثاق يتجلى، بعد الايمان بالله واليوم الآخر، في أركان الإسلام، وفي مثله العليا الانسانية. أي أن أركان الإسلام ميثاق الانسانية جمعاء، الذي وافق الناس طوعاً وبدون إكراه على الالتزام ببنوده، فهو ليس بنداً في دستور ولا مادة في قانون، ومع ذلك لا يمكن لمجتمع إنساني أن يعيش بدونه، وإلا تحول إلى مجتمع بهيمي. هذا الميثاق هو التنازل والقبول الطوعي للحد من الحرية، انطلاقاً من الثقة بالله، وإيماناً بأنه مثل عليا إنسانية فطرية، وبناء عليه يكون الثواب ويكون العقاب.
وهذا الميثاق له طرفان: الطرف الأول هو الله سبحانه، والطرف الثاني هو الانسان خصوصاً والخلق كله عموماً. ولما كان الميثاق مثلاً عليا، فالانسان الذي يقبل بتطبيقها طائعاً مختاراً ينال ثوابه الأخروي، إضافة إلى ثوابه الدنيوي من قبول مجتمعه به وحبه له، أما الإنسان الذي يرفض بملء إرادته تطبيقها، فينال عقابه الأخروي، إضافة إلى عقابه الدنيوي بنبذ الناس له لخروجه من الدائرة الانسانية. من هنا نرى كيف تلتحم الدنيا والآخرة في ميثاق الاسلام التحاماً لا انفصام فيه.
لقد قلنا إن الميثاق عموماً، وميثاق الاسلام خصوصاً، ليس بنداً من دستور، أو مادة في قانون، وقلنا إن أركان الإسلام وعلى رأسها الإيمان بالله واليوم الآخر أكبر من الدولة، لماذا؟ لأن الدولة عقد بين أفراد في مجموعة إنسانية، له بنود وشروط، تسري ضمن رقعة جغرافية هي الوطن، والعقد شريعة المتعاقدين، تأتي القوانين بموادها الرادعة وإجراءاتها الجزائية لتعاقب المخالفين لبنود هذا العقد، أما ميثاق الإسلام فهو ميثاق إنساني لا يتغير من مكان إلى آخر، أي لا تحدده رقعة جغرافية، وليس خاصاً بجماعة إنسانية دون غيرها، فهو أكبر وأوسع وأشمل من الدساتير والقوانين، لا بل إن على الدساتير والقوانين أن تصاغ ضمن دائرته ولا تخالفه. بكلمة موجزة: الميثاق الإسلامي مثل عليا عامة إنسانية، أما الدولة فعقد اجتماعي لمجموعة معينة من الناس ضمن رقعة معينة من الأرض.
قد يسأل سائل: كيف نجعل الملحدين يقبلون بميثاق الإسلام؟ أقول: أما الإيمان بالله واليوم الآخر، فهذا أمر بينهم وبين الله سبحانه، لست معنياً به طالما أنهم لا يكرهون أحداً على الالحاد، ولا يحاربون الله ورسله، أما المثل العليا الإسلامية فسيقبلونها بفطرتهم الانسانية لأنهم من الناس.
نحن لا نستطيع أن نجعل من بر الوالدين مثلاً بنداً في الدستور، ولا نستطيع أن نصوغ مواد قانونية تضبط حب الوطن وإكرام الجار، إلا أن الملحد لا يستطيع في الوقت نفسه أن يقتل أو أن يكذب، ثم يقول إنني فعلت هذا لأنني ملحد، فالقتل والكذب محرمان على المسلمين وأنا لست مسلماً، ولا بأس بما عندي.
دعونا نأخذ الموضوع على مستوى الدولة ونسأل: هل يستطيع أي رئيس وزراء في دولة ملحدة أو غير دينية، أن يطلب من السلطة التشريعية إصدار تشريعات تسمح بالغش في الكيل والميزان .. أو الكذب والزور .. أو بحنث الأيمان والعهود والعقود .. أو تسمح بضرب الوالدين ..؟ أقول: هو قطعاً لا يستطيع، وإلا اتهم بالجنون وأرغم على الاستقالة، رغم أنه لا توجد أي مادة في دساتير الدنيا وقوانينها ما يمنع ذلك علناً، لماذا؟ لأن هذه الأمور من المثل العليا الانسانية، التي يدافع عنها المجتمع نفسه، وليس الدستور أو القانون. ومن يخالفها يتعرض إلى نبذ المجتمع وعدواته، لأنها أكبر من الدستور وأكبر من القانون.
لذا، فإن من الخطأ الفادح إخضاع الإسلام ومثل الإسلام العليا لعمليات التسييس، لأن للسياسة معنيين، المعنى الأول: هو مفهوم كلمة "Politics" وتعني "فن تدبير المصالح المتنازعة "Art of Managing Conflict of Interests" فإن تسييسنا الاسلام بالمعنى الأول فيه ضياع للاسلام والسياسة معاً.
ففي المعنى الأول تصوروا معي حزباً يزعم أنه إسلامي، فماذا يعني هذا؟ إنه يعني أن أعضاء هذا الحزب يؤمنون بالله واليوم الآخر وبالتوحيد والمثل العليا، وكأن أعضاء الأحزاب الأخرى لا يؤمنون بهذا كله. إنه يعني تحديد الاسلام بمجموعة بعينها من الناس، وسحبه من غيرها، وهذه هي المهزلة الخطيرة. فإذا نحن نظرنا في أركان الإسلام واستعرضنا مثله العليا، كما وردت في سورة الأنعام وغيرها، رأينا أنها جميعاً غير قابلة للتسييس، بل هي للتأطير الاجتماعي الانساني كله، لا يحدها وطن ولا لسان ولا عرق، وهذا ما لم يستطع العرب المسلمون المؤمنون استيعابه حتى اليوم.
أي لم يستطيعوا التفريق بين المعنى الأول للسياسة المذكور سابقاً والمعنى الثاني للسياسة والذي هو Policy وتعني النهج وهو أعم من الأول بكثير، فسياسة الدولة لها منهج إسلامي التي يقال عنها أسلمة السياسة، أي أن الذي يعمل بالسياسة، يؤمن بالمثل العليا سواء أكان من هذا الطرف أو ذاك. أي أن ذوي المصالح المتضاربة الذين يمارسون السياسة بالمفهوم الأول تحدهم سياسة عامة Policy التي هي المثل العليا الإسلامية أو ميثاق الإسلام، والتي تعتبر حقوق الانسان جزءاً منها، فمثلاً أي تضارب في المصالح بين فئتين تمارسان السياسة فإن كلاهما يؤمن بأن التجسس على الناس يخالف المثل العليا. وهنا نلاحظ الفرق الدقيق بين المفهوم الأول للسياسة والمفهوم الثاني الذي هو نهج، أي أن الإسلام هو نهج للمجتمع كله ولأي إنسان سواء أكان في السلطة أو المعارضة أو لإنسان أصلاً غير مسيس.
إن كل ما حدث بعد وفاة الرسول الأعظم، كان تكتيكات سياسية
(Politics) قام بها مسلمون مؤمنون (هم الصحابة) للوصول إلى الحكم، وإدارة دولة تضم مسلمين مؤمنين ونصارى ويهود وآخرين، وقد برع في هذا الفن عمر بن الخطاب وأبو بكر (رض) حين حدث فراغ سياسي خطير بوفاة النبي (ص) فمارس عمر السياسة بانتخاب أبي بكر وتجنيب المؤمنين أزمة سياسية خطيرة. علماً أنه بوفاة النبي (ص) لم يحدث أي فراغ ديني (إسلامي)، لأن الإسلام كان مكتملاً عند وفاته، وما زال إلى الآن مكتملاً وشائعاً بين معظم سكان الأرض.
وهذا كله لا علاقة له بالإسلام كمنهج إنساني. لكننا وقعنا في خطأ مرعب حين اعتبرنا كل خطوة قام بها الصحابة إسلاماً. بينما هي خطوات إجرائية سياسية لحل تضارب المصالح
(المهاجرين، الأنصار، الأوس، الخزرج)، والتي أدت إلى الحروب الأهلية ذات المنشأ السياسي البحت الذي يقوم على تنازع المصالح، أي أننا عندما سيسنا الإسلام (Politics) ضيعنا الإسلام المنهج (Policy) وضيعنا السياسة معاً (Politics).
وعندما تفاقمت الأزمة السياسية بالمعنى الأول، ابتداء من عثمان بن عفان وانتهاء بالجمل وصفين، مارس معاوية السياسة بالمفهوم الأول
(تنازع المصالح) ورد عليه على (رض) بممارسة السياسة بمفهومها الثاني (النهج) فانتصر الأول. لأن السياسة بمفهوم النهج، لا يمكن أن تكون بديلاً للسياسة بمفهوم تنازع المصالح. وهذه القاعدة ما زالت إلى الآن صحيحة. فالأحزاب التي تطلق على نفسها اسم "أحزاب إسلامية" تستعمل السياسة بالمعنى الثاني، عوضاً عن السياسة بالمعنى الأول، والنتيجة هي الفشل، وآلاف الضحايا والقتلى.
بينما نرى النبي
(ص) مارس السياسة بالمعنى الأول بكل أبعادها، وأهم دليل على ذلك هو أن مجموع القتلى في غزوة بدر الكبرى وغزوة أحد لم يتجاوز 200 قتيل من الطرفين، بينما يصل عدد القتلى الآن إلى أضعاف هذا العدد في يوم واحد بأفغانستان والبلاد الأخرى.
وأرجو من القارئ ألا يفهم أنني مع النتائج التي توصل إليها معاوية، من ترسيخ الاستبداد وجعل الحكم وراثياً، فكل ما أقوله هو أنه مارس السياسة بالمفهوم الأول بكل براعة. والسياسي البارع قد يكون مستبداً، وقد يكون ديمقراطياً، لأن الكلام هنا عن السياسة كفن، بغض النظر عن الحقل الذي تمارس فيه، وعن الوظيفة التي تؤديها.
تعالوا نستعرض أركان الإسلام وأركان الإيمان، لنبحث عن الركن الإسلامي أو الإيماني الذي قامت عليه الخلافات والحروب ابتداء من السقيفة والجمل وصفين:
- هل كان الخلاف على الإيمان بالله واليوم الآخر؟ .. كلا.
- هل كان الخلاف على التوحيد؟ .. كلا.
- هل كان الخلاف على بر الوالدين؟ .. كلا.
- هل كان الخلاف على قتل الولد؟ .. كلا.
- هل كان الخلاف على الفواحش؟ .. كلا.
- هل كان الخلاف على قتل النفس، أم على الإرث ومحارم النكاح، أم على شهادة الزور وأكل مال اليتيم، أم على الحنث باليمين؟ .. كلا.
- فهل كان الخلاف على شهادة أن محمد رسول الله؟ .. كلا.
- وهل كان على إقامة الصلاة وإخراج الزكاة والصوم والحج؟ .. كلا.
لقد كانت الشورى والقتال كمركبات أساسية لممارسة السياسة هما لب المشكلة، ومع ذلك لم يصلانا كركن من أركان الإيمان أصلاً، أي أن الشورى كعقيدة وكممارسة بشكلها التاريخي هي ركن من أركان الإيمان، لأنها ليست فطرة، بل هي تكليف. وكذلك الجهاد في سبيل الحرية، هو تكليف وليس فطرة، جاء إلى أتباع محمد
(ص). فوضع على عاتقهم نشر حرية الاختيار، والقتال دفاعاً عن حرية أهل الأرض في أن يكونوا مسلمين أو ملحدين، وبأن يختاروا ما يشاؤون دون إكراه. تماماً كما تم تكليف أتباع محمد (ص) بالشورى، إلا أنهم الآن أبعد الناس عنها، وعن الحرية، منذ قرون طويلة.
المشكلة فينا الآن، ونحن نعتبر كل الناس بعد وفاة الرسول الأعظم، هم من الصحابة، نحبهم لأنهم جيل الصديقين، لكننا رفعناهم فوق مستوى البشر حتى في تصرفاتهم السياسية، واعتبرنا ما فعلوه تسييساً للاسلام، بينما الإسلام غير قابل للتسييس أصلاً، فإذا تم تسييسه مات بموت الدولة التي سيسته لذا فإن من الشائع الآن، أن الإسلام طبق في عهد الرسول الأعظم وبعد وفاته، ثم طبق في عهد الخلفاء الراشدين، ثم توقف.
وهذه الخطيئة جاءت من تسييس الإسلام، ومن ربط السياسة بالإسلام بالمعنى الأول. أما حين يكون ميثاقاً إنسانياً لا تحده الجغرافيا ولا التاريخ، بقي هو وماتت الدول ديمقراطية كانت أم استبدادية.
إذا وعينا هذه النقطة، نقطة أن الإسلام بمثله العليا غير قابل للتسييس، بل هو مبادئ إنسانية اجتماعية راسخةى، لا تحدها بنية سياسية محددة صحابية كانت أم غير صحابية، وإذا وعينا مفهوم استمرارية الإسلام بمثله العليا في أحلك الظروف وفي أحسنها، أدركنا أن الدولة طبقاً للتنزيل الحكيم لا يمكن أن تكون إلا مدنية بحتة تأخذ شرعيتها من ميثاق إنساني اجتماعي عام، وعقد بين السلطة والشعب الذي ينتخب السلطة بنفسه. وهل يمكن لأحد في الدنيا أن يقول إن الدولة المدنية دولة بلا مثل عليا، وإن المجتمع الذي يقبل الدولة المدنية القائمة على التعددية الحزبية وينادي بها ويدعو إليها هو مجتمع بلا مثل عليا.
إلا إذا حصرنا المثل العليا في الجنس وعند المرأة حصراً، وهذا فعلاً ما يحصل في مجتمعنا الذكوري.
هذا عن تسييس الإسلام، فماذا عن أسلمة السياسة؟ نجيب: نفس النتيجة. فالقول بأسلمة السياسة يعني بأن الإسلام مثل عليا إنسانية. فهل يمكن لأي حزب سياسي أن يتخلى عنها لأنه يعمل بالسياسة؟ أي نسمح لأي حزب سياسي بأن يكذب على الناس تحت شعار أن الصدق من المثل العليا الإسلامية، وأن السياسة ليس لها علاقة بالإسلام كمثل عليا؟ وهل نسمح لحزب تحت شعار العلمانية بأن يمارس التجسس على رسائل الناس وهواتفهم، زاعماً أن مبدأ
(ولا تجسسوا) هو مبدأ ديني فردي لا علاقة له بالدولة؟ وهل نسمح لحزب بأن يقوم بتزوير الانتخابات، تحت شعار أن النزاهة من الاسلام، وهو حزب سياسي، وأن السياسة لا علاقة لها بالنزاهة؟
أي هل نسمح تحت شعار العلمانية، بفصل مثل الإسلام عن الدولة، بأن يسود الغش والقتل والرشوة والسرقة والمحسوبية وشهادة الزور وأكل حقوق الناس، زاعمين أن هذه مثل إسلامية إنسانية عليا، لا علاقة لنا بها لأننا علمانيين، فنحن غير ملتزمين بها وبالدفاع عنها؟ أما شعائر الإيمان
(صلاة، صوم، حج) فأمر مفروغ منه أنها مفصولة عن الدولة، التي لا علاقة لها بشعائر الإيمان إطلاقاً، لا عند المؤمنين ولا عند النصارى ولا عند الذين المؤمنين ولا عند النصارى ولا عند الذين هادوا لا عند غيرهم كائناً من كان.
والمثل العليا أمر لا بد منه ولا مناص، لكل مجتمع يريد أن ينتظم، ولكل حزب لا يتشكل ولكل فرد يريد أن يعمل بالسياسة. والقانون الأخلاقي مثل عليا تدخل تحت ميثاق المجتمع، أي مجتمع، وهي غير قابلة للاختراق تحت أي شعار إسلامي أم إيماني أم قومي أم غير ذلك مما شئت. وإن وضع هذا القانون تحت بند التراث، كقيمة تراثية، أوصل أصحابه إلى كارثة، وأوصل المجتمع إلى كارثة أكبر، كانت محصلتها الاستبداد السياسي وبالذات حين تم استبدال أركان الإسلام بأركان الإيمان.
لقد تم طرح العلم كشعار (أيديولوجيته التكنولوجيا وليس السياسة، والأخلاق ذاتية أيديولوجيتها الروابط والقيم الانسانية الاجتماعية، التي تتجلى في المؤسسات العلمية والسياسية والتشريعية. أي أن الأخلاق كمثل عليا، موجودة راسخة في الوعي الجمعي، لكنها تتجلى بحسب تعقيدات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وبحسب الموقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي يشغله الانسان. فإمام المسجد الذي عمله أن يؤم الناس في الصلاة، لا يتعرض لأكل مال اليتيم، ولا للغش في المواصفات، ولا لأن يبخس الناس أشياءهم، رغم أنها كلها من مبادئه ومعتقداته التي يدافع عنها. أما الصناعي، فإن أهم قيم عليا يواجهها في عمله الالتزام بالمواصفات، والقسط في الكيل والميزان، والوفاء العقود، بحكم تعرضه لها يومياً.
وأما التاجر، فأهم القيم عنده هي قيمة
(ولا تبخسوا الناس أشياءهم)، وهي القيمة التي يجب إسقاطها على كل إنسان مهما كان انتاجه، من العامل اليدوي إلى الفنان والعالم. وبالنسبة لمدير الأيتام، فأهم ما يتعامل معه من القيم هو قيمة لا (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) أما القاضي فأهم القيم عنده هي (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل). وأهم القيم عند أمناء المستودعات والصناديق هي (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى اهلها). أما بالنسبة لعامة الناس وخاصتهم في حياتهم اليومية مع الآخرين فهي (ولا تلمزوا أنفسكم) أي لا تبخسوا أنفسكم حقهان و(ولا تنابذوا بالألقاب) أي لا تحتقروا الآخرين طبقاً للموقع الاجتماعي والاقتصادي والعلمي.
أما بالنسبة للسياسة، وللذين يعملون في السياسة والصحافة، فالقيم العليا ضرورية لهم جميعاً بدون انقاص، لأنهم بحكم عملهم يتعرضون لمخالفتها أكثر مما يتعرض غيرهم.
فالذي يعمل في السياسة ويشغل منصباً من مناصب الحكم، عليه أن يعلم أن الأعين مسلطة عليه، وأنه نموذج يحتذى، وأن الأمانة والعدالة والنزاهة والصدق واحترام الآخرين، كلها مطلوبة منه شخصياً. ومطلوب منه الدفاع عنها إذا اخترقت فالسياسي وإن لم يكن مديراً للأيتام عليه الدفاع عن مال اليتيم، وإن لم يكن قاضياً عليه الدفاع عن العدالة والعدل، وإن لم يكن صناعياً عليه الدفاع عن المواصفات. وهذا يعني أن القيم العليا تجد منعكسها في البنية العليا من المجتمع وهي الدولة. فكلما ارتفع المنصب في الدولة زادت المسؤولية الأخلاقية على من يشغل هذا المنصب.
لهذا فإن تبني كل الأحزاب السياسية، يمينية ويسارية قومية وغير قومية، للمثل العليا في المجتمع أمر مفروغ منه وغير قابل للنقاش وللتصويت. وإذا تم غير ذلك فالدمار للمجتمع والطغيان واستبداد. والمثل العليا تتناسب مع درجات التطور في المجتمع، وتختلف تجلياتها وتوزعاتها بحسب تعقيدات المجتمع المجتمع، ومدى التزام المجتمع والدولة بها. فالقيمة الأخلاقية فيا لدولة الاستبدادية قيمة ثانوية لا يتم الدفاع عنها، ولهذا يؤدي الطغيان بالضرورة إلى الفساد الأخلاقي في المجتمع، الذي يؤدي بدوره إلى غياب الضمير، وهذا يؤدي آلياً إلى ظلم الناس وتخلف الانتاج وتخلف الدورة الاقتصادية.
من هنا لا يجوز أبداً لحزب من الأحزاب أن يطلق على نفسه اسم "الحزب الإسلام" كما لو أن المثل العليا ملك له، وكما لو أن باقي الناس والأحزاب بلا مثل عليا. ومن هنا نفهم تماماً ما معنى أسلمة السياسة. أي أن على الذي يعمل بالسياسة، عليه كائناً من كان أن يتقيد أكثر من غيره بالدفاع عن المثل العليا الإسلامية التي هي مثل إنسانية بحتة. أما أن نطرح شعاراً لحزب إسلامي
(الإسلام هو الحل) نضع تحته حجاب المرأة، وفصل النساء عن الرجال، وإلغاء الرياضة والموسيقى في المدارس، ونطبق فقه الشافعي وفتح الباري وفتاوى ابن تيمية، فهذه مهزلة لا تؤدي إلا إلى طريق مسدود.
فإذا سأل سائل: ما هي الأحزاب السياسية، وما هي مهمتها؟ أقول: الأحزاب السياسية هي بالضرورة أحزاب وطنية
(تعمل ضمن رقعة جغرافية محددة هي الوطن) قومية (قوم لسان) اقتصادية اجتماعية يشترك فيها كل أبناء الوطن ضمن ميثاق عمل سياسي ذو نزعة إنسانية (مثل عليا) ولا علاقة لشعائر الإيمان ببرامج ونشاطات الأحزاب السياسية. فهي فوق التعصب الديني والمذهبي والطائفي، فالتعصب الواعي هو للوطن والقومية والشعب.
نعود الآن لننظر كيف انطلت علينا نحن العرب المسلمين المؤمنين، خدعة استبدال أركان الإسلام بأركان الإيمان، عدا الركن الأول منها وهو شهادة أن لا إله إلا الله. ونستعرض هذه الأركان كما طرحت علينا.
1 - شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
2 - إقام الصلاة.
3 - إيتاء الزكاة.
4 - صوم رمضان.
5 - حج البيت من استطاع إليه سبيلاً.
فنلاحظ أنها لا تحتوي على أخلاق ولا على مثل عليا إطلاقاً، وتم طمس الإحسان والعمل الصالح منها نهائيا، فأصبحت لها الخواص التالية:
1 - الشهادتان لا علاقة لهما بنظام الحكم، ولا تتعارضان مع أي حكم مهما كان طاغياً استبدادياً، لأن الحاكم نفسه ينطق بهما. وهذه الخدعة انطلت علينا عندما احتل التتر البلاد العربية ونطقوا بالشهادتين فقبلناهم على أنه مسلمين.
2 - إقامة الصلاة لا تتعارض أيضاً مع شكل الحكم ونظامه، فليصل الناس ما شاؤوا والمستبد مستعد لأن يؤمهم ويصلي معهم.
3 - إيتاء الزكاة أمر لا يهم الحاكم المستبد، فليزك كل الناس وليساعد بعضهم بعضاً، لا بل إن في الزكاة متنفساً للناس من وطأة استبداده، فإذا اهتم بها، فهو يهتم بمعرفة دافعي الزكاة أكثر من اهتمامه بآخذيها.
4 - صوم رمضان، أيضاً لا يتعارض مع أي حكم استبدادي، فليصم الناس رمضان وشعبان ورجب، بل إننا نجد الحاكم المستبد يشجع الناس على إتباع سيرة أيوب النبي في الصيام.
5 - حج البيت من استطاع إليه سبيلاً، كذلك لا يتعارض مع أي حاكم مستبد، فليحتج الناس ما شاؤوا، متى شاؤوا، لا بل إن المستبد ينتهز الفرصة ليؤمر عليهم أميراً من طرفه يسير الحجيج تحت لوائه، وأعوانه ينتهزون الفرصة ليتقاضوا الأموال من البسطاء، تحت شعار تعليمهم، وإرشادهم إلى المناسك باعتبارهم جهلة.
انطلاقاً من هذه الأركان الخمسة حكم من حكم من الطغاة المستبدين، ونتيجة لذلك قبل الناس حكم هؤلاء الطغاة، من تتار ومماليك وأتراك، ومن كل من هب ودب، طالما أنه مسلم
(كذا)، وطالما أنه ينطق بالشهادتين ولا يمنع أحداً من أداء الشعائر التي جعلوها أركاناً للإسلام.
نشأ الطغيان وترعرع خلال قرون طويلة من عمر الأمة العربية الإسلامية المؤمنة، آخذاً شرعية استبداده من طرفين: الحديث النبوي السياسي الذي كان ضرورة لا غنى عنها للمستبد لاكتساب الشرعية وطاعة الناس، وأركان الإسلام الخمسة، التي أسندوها إلى الرسول الأعظم فيما أسندوه من أحاديث. بقوة هذين الطرفين أطبق الطغيان قبضته على رقابنا، وما زال، وسيبقى حتى نتخلص من هذه الأطروحات، ونفهم أن أركان الإسلام تؤخذ من كتاب الإسلام الإلهي، التنزيل الحكيم، وليس من كتب وأحاديث أحد.
نعود الآن إلى أسس الإسلام السياسي الإنسانية العالمية التي لا تحدها حدود جغرافية، والتي يجب أن يتمثلها كل حزب سياسي، عربياً أم غير عربي:
1 - كل الناس عباد الله، خلقهم أحراراً يطيعونه بملء اختيارهم، ويعصونه بملء اختيارهم، ويعصونه بملء إرادتهم، والثواب والعقاب متلازمان مع الحرية
(انظر بحث العباد والعبيد). والحرية قدس الأقداس بالنسبة لكل الناس، يتنازلون عن قسم منها بملء إرادتهم (الميثاق الاجتماعي)، مقابل أن يعيشوا ضمن مجموعة واعية عاقلة، وكلما زاد تحضر الانسان ورقية، زاد التزامه الطوعي بالحد من حريته من أجل الآخرين.
2 - إن بنود الحياة الدنيا هي حقل عبادة الناس لله طاعة ومعصية. وكلما زادت وتنوعت هذه البنود عبد الله أكثر. لذا فإن تطور وتنوع بنود الحياة والتفاخر والتكاثر هو من أساسيات هذه الحياة. وطموح الانسان، فرداً وجماعة، نحو حياة أفضل هو طموح مشروع، على جميع الأحزاب في سياساتها أن تعمل من أجل تحقيقه، وهذا هو الجانب الموضوعي، أي أن التقدم العلمي والصناعي والتكنولوجي يدخل تحت هذا البند.
3 - بما أن الحياة الدنيا، بما فيها من لهو وزينة وتفاخر وتكاثر، هي البنود المباشرة التي يعيشها الانسان ويمارسها في حياته اليومية، فإن المجتمع بحاجة إلى قيم عليا
(قانون أخلاقي)، لينظم العلاقات الاجتماعية على أساس إنساني، لا على أساس همجي بهيمي. هذه المثل العليا (القانون الأخلاقي) هي الجانب الذاتي الذي يجب على كل الأحزاب السياسية أن تلتزم به، دون أن يتغلب أي من الجانبين (الموضوعي والذاتي) على الآخر، وإلا كانت النتيجة كارثة.
فجانب الأخلاق والمثل العليا بدون جانب مادي موضوعي، يعني أن المجتمع مجتمع ملائكة، يعيشون على المثل بلا طعام ولا شراب ولا بيوت ولا سيارات، وهذا وهم.

وكذلك جانب المادة الموضوعي بدون أخلاق وقيم عليا، يعني أن المجتمع مجتمع وحشي بهيمي، الناس فيه ذئاب يأكل بعضها بعضاً.
من هنا نرى أن الدولة والمجتمع لا تقوم بدون هذين الجانبين، فهما مع الحرية العمود الفقري الأساسي لأي عمل سياسي ولأي برنامج سياسي، في جميع الأحزاب والدول. وهذه الأمور الثلاثة لا علاقة لها بقومية ولا بعرق ولا برقعة جغرافية، أي أنها إنسانية عامة. ونرى أن الإسلام غير قابل للتسييس، بل سياسة الدولة والمجتمع قابلة لأن تكون إسلامية، ونرى أن الخطوط العامة للسياسة بكل فروعها ما يلي:
1 - قانون التطور.
2 - البينات العلمية
(مراكز البحث العلمي والجامعات ونتائج العلوم الإحصائية في العلوم الانسانية).
3 - الأساس في الحياة الانسانية الإباحة. فكل منع يحتاج إلى بينة مادية علمية، ويحتاج إلى موافقة الناس.
4 - الأساس في العلاقات بين الدول السلم. والحرب هي العرض والاستثناء. وهذا ما أشار إليه قوله تعالى محذراً المسلمين المؤمنين:
(يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة ..) النساء 94.
فالله تعالى ينبه أتباع محمد
(ص) ويأمرهم ألا يقاتلوا أبتاع الملل الأخرى المسالمين، بحجة أنهم ليسوا مؤمنين. ونفهم من هذا أن تقسيم الدنيا إلى دار إسلام ودار كفر، إنما هو تقسيم رسخه الفقهاء أنفسهم، الذين أعطوا المستبد المبرر الشرعي لاستبداده بصياغتهم لأركان الإسلام الخمسة. فأتباع محمد (ص) المبطقون للتنزيل الحكيم لا يقاتلون إلا من ظاهر عليهم وحاربهم وبدأهم بالقتال حتى ولو كان مؤمناً (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ..) ما عدا ذلك فلا. إضافة إلى أن هذا الفهم لآيات التنزيل يلغي مفهوم الجزية كما رسخه الفقهاء، فالجزية لا تؤخذ إلا ممن ظاهر على أتباع محمد (ص) وحاربهم، ثم انهزم عند قتالهم، عند ذلك تؤخذ منه الجزية، التي هي في وقتنا هذا عقوبات اقتصادية وتعويضات مالية تفرض على الدولة المنهزمة في الحرب.
5 - القتال في سبيل الوطن أمر مشروع أباحه التنزيل الحكيم تحت مصطلح "الإخراج من الديار" بمعناه الواسع والضيق. فيحق للإنسان أن يقاتل دفاعاً عن أرضه ونفسه وبيته ومزرعته ووطنه. وهذا ليس قتالاً في سبيل الله لذلك فهو ليس وقفاً على المؤمنين أتباع محمد
(ص) وإنما هو قتال وطني يقوم به أصحاب الأرض والديار، بغض النظر أكانوا من المؤمنين أم من غير المؤمنين، ولكنه قتال مشروع أقره التنزيل الحكيم ضمن شروط، أولها عدم البدء بالقتال، وعدم المبالغة في القصاص، وعدم قتل النساء والأطفال والشيوخ إلا قصاصاً، ويفضل العفو وعدم قتل الأطفال والشيوخ والنساء. فإذا تم الالتزام بهذه الشروط سمي القتال عندها "حروباً وطنية"، وأصبحت حروباً مشروعة.
أما الجهاد في سبيل الله، الذي جاء إلى أتباع محمد
(ص) تكليفاً ولم يجيء إلى غيرهم ولا يحق لهم إلزام غيرهم به إلا طوعاً، فهو القتال في سبيل أن تكون كلمة الله هي العليا، وعين القتال ضد الاستبداد ومن أجل الحرية لكل الناس قاطبة ورفع الإكراه عنهم أينما كانوا، بغض النظر عن مواقفهم العقائدية أو السياسية، وهذا ما سيأتي شرحه لاحقاً.
6 - الأسرة والتبني واحترام الأسرة، إذ لا توجد حياة اجتماعية بدون أسرة، والأسرة هي أساس المجتمع، وهذا من الفطرة.
7 - الإرث، إذ لا يوجد مجتمع في العالم ألغى الإرث كمفهوم. والخلاف على النسب والحصص خلاف ضمن حدود الله، ليس له علاقة بحلال وحرام، ولا بكفر وإيمان.
8 - العقوبات، إذ كل دولة في العالم عندها قانون عقوبات. والعقوبات في الإسلام هي حدود الله، التي يمكن النزول عنها، والوقوف عندها، إنما لا يمكن تجاوزها. وهذا منسجم مع فطرة الناس فيكل أنحاء الأرض.
لنبحث الآن عن النظام السياسي الذي يكفل الدفاع عن المثل العليا الإسلامية. ونبدأ بالمثال التالي:
عندما يعمل الإنسان ويقبض أجره، فهو يفعل ذلك بفطرته دونما حاجة إلى تربية تعلمه كيف يقبض المال. لكن دفع قسم من هذا المال للغير وخاصة دون مقابل
(فعل الخير / الصدقة) يحتاج إلى تربية واقتناع بإيثار الآخرين. ولهذا سمي هذا النوع من الدفع (صدقات). وهو مصطلح راق جداً لأنه جاء من فعل صدق، يعني أن الإنسان الذي يدفع الصدقات، إنما يقدم تصديقاً عملياً لإيمانه بإيثار الآخرين وعطفه عليهم، ولتغلبه على الأنا الفطرية في داخله. وهذا ما نراه واضحاً فيدول العالم التي تفرض الضرائب على الأجور.
فالإنسان يقبض أجره بالفطرة، ويدفع الضريبة بالتكليف، ومن هنا جاءت تسمية "التكليف الضريبي". وهنا ينقسم المكلفون إلى قسمين:
قسم تتغلب الأنا لديه على الوعي الجمعي الراقي، فيحاول أن يقبض أكثر ما يمكن ويدفع أقل ما يستطيع، بل إن بعضهم يبحث عن المخارج القانونية ويتهرب ليدفع أقل ما يمكن، ويسمى ذلك "فهلوة وشطارة". وقسم ارتقى الوعي الجمعي لديه، فاعتبر أن ما يدفعه للدولة حق لها مقابل ما تقدمه له من خدمات، وليس مجرد أتاوة تأخذها الدولة لتصرفها على نفسها.
من هذا المنطلق نفسهم لماذا كانت الشورى وكان الجهاد من أركان الإيمان، أي لماذا جاءت الشورى وجاء الجهاد تكليفاً، تماماً كالتكليف الضريبي، ونفهم لماذا اختلف موقف الناس منها كتكليف. فالإنسان بفطرة الأنا الفردية لديه يميل إلى الغلبة على الآخرين.
ولهذا جاءت الشورى لتعديل هذا الميل الفطري لدى أصحاب السلطة الذين قد يدفعهم سحر السلطة إلى تغلب الأنا لديهم على الغير. ومن هذا المنطلق كانت الشورى ركناً من أركان الإيمان، تحتاج إلى تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وتحتاج إلى أن يتنازل الإنسان أحياناً عن سلطته للآخرين طوعاً، وهذا هو عين التكليف. فالذي يصوم رمضان طوعاً، تغلب على فطرة الأنا لديه في تناول الطعام والشراب، والذي يؤدي الزكاة تغلب على فطرة حب المال واكتنازه.
كذلك هي الشورى، تكليف يجب أن يتربى الإنسان عليه ويتدرب، في البيت والمدرسة والجامعة والشارع، بحيث يصبح عنده جزءاً من سلوكه في ممارسة الشعائر كالصلاة والصوم والحج. ولكن لما كانت الشورى تكليفاً يحتاج إلى تربية ووعي فردي وجمعين فقد وردت في أركان الإيمان كعقيدة، وتركت ممارستها للتطور التاريخي ضمن إطار
(لا يكلف الله نفساً إلا وسعها).
أي أن الشورى تمارس حسب الاستطاعة والإمكان، والتعبير عنها بشكل مباشر يأتي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهذا لا يتم إلا وفق استطاعة الفرد، وحسب التطور التاريخي بالنسبة للمجتمع ووعيه. ولقد تم إهمال الشورى كركن من أركان الإيمان، رغم أنها تحتاج إلى جهد وتربية أكثر مما تحتاج الصلاة والصوم والزكاة والحج بكثير.
هنا نستطيع أن نفهم كيف أن الشورى هي الوسيلة الوحيدة لحماية المثل العليا الإسلامية، وعلى رأسها الحرية. ونضع أيدينا بكل دقة على مفهوم الشورى بمصطلحها المعاصر وهو الديمقراطية. ونخلص إلى أن النظام السياسي الوحيد الذي يمكن حماية المثل العليا الإسلامية من خلاله، هو النظام الديمقراطي القائم على التعددية الحزبية، ومبدأ تداول السلطة، وحرية الرأي والرأي الآخر، وحرية الصحافة والقلم، والتعبير عن الرأي بكل الوسائل السلمية. في مثل هذا النظام الديموقراطي تكون المثل العليا الإسلامية مصونة.
إذ حين يقوم مسؤول في السلطة كائناً من كان، باختراق هذه القيم الأخلاقية، تهب الصحافة والكلمة الحرة لتنبه مباشرة على هذا الاختراق وتفضح مرتكبه، وحين يعلم الجميع في مواقعهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بأن هناك من يراقبهم في الصحافة والنقابات والجمعيات، فسيحسبون ألف حساب لكل اختراق قبل ارتكابه.
نحن كمسلمين مؤمنين نؤمن بالمثل العليا الإسلامية، وبأن حقوق الانسان جزء منها. لكن علينا أن نمارسها كتكاليف إسلامية وكتكليف إيماني وأن ندافع عنها بتطبيق الشورى وبممارستها حسب الاستطاعة، وحسب التطور التاريخي. والوصول إلى الشورى لا يأتي دفعة واحدة بين ليلة وضحاها، بل لا بد من ممارستها على كل المستويات حتى نصل إلى المستوى السياسي. أي حتى نصل إلى الديمقراطية والشورى، علينا أن نتحرر من الاستبداد العقائدي
(الرزق المقسوم والعمر المحتوم) والاستبداد الفكري (تفويض بالتفكير عنا) والاستبداد المعرفي (نبذ تقديس الأشخاص والأخذ بأدوات معرفية معاصرة). بعدها نصل إلى الديمقراطية السياسية.
الاستبداد السياسي، وأنظمة الحكم الديكتاتورية، والطغيان والظلم، محصلة طبيعية لهذه الاستبدادات المذكورة، والتي تم ترسيخها عبر مئات السنين، بدءاً من اسبتدال أركان الإسلام بأركان الإيمان، وانتهاء باستبعاد الشورى والقتال من أجلها من أركان الإيمان.
الديمقراطية ضرورة لا غنى عنها لحماية مثل الإسلام العليا، والمثل العليا ضرورة لا غنى عنها لكل الناس، سواء كانوا مسلمين مؤمنين أم مسلمين فقط أم غير مسلمين وغير مؤمنين. ورغم أن الشورى الديمقراطية جاءت صمام أمان للمسلمين المؤمنين تكليفاً، إلا أنهم أهملوها وتركوها فتخلفوا عن باقي الشعوب التي أخذت بها، واستعاضوا عنها بمصطلحات ومفاهيم عجينة مثل: إجماع الجمهور، وإمام المسلمين، والخليفة، وأهل الحل والعقد، وكلها مفاهيم تاريخية فرضتها ظروف زمانية ومكانية معينة، أصبحت اليوم لا معنى لها، وبقي المعنى الذي يجب أن نعود لنتبناه وهو ولاية الأمة على نفسها. وأنه لا وصاية على الشعب، وأن الشعب ينتخب سلطاته بنفسه.
حين نقول إن أركان الإسلام ميثاق بين الله والناس، ونقول إن الزواج ميثاق بين رجل وامرأة يرغبان بإنشاء أسرة، كذلك نقول إن هناك ميثاقاً تم الانطلاق منه والارتكاز عليه في وضع الدساتير وصياغة القوانين. وكذلك نقول إن للعمل السياسي ميثاقاً ينتظم هذا العمل ضمنه ولا يخالفه، فالمجتمع يقوم على ميثاقين، الأول الميثاق الأخلاقي
(المثل العليا) والثاني الميثاق السياسي، الذي تقوم الدولة على أساسه بصياغة دستورها في عقد اجتماعي ينظم السلطات وعلاقة الناس بهذه السلطات، وبصياغة قوانينها التي تنظم حياة الناس اليومية إطار الدستور والميثاق الأخلاقي بدون فقهاء وهامانات.
من هنا نرى المجتمع والدولة في الشكل التالي:

نأتي الآن إلى البند التكليفي الثاني من تكاليف الإيمان، الذي جاء إلى أتباع محمد
(ص) حصراً، وهو الجهاد في سبيل الله، وهو تكليف لأنه ضد الفطرة. فالقتال في سبيل الله يعني القتال لتكون كلمة الله هي العليا. وكلمة الله العليا هي التي سبقت للناس أجمعين، مطيعين وعصاة، بأنهم عباده، أحرار في طاعته أحرار في معصيته، أحرار في أن يحدوا من حريتهم لأجله، انطلاقاً من ثقتهم به. وعلى هذا تتم المحاسبة والمساءلة يوم الحساب. فجاء الوعد بالثواب لمن اختار الطاعة، وجاء الوعيد بالعقاب لمن اختار المعصية، فيتحقق الوجه الأول من كلمة الله العليا وهو الحرية، ثم يتحقق الوجه الثاني من كلمة الله العليا وهو العدل، يوم لا يظلم ربك أحداً من عباده، فيجزيهم على ما اختاروا بملء إرادتهم.
هنا نفهم أن الحرية الانسانية لجميع بني الإنسان قدساً مقدساً لا يجوز المساس به. ومن هنا نفهم أن الأمر بالقتال الذي تكلف به أتباع محمد
(ص)، هو من أجل هذا القدس المقدس. ونفهم أن القتال في سبيل الله هو قتال في سبيل (الإكراه) عموماً، و(لا إكراه في الدين) خصوصاً. وكل ما عدا ذلك فهو ليس في سبيل الله، كائنة ما كانت ألوان ألويته أو الأسماء التي تطلق عليه. نفهم هذا ونحن نلاحظ أن مبدأ (لا إكراه في الدين) مرتبط في التنزيل بـ(العروة الوثقى) ومرتبط بزوال الطغيان (الطاغوت).
والقتال في سبيل الله ضمن ما ذكرنا، ليس قتالاً من أجل الوطن بالضرورة، فإذا كانت هناك مجموعة من الناس فقدت حريتها، وتعيش تحت حكم الطغيان والاستبداد، ولا خيارات عندها، فعلينا أن نساعدها حتى ولو كانت في أقاصي المعمورة. وهذا ما حصل حين توافد المتطوعون من كل أنحاء العالم للقتال في إسبانيا من أجل حرية إسبانيا. وهذا أيضاً من تكاليف الايمان الذي جاء لأتباع محمد
(ص).
ثمة مثال عن المهازل التي تحصل من جراء تسييس الإسلام، هو أفغانستان. فقد قاتل الشعب الأفغاني ضد الغزاة الروس، وهو قتال مشروع لا غبار عليه، إلا أن هذا القتال ما زال مستمراً حتى بعد جلاء الروس، رغم أن كل الأحزاب المتقاتلة هناك اسمها إسلامية. الواقع أن ما يحصل هو صراع على السلطة،
(أي السياسة بمعناها الأول)، بين فئات مختلفة، لها جذور قومية / قبلية/ أسرية/ عشائرية/ مذهبية، وكل فئة تحاول أن تستحوذ على السلطة لنفسها وهذا نموذج حي معاصر لأحداث الجمل وصفين. إن وقوع الشعب الأفغاني فريسة هذا التخلف في العمل السياسي (Politics) أمر لا علاقة له بالإسلام من قريب ولا من بعيد، ولو أن الأحزاب المتقاتلة هناك تؤمن بتداول السلطة وحرية الصحافة والانتخابات لما وقع قتيل واحد.
وإذا نحن استعرضنا أركان الإسلام وأركان الإيمان كلها، لما وجدنا ركناً مختلفاً عليهن يستحق القتال من أجله، إلا الشورى
(الديمقراطية). والمعارك التي اشتعلت نارها على مدى القرون الماضية تحت شعار الإسلام، بدءاً من صفين، وانتهاء بأفغانستان اليوم، هي معارك قتال على السلطة، لا علاقة لأركان الاسلام والإيمان بها من قريب أو بعيد.
بعد أن عرفنا أن الديموقراطية هي النمط العلمي للحياة الانسانية، وأنها من تكاليف الإيمان، والحامية الوحيدة للمثل العليا الإسلامية، التي من ضمنها حقوق الانسان، يمكننا الآن نعرف المجتمع الاسلامي، بأنه مجتمع مدني بحت. فيه حرية التعبير عن الرأي والرأي الآخر والتعددية الحزبية، وتقوم الدولة فيه على الانتخابات الدورية بمستوياتها المختلفة، ومبدأ تداول السلطة والمساءلة والمعارضة وفصل السلطات الثلاث. وأن مفهوم أهل الحل والعقد، وهكذا أجمع الجمهور، والفقهاء والهامانات الذين يعيشون على أكتاف الناس، وكل هذه الأدبيات التي ورثناها بالمئات، ليس لها إلا قيمة تاريخية، لا تفيدنا بشيء في بناء دولة معاصرة، لأنها قامت على ظروف تاريخية مختلفة عن ظروفنا تماماً، واستعملت نظماً وأدوات معرفية تختلف عن نظمنا وأدواتنا.

مما تم ترسيخه في ثقافتنا العربية الإٍلامية، قول أورده ابن قتيبة فيعيون الأخبار: سلطان تخافه الرعية خير للرعية من سلطان يخافها. وما علينا إلا أن نعكس هذا القول لنضع أرجلنا في مكانها الصحيح على طريق الألف ميل.
أرجو من الله سبحانه أن يقبل هذا العمل خالصاً لوجهه، فإن أصبت فبتوفيق من الله وفضل، وإن أخطأت فمن نفسي، آملاً أن أكون قد وفقت إلى إشعال شموع متواضعة، على طريق فهم حضاري أفضل للتنزيل الحكيم، عبر قراءة معاصرة تعتمد على نظم معرفية وأدوات معرفية معاصرة. خدمة لله ورسوله ولكتابه وللعروبة والإسلام والإيمان، لعل فيها ما يساعد على طرح حضاري عالمي للإسلام وعلى تجاوز التعصب الديني والمذهبي والطائفي، لبناء مجتمع عربي إسلامي متحضر مدني أفضل يشق طريقه نحو الوحدة العربية. والحمد لله رب العالمين.
(فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض …) الرعد 17.
صدق الله العظيم



السبت، 5 ديسمبر 2009

يا عرب ... يا مسلمين .... هل تسمعوني؟


يا من لكم عقول،



أن أهل البلاد هنا يعكفون عن الذهاب للتعبد في الكنائس، حتى تم أقفال أبواب الكثير منها، وذلك لقلة الزبائن، لا تفرحون بهذا على أساس أنهم أي المسيحيين قد يبحثون عن عقيدة جديدة غير عقيدتهم، وممكن أن نتلقفهم للدخول في ديننا الحنيف، المعادلة ليست ببساطة لدرجة التسطيح، بل أن هذا القطاع الواسع جداً من جماهير الشعوب الأوروبية يرون أن الديانات، سواء أكانت ( يهودية، مسيحية، اسلام ) حسب ما يزعمون، هي مصدر للنزاعات والحروب والتخلف، والطائفية والعرقية، ومنبع لإنتاج الخرافة وتصديرها. (و ناقل الكفر ليس بكافر.)

أخواني علينا أن نفهم أنفسنا قبل أن نحاول فهم الأخر،أذْ لم يعد العالم أسطبل لمرابط خيولنا. وعلينا كمسلمين أن نفهم طبيعة الساحة الأوروبية، ونميز بين رسل الإسلام في زمن الإسلام، وشياطين الإسلام في وقتنا الراهن. فهنا في أوروبا لا يوجد معنا سيدنا معاذ بن جبل، ولا سيدنا محمد القاسم، ولا سيدنا طارق بن زياد، أن رسل الإسلام إلى أوروبا الحديثة، هم سقط متاع، هم أوباش، هم عورة الجسد الإسلامي، هم رسل القاذورات وليس رسل لعقيدة عظيمة أسمها الإسلام.

قبل أن نهاجر نحنُ ألمسلمين إلى أوروبا، لم، يكن لأيٍّ من الأوروبيين أن يتطاول على المسلمين، أفراد وعقيدة، بسبب أنهم ليس بموقع التماس أو الاحتكاك، بل فقط يختلفون مع الإسلام عقائدياً من دون أن يمسهم أذىَ مباشر من المسلمين. ولكن بسلامتنا نحنُ المسلمين من خلال غزونا البارد لأوروبا، أصبحنا على تماس دائم معهم فأوصلنا لهم رسالة الإسلام، بأحدث طريقة من التخلف المغموس بمستنقع سفالاتنا. فتصفح المجتمع الأوروبي سلوكنا فوجدونا ( لصوص، حراميه، جهلاء، متخلفين، نعشق الضوضاء والفوضى، تجار مسروقات وممنوعات وسموم، نكذب، نكرة العمل، نخالف الوعود ننكث العهود، تجار سوق سوداء، اغتصاب الجنسين ...حدث ولا حرج، لذا بات المجتمع لأوروبي مهدد، ثقافياً وحضارياً واجتماعياً بالخراب والدمار، هنا في أوروبا توجد مناطق يخاف يدخلها أبن البلد ليلاً.

أن مساجدنا أن لم تكن كلها، فالعدد الكبير منها يشكل مراكز وغرف عمليات لإدارة تجارة الممنوعات، والبعض منها مراكز أمنية بهيئة مساجد، ممكن استثناء مساجد الباكستانيين، كما أني أعتذر اعتذارا شديد من ذلك المسلم الشريف والمجهول في أوروبا، حتى أتجنب التعميم.

أن تصرفات المسلمين الهمجية والقذرة في أوروبا، جعلت الإنسان الأوروبي أن يرى المسلم بأم عينية، وبكل ما يفوح منهُ من خسة ونذالة، وهمجية وروح عدوانية شريرة، هذا هو الإسلام؟ أن مسلمي أوروبا، هم أوسخ رسل الإسلام وأكثر أعداءه ضرراً.

ليس بكثير على الأوروبيين حتى لو انهم أن صوتوا لهدم المساجد ورمي حجارتها في البحر، أن من مصلحة المسلمين هو عدم وجود مساجد ألإسلامية في أوروبا، لكي تستر أوزارنا وعوراتنا، وبذلك نحفظ سمعة الإسلام والمسلمين.

أخواني نحنُ مزبلة الإسلام في أوروبا،

ففي عالمنا العربي أن بحثت عن الثراء، أفتح بار أو وكر دعارة، أما أن أردت أن تصبح ثريا في أوروبا فأفتح مسجدا .

الأربعاء، 2 ديسمبر 2009

تحرير المسجد الحرام من قبضة ال سعود


البلاغ رقم 1

أولا :
1- برغم أن سيطرة الاسرة السعودية على تلك الاماكن تخالف الاسلام وتستوجب الجهاد الاسلامى ضد تلك الاسرة ودولتها الإ إن عدم الجرأة على مناقشة الموضوع أدى الى االتسليم بالوضع القائم . بمرور الزمن تحول هذا التسليم الى ما يشبه الايمان بأحقية السعوديين اسلامياً فى تلك السيطرة ، مما اعطى للسعودية ومذهبها الوهابى فرصة قيادة العالم الاسلامى وتمثيل الاسلام ...
2- ان عدد أفراد الاسرة السعودية المتحكمة فى فريضة الحج الاسلامى وفى المسجد الحرام والاماكن المقدسة للمسلمين ليس بشئ مقارنة بعدد المسلمين الذى يقترب من البليون ونصف بليون ، وعدد المنتميين للوهابية الحنبلية المتشددة ليس بشئ مقارنة بعدد المسلمين ومذاهبهم المختلفة ، وليس للسعوديين والوهابيين برهان من رب العالمين تسوغ لهم السيطرة على فريضة الحج الاسلامى والمسجد الحرام ، بل انهم تمكنوا من ذلك بالغزو والاعتداء واقامة المذابح للمدنيين ، وهذا فى حد ذاته ينسف أحقيتهم ويؤكد فرضية الجهاد المسلح ضدهم ابتغاء مرضاه الله جل وعلاه ...
3- ليس هدفنا على الاطلاق إشعال حرب مسلحة لأنقاذ المسجد الحرام وفريضة الحج من الأسرة السعودية ليوضع تحت سيطره دولة أخرى . بل اننا لا نتمنى أساساً نشوب حرب حرصاً على حرمة المسجد الحرام وعلى حرمة الانفس البشرية ... .
ولكن هدفنا هو التوعية وتكوين رأى عام ضاغط وحركات سياسية عالمية تجبر الدولة السعودية على الانسحاب من تلك الأماكن المقدسة لتوضع فى مسئوليه ادارة دولية محايدة تضمن الحج والزياره لكل البشر المسالمين . وتضمن رعاية القادمين وحريتهم فى العباده . وتيسير السفر والاقامة لهم . ليكون البيت الحرام كما قال الله جل وعلاً ( مثابة للناس وأمنا )
4- لقد نجح السعوديين فى فرض الامر الواقع منذ احتلالهم للمسجد الحرام والحجاز عام 1924، ونجحوا فى الهاء المسلمين عن عدم مناقشتة اسلامياً وشرعيا وقانونيا ، ونجحوا فى الهاء المسلمين وشغلهم بحروب محلية واقلمية ، بل وسعوا الى فرض الوهابية على كل المسلمين ليتزعموا العالم الاسلامى ويجعلوه معسكر الايمان ضد الغرب بمعسكر الكفر والحرب.
5- وجاء جيل من المسلمين يؤمن بالسعودية اكثر من ايمانه بالله جل وعلا ، ويؤمن بالوهابية ويكفر بالاسلام ، ويعتقد بعض مثقفية ان السعودية هى مهد الاسلام . وهى الدوله التى ولد ونشأ فيها رسول الاسلام عليه السلام ...
وكل هذا الهراء يمكن القضاء عليه بالتوعية .
6- وبالتوعية يتضح الحق ، وهى أن هذه ( الاسرة \ الدولة ) الإعرابية ينطبق عليها قوله تعالى ( الأعراب أشد كفراً ونفاقاً ) وانهم يصدون عن سبيل الله جل وعلا وهو القرآن الكريم ، ويصدون عن المسجد الحرام وانهم اعدى اعداء الاسلام ، ليس فقط بفسادهم وطغيانهم وظلمهم وتاريخهم الملئ بالمذابح ، ولكن اساساً لانهم يمارسون كل هذا البغى والظلم والاعتداء والطغيان والقتل والنهب بأسم الاسلام ، وبسببهم اصبح الاسلام متهما بالارهاب والتطرف والتعصب والتخلف والتزمت وسفك الدماء .
7- أن افظع خطأ حدث فى القرن الثامن عشر هو أقامة الدوله السعودية الأولى عام 1754 ، وشهد القرن التاسع عشر تدميرها عام 1818 ، ثم شهد نفس القرن اعادة اقامتها وتدميرها ، ثم كان من أعظم أخطاء القرن العشرين اقامة الدولة السعودية الثالثة (1902: 1932) ...
8- ونرجو أن يشهد هذا القرن الحالى الاختفاء التام لهذه الدولة وانقاذ العالم من شرورها ، فيكفى ان تلك الاسره السعودية ومذهبها الوهابى تسبب فى قتل اكثر من 4 مليون مسلم ، خلال مذابح وصراعات وفتن وحروب امتدت من الجزيرة العربية إلى الهند وباكستان وكشمير وافغانستان ، ثم الى اندونسيا شرقا ، والى الشام والعراق ومصر وشمال افريقيا والمغرب غرباً ، ثم شمال اوربا وامريكا مع بداية هذا القرن ..
هذا الوباء السعودى الوهابى قام بتحويل كل تلك الاعتداءات جهاداً اسلامى معتمداً على الدين السنى من ناحية ، وعلى سيطرتهم على الحجاز والحج والاماكن المقدسة من ناحية أخرى ...
لذلك فالتوعية حتمية ...
9- تبدأ التوعية بمؤتمرات يحضرها علماء المسلمين من السنة المعتدلين غير الوهابيين ، والشيعة والأحمدية والصوفية ، والقرآنيين .
يتخصص المؤتمر الاول فى بحث عدم شرعية الاحتلال السعودى للاماكن المقدسة والحج اسلاميا وتاريخيا وقانونيا . فى إطار تقديم عام للمشكلة ، وينتهى المؤتمر بتحديد اجنده متخصصة ومتعمقة للمؤتمرات التالية وتكوين لجان للمتابعة ...
من المهم عقد ذلك المؤتمر فى واشنطن فهى المكان الانسب سياسياً .. ومن المهم مشاركة كل احرار المسلمين من قيادات سياسية ودينية ومن مفكرين وعلماء دين ورجال إعلام .

أخيرا
1 ـ أتعجب من سكوت أحرار العرب والمسلمين عن تشجيع هذه الفكرة .
2 ـ واتعجب اكثر من سكوت الشيعة والصوفية فى العراق والشام ، وهم الذين قتل السعوديين آباءهم فى العراق والشام وفى الجزيرة العربية . ولا يزالون يقتلونهم ويدمرون مشاهدهم .
3 ـ ومع التعجب فلا يزال هناك أمل ...
4 ـ وسيتحقق هذا الأمل إن شاء الله جل وعلا .


ابراهيم الفرد الأمّه وأمّة المسلمين


كلمة "أمّة" تدلّ على منهاجٍ للسلوك عند كلِّ لون من ألوان ٱلدّوآبِّ وٱلطيور:
"وما من دآبّةٍ فى ﭐلأرض ولا طَـٰۤئرٍ يطيرُ بجناحيه إلآّ أمم أمثالكم" 38 ٱلأنعام.
وعلى منهاج للسلوك وٱلمعارف وٱلخبرة ٱلمكتسبة خآصّة بٱلبشر.
لأمّة ٱلبشر منهاجان. أمّة فرد لا يخضع لسلطة جمعٍ فيسأل وينظر ويعلم ويحنف عن مفاهيمه ومواقفه. وٱلمثل على هذه ٱلأمّة هو أبو ٱلمسلمين ٱلإنسان ٱلفرد "إبراهيم":
"إنَّ إبرٰهيم كان أمّة قانتًا للَّه حنيفًا ولم يكُ مِنَ ٱلمشركين" 120 ٱلنحل.
وٱلأخرى هى أمَّة جمعٍ تشبه أمم ٱلدّوآبِّ وٱلطيور. ومفاهيم هذه ٱلأمّة مستقرّة لا تقبل ولا تسمح بتغييرٍ ولا بسؤال. وٱلمثل على هذه ٱلأمّة جميع ٱلأمم ٱلقوميّة وٱلطبقيّة وٱلطآئفيّة ومنها ٱلأمّة ٱلإسلاميّة. ومَن يتبع منهاج هذه ٱلأمم لا ينظر ولا يسأل ولا يبحث ولا يدرس ولا يقرأ ويعلن متفاخرًا بٱتباعه أمّة ءابآئه:
"بَل قَالُوۤا إِنَّا وَجَدنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰۤ أُمَّةٍ وإِنَّا عَلَىٰۤ ءَاثـٰرِهِم مُّهتَدُونَ" 22 الزخرف.
لقد بين كتاب ٱللّه أنّ ٱلفرد "إبراهيم" أمّة وأنّ ٱلتابعين للأبآء أمّة وجعل من أمّة ٱلفرد هى ٱلإمام:
"قال إِنِّى جاعِلُكَ لِلنَّاس إِمَامًا قال ومِن ذُرّيَّتِى قال لا ينالُ عهدى ٱلظَّـٰٰلمين" 124 ٱلبقرة.
ومَن يجعل من إبراهيم إمامه لا يتبع أمّة جمع لا من ٱلأبآء ولا من ٱلأخوة ولا من ٱلأبنآء.
لقد أرسل ٱللّه للناس بيانا عن جميع ٱلحقِّ وفيه طلب إليهم ليعقلوا معه:
"إنّا جعلنٰه قرءانًا عربيًّا لعلَّكم تعقلون" 3 ٱلزخرف.
كيف يعقلون؟
ٱلعقل هو فعل من أفعال ٱلقلب وبه يحدث توجيه لأفعال ٱلقلب ٱلأخرى إلى ٱلمقارنة وٱلموازنة بين أمرين أو شيئين. وبصناعة ٱلعقل يعلم ٱلعاقل بٱلفروق أو ٱلتطابق بين ٱلمعقولين فيكون له قول مؤمنٍ بما بيّنه له ٱلعقل بينهما. وبعقل ما يعلم به ٱلمرء من ٱلحقِّ مع ٱلقرءان يحكم ويعرب فيما عقله فلا يعجم فى حكمه:
"وكذلك أنزلنٰه حكمًا عربيًّا" 37 ٱلرعد.
ٱلذى جُعل قرءانًا عربيا هو بيان ٱللّه عن جميع ٱلحقِّ. وٱلحقُّ هو ما ينظر فيه ٱلمرء ليعلم كيف بدأ ٱلخلق. وٱلعقل ٱلمطلوب منه هو بين ما قرأه هو بنظره من ٱلحقِّ وبين بيان ٱللّه ٱلعربىّ عنه.
سلوك ٱلناس ومفاهيمهم ومواقفهم هى من ٱلحقِّ وفى كتاب ٱللّه بيان عنها. فعقل ما يقوله ٱلمسلمون عن أنفسهم أنّهم "أمّة إسلاميّة" يبيّن حالا واحدًا لأمّتهم هو حال أمّة ٱلجمع. وبعقل قولهم مع قول ٱلقرءان ٱلعربىّ وٱلحكم ٱلعربىّ يكون ٱلحكم على قولهم وعلى موقفهم عربيّا لا عجم فيه. فما يبيّنه ٱلقول ٱلعربىّ عن ٱلأمّة أنها منهاجان للسلوك. ٱلأول منهاج جمعٍ يبيّنه منهاج جميع ٱلدّوآبِّ وٱلطيور وكذلك منهاج ٱلتابعين علىۤ ءَاثار ءابآئهم من ٱلناس. وٱلثانى منهاج فرد مسئول يحنف عن ءاثار ءابآئه ويجعل من نظره وعلمه هو ٱلوسيلة لسلوكه. وبذلك يكون ٱلحكم على ٱلمسلمين أنّهم أمّة جمع وليس أمّة فرد كأمّة "إبراهيم". وٱلمخاطب فى كتاب ٱللّه هو صاحب أمّة ٱلفرد. أمآ أصحاب أمّة ٱلجمع فهم مَن يلعنهم ٱللّه ويبعدهم عن رحمته وعن خلافته فى ٱلأرض. وٱلحاملون لاسم مسلم يقولون أنّهم يتبعون أمّة جمع ويزعمون إيمانًا بٱلكتاب وهم يتبعون أمّة ٱلأبآء وأحاديثها ٱلتى يسموها سنّة للنبىّ من دون أن يعقلوا بين تلك ٱلأحاديث وبين أحسن ٱلحديث فى كتاب ٱللّه. بل هم يظنّون أنّ كتاب ٱللّه من دون تلك ٱلأمّة وٱلسّنّة لا نفع لهم منه. فيقولون أنّ أمورا وأحكامًا كثيرة لم يبيّنها ٱللّه فى كتابه ويرون فيما ورثوه عن ءَابآئهم من قول منسوب للنبىّ بيانها. وهم يستنكرون طلب ٱلعقل بين ٱلأمتين ولا يذكرون ما يقوله ٱللّه:
"مَّا فَرَّطنَا فِى ٱلكِتَٰبِ مِن شَىءٍ" 38 ٱلأنعام.
ولا يكفيهم مآ أنزله ٱللّه من بيان يرحمهم به إن ذكروه:
"أَوَلَم يَكفِهِم أَنَّآ أَنزَلنَا عَلَيكَ ٱلكِتَٰبَ يُتلَى عَلَيهِم إِنَّ فِى ذَلِكَ لَرَحمَةً وَذِكرَى لِقَومٍ يُؤمِنُونَ" 51 ٱلعنكبوت.
فيقولون أنّ ما ورثوه من حديث لا يمكن تركه فهو حديث صحيح تتبعه أمّة ٱلمسلمين منذ عهد طويل. ولا يعلمون أنّ أمّة ٱلمسلمين هى مثل أمّة ٱلذين قالوا ويقولون: "إِنَّا وَجَدنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰۤ أُمَّةٍ وإِنَّا عَلَىٰۤ ءَاثـٰرِهِم مُّهتَدُونَ". وأنّ هذه ٱلأمّة هى ما تبرّأ إبراهيم منها وهاجر عنها.
وترىۤ أتباع هذه ٱلأمّة ينتظرون ليفتى لهم كاهن ممّن يزعمون لأنفسهم ٱسم "عالم فى ٱلدين" ليستنفروا معا كأمّة جمع تشبه أمم ٱلقطيع لا تسأل ولا تفكّر ولا تعلم. وترىٰهم يسقطون فى حفر نصبها لهم شيطان فيهانون ويذلّون ويموت منهم كثير. وأتباع هذه ٱلأمّة لا يذكرون أنّ فى كتاب ٱللّه بيان للناس أنّ ٱلرّسول لا يفتى لهم وأنّ ٱلذى يفتى لهم هو ٱللّه:
"يَستَفتُونَكَ قُلِ ٱللّهُ يُفتِيكُم" 176 ٱلنسآء.
فٱلرسول وأُولى ٱلأمر من ٱلمؤمنين يستنبطون بما يتشابه لهم فهمه ولا يفتون:
"ولو رَدُّوهُ إلى ٱلرَّسولِ وإلىٰۤ أُولِى ٱلأمرِ منهم لَعَلِمَهُ ٱلَّذينَ يَستنبِطُونَهُ منهم" 83 ٱلنِّسآء.
ٱلرّسول يعلم ٱلحكمة بمآ أوحىَ إليه:
"ذَلِكَ مِمَّآ أَوحَىۤ إِلَيكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلحِكمَةِ" 39 ٱلإسرآء.
فلا يقول ما ينقض مآ أنزل إليه:
"أَفَغَيرَ ٱللّهِ أَبتَغِى حَكَمًا وَهُوَ ٱلَّذِىۤ أَنَزَلَ إِلَيكُمُ ٱلكِتَٰبَ مُفَصَّلاً" 141 ٱلأنعام.
"وَلَقَد جِئنَاهُم بِكِتَٰبٍ فَصَّلنَٰهُ عَلَى عِلمٍ هُدًى وَرَحمَةً لِّقَومٍ يُؤمِنُونَ" 52 ٱلأعراف.
ومع عربيّة هذا ٱلقول لا يصدق أتباع هذه ٱلأمّة ٱللّهَ ولا يقبلون أن يفتيهم ولآ أن يفصّل لهم ولآ أن يحكم بينهم. فلهم إلٰه يتبعوه يمثله كاهن مجنون لا يعلم من ٱلحقِّ شيئا ويفتى لهم بما يضلّهم عن ٱلحقِّ وعن هدايته:
"فَذَلِكُمُ ٱللّهُ رَبُّكُمُ ٱلحَقُّ فَمَاذَا بَعدَ ٱلحَقِّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصرَفُونَ" 32 يونس.
وهم يهرعون علىۤ ءَاثار ءابآئهم ويضلون:
"إِنَّهُم أَلفَوۤاْ ءَابَآءَهُم ضَآلِّينَ(69) فَهُم عَلَىٰۤ ءَاثَٰرِهِم يُهرَعُونَ(70)" ٱلصَّافَّات.
وهؤلآء سيدخلون ٱلنار كما دخلتهآ أمم من قبلهم:
"ٱدخُلُواْ فِىۤ أُمَمٍ قَد خَلَت مِن قَبلِكُم مِّنَ ٱلجِنِّ وَٱلإِنسِ فِى ٱلنَّارِ كُلَّمَا دَخَلَت أُمَّة لَّعَنَت أُختَهَا حَتَّىۤ إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَت أُخرَاهُم لأُولاَهُم رَبَّنَا هَـؤُلآء أَضَلُّونَا فَـءَـاتِهِم عَذَابًا ضِعفًا مِّنَ ٱلنَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعف وَلَٰكِن لا تَعلَمُونَ" 38 ٱلأعراف.
وحال قول أمّة ٱلإسلام يبينه ٱلقول ٱلعربىّ:
"وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُوا مَآ أَنزَلَ ٱللّهُ قَالُواْ بَل نَتَّبِعُ مَآ أَلفَينَا عَلَيهِ ءَابَآءنَآ أَوَلَو كَانَ ءَابَآؤُهُم لاَ يَعقِلُونَ شَيئًا وَلاَ يَهتَدُونَ" 170 ٱلبقرة.
فهم أمّة ٱتخذت من ٱلشياطين أوليآء ويحسبون أنهم مهتدون:
"إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَٰطِينَ أَولِيَآء مِن دُونِ ٱللّهِ وَيَحسَبُونَ أَنَّهُم مُّهتَدُونَ" 30 ٱلأعراف.
وسيكون قول كلٍّ منهم:
"يَٰوَيلَتَىٰ لَيتَنِى لَم أَتَّخِذ فُلانًا خَلِيلا(28) لَّقَد أَضَلَّنِى عَنِ ٱلذِّكرِ بَعدَ إِذ جَآءنِى وَكَانَ ٱلشَّيطَٰنُ لِلإِنسَٰنِ خَذُولا" 29 ٱلفرقان.
"وَمَن أَظلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِـءَـايَٰتِ رَبِّهِ فَأَعرَضَ عَنهَا وَنَسِىَ مَا قَدَّمَت يَدَاهُ إِنَّا جَعَلنَا عَلَى قُلُوبِهِم أَكِنَّةً أَن يَفقَهُوهُ وَفِىۤ ءَاذَانِهِم وَقرًا وإذ تَدعُهُم إِلَى ٱلهُدَىٰ فَلَن يَهتَدُوۤا إذًا أَبَدًا" 57 ٱلكهف.
وسيتبرّأ ٱلمتبوعون من ٱلتابعين:
"إِذ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلعَذَابَ وَتَقَطَّعَت بِهِمُ ٱلأَسبَابُ(166) وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ لَو أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنهُم كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ ٱللّهُ أَعمَٰلَهُم حَسَرَاتٍ عَلَيهِم وَمَا هُم بِخَٰرِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ(167)" ٱلبقرة.
ويظنّ أتباع أمّة ٱلإسلام أنّ ٱلجنّة لهم وأنّ ٱلنار لن تمسَّهم:
"وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً قُل أَتَّخَذتُم عِندَ ٱللّهِ عَهدًا فَلَن يُخلِفَ ٱللّهُ عَهدَهُ أَم تَقُولُونَ عَلَى ٱللّهِ مَا لاَ تَعلَمُونَ(80) بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَٰطَت بِهِ خَطِيۤـئَتُهُ فَأُوْلَـٰۤئِكَ أَصحَٰبُ ٱلنَّارِ هُم فِيهَا خَٰلِدُونَ(81)" ٱلبقرة.
فهم علىۤ أمتهم ٱلجمعية يزعمون علمًا بٱلدين وهو دين ٱللّه ويظنون بٱللّه جهلا فى دينه:
"قُل أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُم وَٱللَّهُ يَعلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلأَرضِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَىءٍ عَلِيم" 16 ٱلحجرات.
لقد ذكّرهم قول ٱللّه وسيسألهم عمّا ذكّرهم به:
"إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدعُونَ مِن دُونِ ٱللّهِ عِبَاد أَمثَالُكُم فَٱدعُوهُم فَليَستَجِيبُواْ لَكُم إِن كُنتُم صَٰدِقِينَ" 194 ٱلأعراف.

الأربعاء، 11 نوفمبر 2009

مفهوم الحرية في الإسلام


مفهوم الحرية في الإسلام



سأبدأ حديثي بالمقدمات الآتية:

أولاً - ثمة أمور عندي غير قابلة للنقاش، منها الإيمان. فالإيمان بالله عندي تسليم وأنا مسلّم بوجود الله واليوم الآخر. وهذه مسلّمة. والمسلّمة هي أمر لا يمكن البرهان عليه علميا، كما لا يمكن دحضه علميا. ولهذا لا يجوز للملحد المنكر لوجود الله أن يقول: أنا ملحد لأن الإلحاد موقف علمي، ولا يجوز للمؤمن بوجود الله في المقابل أن يقول: أنا مؤمن لأن الإيمان موقف علمي. وعندي أن الإلحاد أو الإسلام خيار يختاره الشخص بنفسه ولنفسه. وغير قابل لأن يكون موقفاً إيديولوجياً لقيادة دولة أو مجتمع وفي هذا الخيار أنا من المسلمين.
ثانيا - الإيمان بأن محمدا عبد الله ورسوله، وبأن الكتاب الذي نزل عليه وحي موحى من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس. وهذا عندي أيضا إيمان تصديق أنا به مؤمن كشأن إيمان التسليم الذي أنا به مسلم. وبهذا أنا من المؤمنين أتباع الرسالة المحمدية.
ثالثا- الكتاب الموحى لا يعتبر دليلا علميا، بل هو دليل إيماني. وعلى اتباع الرسالة المحمدية تقديم الدليل العلمي على صدقيته من خارجه. ولو كان القرآن دليلا علميا، لكفى أن نقول لأي إنسان قال الله تعالى كذا وكذا فيقبله. ومن هنا فان على اتباع الرسالة المحمدية عندما يخاطبون العالم أن يقدموا الدليل على صدقية ما ورد في المصحف من خارجه وليس منه. فالعقل كالمظلة لا يعمل إلا مفتوحا، فإذا أغلق توقف عن العمل، وتسبب في قتل صاحبه. وعلينا أن نفتح عقولنا حتى لا نموت. لكن الثقافة العربية الإسلامية الحالية ثقافة تقليدية تراثية نفتح الكتب والتلفزيونات والبرامج الثقافية، فنجد الثقافة العربية الإسلامية تعيد إنتاج نفسها، وتكرر نفسها. لماذا؟ لأنها ثقافة تقوم على القياس ولا تقوم على الإبداع، ونحن نحتاج إلى إبداع وليس إلى قياس. وهي بهذا الآن عاجزة عن إنتاج المعرفة.

نأتي الآن إلى المفاهيم والقيم. القيمة الأولى هي الحرية، والقيمة الثانية هي العدالة. هاتان القيمتان كامنتان وراء كل الثورات الكبرى في العالم، السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية. فحتى في الثورات ذات الجانب الدنيوي نجد هاتين القيمتين الحرية والعدالة. ثورة أكتوبر الشيوعية قامت من اجل العدالة قبل أن تقوم من اجل الحرية، وأعلنت صراحة أنها ديكتاتورية. وثورة الزنج قامت من اجل الحرية قبل أن تقوم من اجل العدالة. وهناك ثورات قامت من اجل الاثنتين معا.
من الناحية النظرية، أين نجد مفاهيم الحرية والعدالة في تاريخنا العربي الإسلامي، وأين نرى هذين المفهومين في كتاب الله الموحى وفي سنة نبيه محمد (ص). وكيف مورس هذان المفهومان في تاريخنا العربي الإسلامي.

الحرية حتى هذه الساعة وعلى مر عصور التاريخ ليس لها وجود في الوعي الجمعي العربي والإسلامي. هناك سببان : الأول معرفي بحت، والثاني سياسي. فالسبب المعرفي هو أن كلمة الحرية لم ترد في كتاب الله إطلاقاً، بل كل ما ورد في كتاب الله عن الحرية هو أنها ضد الرق. فقد ورد مصطلح (تحرير رقبة) خمس مرات في سور النساء والمائدة والمجادلة، وورد في سورة البقرة (178) مرة واحدة (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد). وما عدا ذلك فلا نجد لكلمة الحرية ومشتقاتها أي وجود في التنزيل الحكيم.
وإذا انتقلنا إلى الحديث النبوي فنجد فيه كلمة العتق وهو معنى مقابل للرق، ولا نجد أي شيء عن الحرية، بل نجد فيه عكس ذلك كحديث حذيفة بن اليمان الذي يقول في آخره (اسمع وأطع الأمير ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك) (مسلم 3435 – العالمية CD)، وقوله: (اسمعوا وأطيعوا ولو ولّيَ عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة) (البخاري 7142) وقوله (من بدّل دينه فاقتلوه) (البخاري 6411 – العالمية) وقوله (عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرةٍ عليك) (مسلم 1836) وذلك يتعارض عمودياً مع حرية الاختيار.
والأدبيات الإسلامية التراثية وضعت طاعة أولي الأمر مع طاعة الله والرسول. وأبرزت مفهوماً تاريخياً مشوهاً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهكذا نجد أن الجانب المعرفي للحرية مفقود في الأدبيات مما يؤكد أن الحرية كقيمة ضعيفة في الوجدان العربي الإسلامي، هذا إذا كانت موجودة في الأصل. وهذا يؤكد أننا بحاجة إلى إبداع نظري حديث لتأصيل الحرية في هذا الوجدان، لأن الحرية في أدبياتنا التراثية لم ترد إلا بمعناها ضد الرق فقط، ولم تتحدث أبداً عن الحريات الاجتماعية والسياسية وما شابه ذلك. وهو السبب الأول الذي تم فيه ترسيخ مفاهيم الاستبداد ، والمؤسسة الوحيدة التي وصلتنا سالمة تاريخياً هي مؤسسة الاستبداد وعلى رأسها الاستبداد السياسي (فرعون) يتبعها مؤسسة الاستبداد الديني (هامان).
أما العدالة فلها وضع آخر: فقد ورد الظلم مع مشتقاته في كتاب الله أكثر من ثلاثمائة مرة. والعدل الذي هو ضد الظلم (ويعرف الظلم بأنه وضع الشيء في غير محله) فهو موجود بشدة في الوجدان العربي الإسلامي.

وإذا قيل عن إنسان انه عادل منصف أعجبنا ولم نسأل عن القيم الأخرى فيه. حتى عمر بن الخطاب أمير المؤمنين استعمل لفظ الحرية في موقع المساواة والعدالة حين قال عبارته المشهورة في حادثة القبطي مع ابن عمرو بن العاص "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا". قد يقول قائل: انه يذكر الاستعباد والأحرار. أقول: نعم، لكنه لم يكن يعني الرق ونقيضه. كان لايعني العدل في المساواة بين العبد والحر، بل المساواة بين الحر والحر. والدليل أن الرق كان نظاما متبعا أيام عمر، وكان العبد يباع ويشترى ويؤجَّر، ولم يفعل عمر شيئا من اجل إلغائه. ولو كان يعني بعبارته الحرية لفعل شيئاً من اجل الرق، لكنه لم يتدخل.

ولكن ما الذي حصل بعدها؟ الذي حصل أننا من اجل العدالة قبلنا بعصا عمر، ومات عمر، وبقيت العصا. لا بل كبرت وغلظت. وصرنا نقرأ عن الرشيد أو المأمون انه كان ينزل متنكراً ليتفقد أحوال الرعية، فنمدحه ونترحّم عليه دون أن نسأل كم من المساجين كان في سجونه. صرنا نمدح الحجاج لأنه نقّط القرآن، وننسى انه كان في سجونه حين مات – بحسب رواية الأصمعي – اكثر من 66 ألف سجين. قبلنا ذلك كله لأن مفهوم العدالة هو المسيطر على رؤوسنا، قبلناه إلى حد أننا اخترعنا مفهوما جديدا هو مفهوم المستبد العادل، ومع ذلك كان هناك تجاوز للعدالة. فنحن حين ننظر في الإسلام التاريخي وفي ادبياته الفقهية التطبيقية، نجد أن مفهوم العدالة قد حل محله مفهوم المستبد العادل، وان الحاكم لا يعزل وإن جار أو ظلم. ولا يعزل حتى إن فسق أو أصيب بالجنون، لا يعزل ويحكم مدى الحياة. هكذا تبدو الحرية والعدالة في وعينا الجمعي وفي الكتب التي ما زالت تطبع حتى اليوم ونقبلها. ما زلنا نصفق للحاكم الذي يتنكر وينزل كي يتفقد أحوال الرعية، مع أنه لم يبق الآن ما يدعوه إلى التنكر بوجود مؤسسات مجتمع مدني وأهلي تقوم بهذا الدور.

ننتقل الآن لبيان الأساس النظري لمفهوم الحرية كما ورد في كتاب الله تعالى، وهل من المعقول أن الله سبحانه وتعالى لم يذكر هذه القيمة العظيمة ولم يهتم بها، ثم لنشرح بعده مفهوم الردة لما له من علاقة مباشرة بمفهوم الحرية. ففي كتاب الله مصطلحان: الأول هو العباد والثاني هو العبيد. فما الفرق بين العباد والعبيد؟ لقد ورد المصطلحان في كتاب الله، فهل نحن عباد الله أم عبيد الله؟ هذا هو السؤال. والجواب إن الناس هم عباد وليسوا عبيداً في كتاب الله تعالى.

لقد جاء المصطلحان من اصل ثلاثي هو "ع، ب، د" وهو من ألفاظ الأضداد في اللسان العربي التي تعني الشيء وضده معاً. وفعل (عَبَد)َ يعني أطاع كما يعني عصى في الوقت نفسه. أي أن العبادية تعني الطاعة والمعصية. وقد ورد هذا المصطلح بمعنييه في كتاب الله تعالى. فقال تعالى بمعنى الطاعة (إياك نعبد وإياك نستعين) (الفاتحة 5). وقال تعالى بمعنى المعصية (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله...) (الزمر 53). وقال (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) (الزخرف 81). وقال تعالى بمعنى الطاعة والمعصية معاً (نبّئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم) (الحجر 49). وقال (والنخل باسقات لها طلع نضيد، رزقاً للعباد) (ق ،10 11). وقال (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) (الذاريات 56). أي ليكونوا عباداً يطيعون ويعصون بملء إرادتهم واختيارهم. وليس كما يقول السادة العلماء أنه خلقهم ليصلوا ويصوموا ويكونوا عبيداً. فالعبودية غير مطلوبة أصلا. والله سبحانه لم يطلب من الناس أن يكونوا عبيداً له في الحياة الدنيا، بل خلقهم ليكونوا عباداً، فيهم من يطيع فيصوم ويصلي، وفيهم يعصى فلا يصوم ولا يصلي.

إن حرية الاختيار التي يجسدها مصطلح العبادية هي كلمة الله العليا التي سبقت لأهل الأرض، وقامت عليها حكمة الخلق بالأساس، في قوله تعالى. (ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم...) (يونس 19 وهود 110 وطه 129 وفصّلت 45 والشورى 14). ولهذا فحين نكره الناس على الإيمان أو نكرههم على الإلحاد تكون كلمة الله هي السفلى. ولهذا أيضا أمر رسول الله صلوات الله عليه بالجهاد من اجل أن تكون كلمة الله هي العليا. ولكن عندما يُكره الناس على الصلاة ولو في المسجد الحرام تصبح كلمة الله هي السفلى. وعندما نُكره النساء على الحجاب كما في أفغانستان أو نكرههن على نزع الحجاب تصبح كلمة الله هي السفلى. القضية إذن قضية "لا إكراه في الدين" وقضية حرية اختيار، لولاها لما بقي معنى ليوم الحساب ولا للثواب والعقاب. وتبين أن الحرية هي غاية الخلق في كتاب الله.

ننتقل الآن إلى المصطلح الثاني في كتاب الله تعالى وهو العبيد. لقد ورد هذا المصطلح في القرآن خمس مرات. (وأن الله ليس بظلام للعبيد) (آل عمران 182 والأنفال 51 والحج 10). (وما ربك بظلاّم للعبيد) (فصّلت 46). (وما أنا بظلام للعبيد) (ق 29). ونلاحظ أنها وردت كلها في مجال اليوم الآخر. لماذا؟ لأننا في اليوم الآخر عبيد ليس لنا من الأمر شيء. ولأننا في اليوم الآخر عبيد ليس لنا رأي ولا يحق لنا أن نتكلم أصلا. في الحياة الدنيا يؤمن الناس أو يلحدون يطيعون أو يعصون لأنهم عباد، أما في اليوم الآخر فلا وجود لحرية الاختيار، في اليوم الآخر هناك سَوْق. مثل السوق القسري إلى خدمة العلم. فيساق العصاة إلى النار تماماً مثلما يساق الطامعون إلى الجنة. يقول تعالى (وسيعود الذين كفروا إلى جهنم زمرا) (الزمر 71). (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا) (الزمر 73). ونفهم من هذا كله أن الناس عباد الله في الدنيا وعبيد الله في اليوم الآخر. كما يتضح لنا بكل جلاء أن مفهوم الحرية في كتاب الله تعالى سبق مفهوم العدالة، بدليل ورود الظلم مقرونا بالعبيد في الآيات الخمس. لماذا؟ لأن العبد المملوك لا يستطيع أن يقيم العدالة، ومن هنا اقترن الظلم بالعبودية. أما العباد الأحرار فلا حاجة لتذكيرهم بالعدالة لأنهم يستطيعون أن يقيموها بأنفسهم باعتبارهم أحرارا. وحين يملك المرء حرية الاختيار ويرتفع عنه سيف الإكراه يصبح قادرا على تحقيق العدالة وصنعها. وهنا أذكر أن لفظ العبد والأمه في كتاب الله لاتعني الرق، والتي هي مفرد عباد، أما مفرد عبيد فهي العبد المملوك كما ورد في قوله تعالى (ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لايقدر على شيء) (النحل).

ننتقل الآن لننظر كيف اخذ الفقه الإسلامي التاريخي بالحرية والعدالة في مسألة الردة. إنما علينا أولا أن نميز ونحن نتحدث عن الردة بين نوعين: الردة السياسية، والردة العقائدية. فالردة السياسية هي محاولة خروج على الحكم للاستيلاء عليه. ففي بريطانيا مثلا، إذا أراد إنسان أن يصبح حاكما ورئيس وزراء فكيف يتصرف؟ انه ينتسب لحزب في بريطانيا ثم يسعى ليصل إلى رئاسة الحزب ثم لينتصر الحزب في الانتخابات... هذا هو الطريق. لكن الأمر مع الرسول (ص) مختلف. فقد بدأ نبيا ورسولا وانتهى مؤسسا لدولة مركزية في الجزيرة العربية عاصمتها المدينة المنورة. فترسخ في الوعي السياسي لدى الناس أن أي إنسان يريد أن يصبح له دور سياسي أو أن يصبح رئيس دولة يجب أن يدعي النبوة. أول من فعل ذلك في العصر النبوي هو الأسود العنسي فأمر الرسول بقتله. وعندما قام مسيلمة الكذاب وادعى النبوة ورفض أداء الزكاة للخليفة أبي بكر، كان هناك موقفان: موقف أبي بكر وهو موقف اقتصادي سياسي، وموقف عمر وهو موقف ديني يضمن حرية التصرف والممارسة. وقد انتصر وقتها موقف أبي بكر نظرا إلى أن الزكاة كانت الدخل المالي الوحيد للدولة. أما اليوم بعد اعتماد الأنظمة الضريبية من قبل الدولة فقد رجح عمليا موقف عمر، إذ لا يتم الآن دفع الزكاة للدولة بل يصرفها أصحابها بأنفسهم علي مستحقيها. ولكن لو جاء أهل الاسكندرية الآن ورفضوا أداء الضرائب المحصلة للدولة المركزية، فمعنى ذلك انهم انفصلوا عن الدولة. وهذه هي الردة السياسية.

والردة السياسية ليست حكرا على المجتمعات العربية والإسلامية، فنحن لسنا بدعة من الناس. فأكبر الحروب التي جرت في أميركا بين الشمال والجنوب هي حروب انفصال وردة سياسية.

أما الردة العقائدية، فمثالها أن يقول إنسان مسلم: أريد أن اصبح مسيحيا، أو بوذيا، أو أن يقول إنسان مسيحي: أريد أن اصبح مسلما أو يهوديا. وحكم هذا الإنسان في الإسلام التاريخي القتل. لماذا يقتلونه؟ ثمة من يقول: هناك حديث نبوي "من بدّل دينه فاقتلوه". ونحن نقول، إذا كان الله سبحانه يقول: (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) (الكهف 29) ويقول: (لا إكراه في الدين) (البقرة 256) ويقول لنبيه: (إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر) (الغاشية 22) فكيف يستقيم أن يأمر النبي بقتل المرتد؟ مع العلم أن هناك من ارتد عن الإيمان بالمفهوم العقائدي ولم يتصرف الرسول حيالهم بأية إجراءات. وثمة من يقول: أنت دخلت في الإسلام طوعاً ولم يجبرك أحد ولهذا لا تستطيع الخروج الآن. ونحن نقول: إن معظم المسلمين دخل في الإسلام في شكل آلي لا طوعا ولا كرها، ولدوا من أبوين مسلمين فكانوا مسلمين ولو ولدوا في بلاد البوذية لكانوا بوذيين.

إنني ألوم من يطالب بالإصلاح السياسي بدون إصلاح ديني. وهذا أمر صعب جداً. فلا يمكن (حسب رأيي) أن يكون هناك إصلاح سياسي منفصل عن الإصلاح الديني، فالعقلية التقليدية الموجودة عند الناس لا تهتم بأي إصلاح سياسي. سأعطي مثالا: هناك أبواب في الفقه الإسلامي التاريخي تحتاج إلى تغيير، منها باب سد الذرائع. وهو باب حسب المعنى السياسي يعني حالة الطوارئ والأحكام العرفية. مثلا: إذا خرجت امرأة إلى الطريق فيجب أن تلبس خيمة سوداء لأننا نخشى أن يقول لها رجل مرحبا. ولا يجوز أن تتعطر وإلا اعتبرت زانية، والأفضل للنساء أن (يقرن في بيوتهن) فلا يخرجن أبدا. باب آخر هو باب درء المفاسد خير من جلب المنافع. وهذا الباب حوّلنا إلى جبناء وبلداء وكسالى انحصرت علاقتنا بالدولة والحياة إلى درء مفاسد دون جرّ منافع، رغم أن قانون الوجود قائم على المفاسد والمنافع معاً، على الخير والشر معاً، ونفي أحدهما يعني نفي الآخر حتماً. يقول تعالى (كل نفس ذائقة الموت، ونبلوكم بالشر والخير فتنة، والينا ترجعون) (الأنبياء 35). باب ثالث هو "كل قرض جر منفعة فهو ربا" تشددوا فيه بتعريف "المنفعة" وبالغوا بتوسيع حدود "الربا"، وقرنوه بقواعد أخرى في تبديل الذهب بالذهب والفضة بالفضة والقمح بالقمح، حتى صارت المعاملات في الأسواق التجارية بالغة الصعوبة والتعقيد. ونسوا أن المنفعة هي أساس العلاقة بين كل أفراد المجتمع الإنساني أفراداً وجماعات ودولاً، حتى أن العلاقة مع الله قائمة على المنفعة. ومع ذلك نسمع خطباء الجمعة على المنابر، يتشدقون بأن الرسول (ص) مات ودرعه مرهونة عند يهودي. ونستغرب ونحن نتساءل: "أليس هذا إن صح أمرا معيباً، وفي الأمة عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وعمرو بن العاص وغيرهم من مليونيرات قريش؟ ثم نتساءل: كم كان مقدار الفائدة التي تقاضاها هذا اليهودي؟ فالتاريخ لم يسمع من قبل بيهودي يقرض أعداءه اللدودين قرضاً حسناً. باب رابع هو باب التساهل في رواية الأحاديث الضعيفة في مجال الترغيب والترهيب. باب خامس خطير ومهم هو باب الشورى. قال تعالى آمراً نبيّه الكريم (وشاورهم في الأمر) (آل عمران 159). ثم قرن الشورى مع الصلاة ليدل على أهميتها في قوله تعالى (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) (الشورى 38). ومع ذلك جعلوا الشورى للحاكم العادل الفقيه معلمة غير ملزمة، أي أنهم حولوه إلى ديكتاتور، ليس في الشرع ما يلزمه بآراء الآخرين. وهذا ما نراه في بعض الدول العربية في وضع مجالس الشورى. وإذا نظرنا إلى الشورى من الناحية التاريخية فهي فقيرة جداً وليس لها مؤسسات، ومن المجحف الآن مقارنة الديموقراطية بالشورى، لأن الديموقراطية لها تاريخ ومؤسسات، والشورى ليست كذلك ، إلا إذا اعتبرنا أن الشورى قيمة تحتاج إلى مؤسسات حديثة. باب آخر هو باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو ما نعرفه اليوم باسم محاربة الفساد.

هذه المهمة الخطيرة وضعوها بيد الحاكم واسندوها إلى الدولة. في الوقت الذي يعلم الجميع أن الدولة بما لديها من أموال وجيش وأمن وشرطة وسلطة هي الأحوج من غيرها لأن تؤمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. ثم مسخوا مسألة الفساد والنهي عن المنكر إلى حدود مضحكة. يقول أحد الدعاة الإسلاميين في كتاب له صدر بعد خروجه من السجن "كنا نتدرب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الجامعة، فإذا رأينا أحدهم يقف مع فتاة، استوقفناه. فإن كانت أخته تركناه، وان لم تكن سألناه لماذا يقف معها ونهيناه عن المنكر". في بعض الدول العربية الإسلامية يساق الناس إلى الصلاة في الأسواق بالعصا تحت عنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

إن غياب الوعي بمفاهيم الحرية ووضع الدين في خدمة السياسة كما هي الحال في جميع بلدان العالم الإسلامي، وتخلف الوعي بدور مؤسسات المجتمع المدني في الشورى، والتشريعات الفقهية التراثية التي لا مكان فيها لآراء الناس ولا لمصالحهم، هو السبب الكامن وراء ظهور الأصولية الإسلامية السياسية اليوم والحركات المتطرفة التي تتطلع إلى الاستيلاء على الدين والحكم معا. أي دمج المؤسستين الدينية والسياسية في مؤسسة واحدة.

نحن أخيرا بحاجة إلى إصلاح سياسي، وإلى مؤسسات مجتمع مدني، فمجالس الشعب والأحزاب والنقابات والاتحادات والمنتديات والصحف موجودة وتحتاج إلى تفعيل ويمكن تفعليها بإصلاح فكري وديني وثقافي. وإلى خلق الإبداع المتجدد، لتفعيل ما عندنا من مؤسسات موجودة. وأهم هذا التفعيل هو خلق وتفعيل مؤسسات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا الخلق لا يكون إلا بالمعارضة السلمية والتي يقف على رأسها الأحزاب السياسية يليها النقابات المهنية وباقي مؤسسات المجتمع المدني. فالدولة هي المؤسسة القابلة للفساد فهي تحتاج لأن تُؤمر بالمعروف وتُنهى عن المنكر. وخير آلية توصل إليها الإنسان للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي المعارضة السياسية وحرية الصحافة وحرية التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي. وفي هذا المفهوم، المعارضة وحرية الصحافة هي جزء أساسي من الممارسة الإسلامية وهي تمارس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللسان. والدولة الديموقراطية بمؤسساتها المختلفة تمارس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد، أي أنه إن وجدت الدولة مؤسسة خاصة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهي فرع إضافي للأمن. من هذا المفهوم لا يوجد حزب إسلامي وآخر غير إسلامي، أي أن أية جهة ترفض المعارضة وحرية الصحافة وتداول السلطة هي جهة تقف ضد الإسلام كثقافة ومفهوم الحزب الإسلامي هنا لامعنى له. فإذا كان الحزب الإسلامي في السلطة، فهل أحزاب المعارضة لا إسلامية. أي أن علاقة السياسي بشعبه تقوم على المثل العليا الإسلامية التي هي إنسانية شمولية.

أي علينا أن نفصل بين الديني والسياسي ، كما على الحركات القومية اليسارية أن تفصل بين الوطني والسياسي. فإذا أردنا أن نصل بين الدين والسياسة وأخذنا الجانب السياسي في التاريخ الإسلامي نجد فيه الاغتيالات والسجون والحرب الأهلية والسم وقطع الرؤوس مع مؤسسة استبدادية عريقة بقيت على قيد الحياة حتى يومنا هذا. وهكذا نرى أن الدولة العلمانية الديموقراطية هي أحسن دولة يستطيع فيها الإسلام أن يظهر وجهه الحضاري الإنساني.

أما أسس الإصلاح الديني فهي تقوم على الأسس التالية :
1 - تبني نظام معرفي جديد نتعامل معه مع الكتاب والسنة، أي أننا بحاجة إلى قطيعة معرفية مع التراث، لا قطيعة تاريخية. ضمن هذا النظام نعيد النظر في كل آيات الأحكام، وبالذات أحكام القتال الواردة في سورة التوبة والأنفال ومحمد. ونميز بين النص التاريخي وتاريخية النص.ومثال على النص التاريخي ، القصص القرآني (مثال قصة يوسف) فتؤخذ منه مواعظ وقوانين تاريخية، ولاتؤخذ منه أحكام شرعية. ومثال على تاريخية النص (علم المواريث – علم الفراض) فآيات الإرث في سورة النساء ليست نصاً تاريخياً وهذا العلم الذي هو من صنع الفقهاء يحمل الصفة التاريخية وضعه النظام المعرفي المستعمل آنذاك. فما علينا إلا إعادة قراءة هذه الآيات بنظام معرفي جديد لينتج لدينا علم مواريث جديد. أي أنه لايمكن أن يكون هناك أي تجديد بدون أن يكون هناك اختراقات للثوابت التاريخية للإسلام والتي وضعت من قبل الناس.
2 - على ضوء هذه المنظومة نعيد النظر بمركبات الأحكام الفقهية وهي الواجب والمحرم والحلال والمندوب والمكروه. علينا إيجاد تصنيف جديد وتعريف جديد لهذه المركبات وخاصة المحرم على أساس أن الحلال لايحتاج إلى أي بينات أو براهين. وعلى هذه المنظومة تخليص الناس من الشعور بالذنب صباح مساء.
3 - إعادة النظر في أسس الفقه الإسلامي وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس. وتقديم تعاريف جديدة لهذه المصطلحات الأربعة وخاصة السنة والإجماع والقياس. وإعادة تعريفها يسمح بوجود برلمانات وانتخابات وتعددية.
4 - إعادة النظر في أركان الإسلام والإيمان وتحويل الخطاب الإسلامي إلى خطاب عالمي.
5 - يجب أن لاننسى أن أسس الفقه الإسلامي وكل هذه التقسيمات تم وضع أسسها في العهد الأموي ودونت واكتملت في العصر العباسي، أي أنها تقسيمات تاريخية غير مقدسة.
6 - إلغاء بنود كاملة من الفقه الإسلامي كالقيود التي وردت سابقاً. (مثال باب سد الذرائع وغيرها).
7 - إنشاء فلسفة إسلامية معاصرة وعلم لاهوت إسلامي معاصر (علم كلام معاصر) قائم على أساس أن العمر غير مكتوب والأرزاق غير مقسومة وتضيق وتتسع وأن الأعمار تطول وتقصر. وأن كلمة الله التي سبقت للناس جميعاً هي حرية الاختيار.
8 - إنشاء نظرية في السلطة وفقه دستوري حيث لايوجد في الإسلام التاريخي فقه دستوري وعلاقة السلطة بالناس على أساس العقد الاجتماعي، وأن تعيين السلطان ليس من مهام الله ، وإنما هو من مهام الإنسان. وأن الدعاء (اللهم ولِّ علينا خيارنا ولا تولِّ علينا شرارنا) ليس له معنى.
9 - ترسيخ قيمة الحياة عند الناس لأن رجال الدين خلال قرون نجحوا في إقناع الناس بالنظر إلى الحياة نظرة ازدراء. واستعمل نهاية الحديث (يصيبكم الله بالوهن، قالوا ما الوهن يا رسول الله؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت) (مسند أحمد 21363).

فكل إنسان يحب الحياة ويكره الموت عليه أن يشعر بالذنب. فأصبحنا لا نستغرب القتل الجماعي والمجازر كما لو أنها في وجداننا. وفي حقل الإصلاح الديني الثقافي الدولة هي أضعف حلقة هي في مواجهة المؤسسة الدينية والمجتمع قبل مواجهة الدولة.
وأختم كلامي هذا بالمقولة التاريخية التي تقول (سلطان تخافه الرعية خير للرعية من سلطان يخافها) ورسخت هذه المقولة في وعينا الجمعي. ولكي نبدأ بالإصلاح الديموقراطي في وعي الناس علينا أن نقلب هذه المقولة بشكل تصبح فيه (سلطان يخاف من الرعية خير للرعية من سلطان تخافه) وهذا هو عمل كل الديموقراطيات في العالم حيث السلطان يخاف من الرعية. وعلينا أن نسير تجاه هذا الهدف ونجعله جزءاً من عقيدتنا ووجداننا. وأريد أن أؤكد أن تقديس الحرية ووعي الناس لقيمتها لايأتي بالقوة ولا يفرض، وإنما ينتج عن إصلاح ثقافي ديني. وإن فكرة الديموقراطية بالقوة لاتختلف بالمحتوى عن فكرة المستبد العادل.

والحمد لله رب العالمين.

الثلاثاء، 10 نوفمبر 2009

قل الرّوح من أمر ربي


هل الروح سر الحياه


بين النفس و الروح
ان الظن بان الروح هي سر الحياه هو الذي ابعد الناس عن المفهوم الحقيقي للروح و الذي جاء في ايات الكتاب
فاذا كانت الروح هي سر الحياه فهذا يعني ان البقر و الافاعي و السمك و كل الكائنات الحية من انسان و حيوان و نبات لها روح
و هذا غير صحيح لان الله سبحانه و تعالى نفخ الروح في ادم وحده
و ان ازمة سؤ فهم معنى الروح هي التى اوقعت المسلمين في شرك عدم البحث عن اصل الحياه و اصل الانسان و الانواع على الارض , ظنا منهم ان الروح سر الحياة , و هي من اختصاص رب العالمين , و ذلك ناتج عن خطأ فهم الاية
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} (85) سورة الإسراء
فقط ظن الكثير ان الاجابة هي ان الروح امر لا يخصهم و لا علاقة لهم به
و ان مقولة المترادفات في اللسان العربي جعلتنا نخلط بين النفس و الروح
فالنفس هي ما يقابل بالانكليزي
soul
و الروح تقابل
spirit
و ان الله سبحانه لم يذكر الروح في مجال الحياة و الموت بتاتا و لكن التشابه في ايات خلق ادم , و الارضية المعرفية للسلف جعلتهم يقولون ان الروح هي سر الحياة و هو ما ينسجم مع ارضيتهم المعرفية
و في هذا يكمن اعجاز القران (الجدل بين المحتوى المتحرك و النص الثابت ) و يدلل على ذلك
بالايات

{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (2) سورة الملك
{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} (1) {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى} (2) سورة الأعلى
{وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (88) سورة القصص

اما الايات التى تحدثت عن الموت
{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} (145) سورة آل عمران
َ{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (42) سورة الزمر
يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} (27) سورة الفجر


{{وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (89) سورة النحل
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} (93) سورة الأنعام

وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (128) سورة النساء

ان النفس هي التى تحيا و تموت و لا علاقة للروح في ذلك
اما الروح فهي التى نقلت الانسان نقلة نوعية من المملكة الحيوانية الى كائن عاقل واع
فادم هو ابو الجنس الانساني لا الجنس البشري اي بدأ التاريخ الانساني الواعي بادم , اما قبل ادم فكان ثمة صنف اخر من المملكة الحيوانية يدعى البشر
ثم اصطفى الله ادم و زوجه من ذلك الصنف ( ان الله اصطفى ادم )
اذا نفخ الله الروح في البشر فتحول الى انسان و لم ينفخ الروح في القرود فبقيت كما هي
و يمثل ذلك بمعادلة
بشر + روح = انسان
فـ كلية الطب تسمى كلية الطب البشري لانها تدرس الانسان من حيث كونه بشرا ( شعر و جلد و عيون ... ) اي تدرس كائنا حيا فقط و في هذا يتشابه الانسان و بقية المخلوقات
و هناك علوم تسمى العلوم الانسانية و هي القانون و الشريعة و السياسة و الاخلاق و الفنون و الادب و الفلسفة و التاريخ
ثم هناك العلوم الطبيعية و هي الفيزياء و الكيمياء

ان العلوم الانسانية هي العلوم التى تنتفي بغياب الانسان , فبدون الانسان توجد الطبيعة و المجرات و بدونه لا يوجد اصلا فقه و لا قانون

يتميز الانسان عن الحيوان بأمرين فقط هما
النتاج المباشر للروح ( المعرفة و التشريع ) - الامر و النهي , فالحرية كانت نتيجة مباشرة للمعرفة و التشريع رديفا للمعرفة
و بنفخة الروح اصبح الانسا خليفة لله في الارض

اما ايات الروح

{يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ} (2) سورة النحل

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} (85) سورة الإسراء
{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (52) سورة الشورى
{رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ} (15) سورة غافر

{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ} (4) سورة القدر

فعندما سئل النبي صلى الله عليه ة سلم عن الروح جاءت الاجابة التالية
هي من اوامر رب العالمين , فقد امرنا رب العالمين بالصلاة و الصوم و الحج و الزكاة و بر الوالدين و الصدق.....هذه الاحكام لا توجد قائمة في ذاتها و انما مرتبطة بشكل مباشر بالانسان
فاذا ذهب الانسان ذهبت معه , و الاحكام مرتبطة بالانسان العاقل
فالله اعطانا الروح من ذاته و ليس من المادة الكونية المكونة للانسان , و لذلك سمى الاحكام روحا لانها لبست حقيقة مجسمة و انما هي سلوك واع
فالروح لها جانبان ( الاوامر + المعرفة ) و كلاهما لا يعد من المشخصات و المجسمات
و بما ان الاوامر و النواهي يجب ان يستوعبهما الانسان , فيجب عليه ان يمتلك ارضية معرفية معينة حتى يستطيع ان يستوعب الامر , و لا يمكن ان تتم المعرفة الانسانية دون قالب لغوي
فعندما عبر الله سبحانه و تعالى عن نفخة الروح في ادم قال
{وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (31) سورة البقرة
في هذه الاية مفتاح فهم الروح

عندما ورد السؤال عن الروح جاء الجواب

ُقلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي - اوامر
وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلا - معلومات
و كذلك جاءت بقية الايات

و قد سمى جبريلا روحا لانه يقوم بمهمتين ( نقل الاوامر و النواهي , و نقل الحقائق العلمية ) علما ان الاية 86 في سورة الاسراء شرحت تماما معنى الاية رقم 85 فقد اتبع قوله
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} (85) سورة الإسراء
{وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً} (86) سورة الإسراء

فقد شرحت بشكل لا لبس فيه ان الروح المذكورة في الاية 85 هي مجموعة ما اوحي الى محمد عليه افضل الصلاة و السلام
و هل اوحي اليه غير التشريع و العلم
لقد فهمنا سؤال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم فهما خاطئا , فظننا انهم يسألونه عن سر الحياه ؟ علما بانهم كانوا يسألونه عن الناموس الذي جاء الى موسى و عيسى
حيث ان مفهوم الروح عندهم لا يعني سر الحياه
و بسبب هذا الفهم الخاطئ للروح ابتعد المسلمون مئات السنين عن البحث العلمي في خلق الانسان و اصل الانواع

ان الروح هي القاسم المشترك بين الله و الانسان و ان الانسان فقط له روح
وعندما نفخ الله الروح في ادم فقد أسجد له الملائكة لانه في هذه النفخة اعطاه الخلافة ( حرية التصرف )-فالله يقضي و الانسان يقضي و الله عالم و الانسان متعلم

الجمعة، 30 أكتوبر 2009

كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا



هل عرقك عربي ؟؟؟؟

لو تعرفون كم مجدت هذا العرق ، كنت ساذجا حتى أنفقت الكثير من الأموال لشراء تلك الكُتب المُزخرفة من قبل شياطين فرق تسد ، لأكتشف وقبل أن أدخل في الموضوع ان هؤلاء العرب الذين امجّدهم ينقسمون الى عرب عاربه واخرى مستعربه ، وبعد ذلك تجد نفسك أمام شجرة العائلة التي تعود بجذورها الى ما قبل طور ءادم في الجاهلية الأولى ليترسّخ في فكرك مجد غائر في الزيف وغصن من فروعها يّلوح بإسمك في ورقة خضراء ويُحيط بك أقاربك في غصن الشجرة الزيتونية غير المباركه ، الخالية من الزيت والدسم الفكري والمعرفي ، والحقيقة وبعد إنعتاقي من الصّلب على تلك الشجرة وجدت الناس من نفس واحدة فلا وجود لفصيلة دم تُشير الى عرق بشري محدد يختلف عن باقي الناس ذرّية بعضها من بعض ، أما اللغة فشئ مُكتسب يصطلح عليها الناس اي ناس ليسيّروا أمور حياتهم كما نرى العالم حولنا ...هكذا يُشيرالقرءان العربي ..... المهم قوله الحق
" مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا (ج)بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمـِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِئايَاتِ اللَّهِ (ج) وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " الجمعة:5

تكونت هناك امّه وانتظرت شروطا موضوعية للمخاض ثم جاءت رسالة تحفظ الوجود و ترسم الهدف و لكن بدل أن يصبح المجتمع رساليا بتفاعله مع ءايات الكتاب و أن يقود ، تحوّل إلى ما يشبه الحمار ينعق شعارات و لا يدري ما يحمل بل إنّه يجعل الأخر ممن لم يعرف الرسول يفرّ و لا يقترب من الرسول ، فالمجتمع الذي شبّه سيره بالحمار لم يُفلح في تحويل ءايات الرسالة إلى هدى لمعرفة الكتاب بل تجاوزها ظلما ليُعلن أنّه الوحيد الذي توّجه لمخاطبته الرسول و أنّه المختار المصطفى و لم يدر أنّّه حُمّل الرسالة أي حمل واجبا ثقيلا ليوصله للناس و لكنّه عجز وركن الى الارض لأنّه لم يحمل الرسالة بل وأصبح عائقا أمام الأخرين.
لقد أتت التوراة لقوم كان عليهم ان يحملوها فإذا بهم يجعلونها شعارا لتهوّدهم و شعارا لإصطفاءهم من دون الناس و قد اصبحوا بهذه الشعارات أرذل الخلق يختفون بالتآمر و يتحركون بالدسيسة و غارت فيهم الأمراض النفسية حتّى لم يعودوا في ميدان الفاعليه الرساليّة إلاّ كالحمارالذي يحمل الأسفار لمن يحسن القراءة ، هذا إن فعلوا ، و هذا نفسه ينطبق على "الذين حمّلوا القرءان ثم لم يحملوه" فالأيات تُخاطب من يقرأ القرءان كي لا يقع في هذا الوصف الشنيع و يزعم لنفسه بحكم العادة انه المصطفى للحمل ، وهو في الواقع لا يتحمل أعباء هذا الحمل ، و يفر الناس عن الرسول لرؤيتهم عجز من يرفع شعارات الولاية و هو عاجز بائس يُقاد و لا يقود ، و القرءان يخاطب هؤلاء جميعا "شعب الله المختار" و "الفرقة الناجية" و "مستحقي الشفاعة" بمنطق بسيط ليفهم الناس كلّهم منطق الرسالة الروحي :

"قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (6) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْـ (ج) وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُـــمْ (صلى) ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِـ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (8)"

التجمع المتكلس على موروث الأسلاف غير مقبول في القرءان ، فمن يزعم أن موروث أسلافه مفيد "هادوا" فليتوقف عن الحياة إن استطاع و ليمتنع من أستعمال التراكم العلمي و التقني إن استطاع ، أي بتعبير القرءان ليتمنّى الموت و توقف الحركة ، و السلفيون أوّل الناس معرفة أنّ هذا مستحيل ، فمشاريعهم وحياتهم وعيشهم كلّها مبينة على ما أفرزه العلم ، و يحذرهم القرءان من الكذب على النفس و من محاولة تقديم الجثة على أنّها الحل ، فهذا التناقض بين الممارسة و الشعار سيفضي إلى موت حقيقي ثم حساب حقيقي عن هذا التلاعب.

إنّنا في الآيه نعيش غاية الخطاب وهو التحذير من الإنزلاق نحو مجتمع بلا مشروع أو مجتمع مغرور دون بينّة إلاّ إدعاء حمولة الرسالة دون دليل موضوعي يبيّن قيمة الرسالة من حاميلها.