هؤلاءٍ أمّتِي وإليهِم أنتمي

دين هو دين الله هو الإسلام و هو شرطه على الناس أن يسالم بعضهم بعضا ، فليس هناك دين إسمه المسيحية و لا اليهودية. فالمسيح دينه الإسلام و موسى دينه الإسلام وأتباع اي نبي من الأنبياء قد يكونوا مسلمين و قد يكونوا ممن يرفع الشعارات و لا علاقة لهم برسالة الأنبياء التي هي واحدة.
رسالة السماء لأهل الأرض لم تتعدد و لم تختلف ، فالدين واحد و الرسالة واحدة
النبي الكريم محمد امتداد لعائلته الكبيرة، عائلة الأنبياء الذين هم مثل الإنسانية العليا بصدقهم و جهادهم لتحرير الإنسان من العبودية للأشياء و الناس و الوقوف مع المستضعفين ، هؤلاء أمّتي و إليهم أنتمي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأحد، 26 يوليو 2009

معنى الشرك في القرءان

ألفاظ القرآن تحمل معنى واحد ووحيد ، فألفاظ القرآن لا ترادف فيها و لا تقاطع جزئي فيها بل استقلال أو احتواء أو تضاد إذ اعتبارها حق ينفي عنها مواصفات الترادف و التقاطع الجزئي.

و البحث في دلالة لفظ من ألفاظ القرآن يبدأ من بحث الآيات التي تحوي اللفظ و مشتقاته القريبة و البعيدة كلّها و محاولة إيجاد معنى واحد يجمع حوله كل مفاهيم الآيات التي ورد فيها اللفظ فعندما نقرأ :

"إنّ الله وملائكته يصلون على النبي؛ يآيها الّذين ءامنوا صلّوا عليه و سلّموا تسليما" الأحزاب 33/56

إذا كان فعل صلّى هو حركات جسمية و ذهنية يؤديها المصلّي فالله بنص هذه الآية يؤدي هذه الشعيرة!!!
و إذا كان فعل صلّى يعني الدعاء فالله يدعو للنبي !!!
إنّ ضبط دلالة اللفظ في البلاغ المبين يقتضي أن يكون فعل الصلاة مفهوما يدخل فيه الله و الإنسان بحملهما لمعاني الصلاة. فما هي دلالة الصلاة التي تجعل من الله "يصلّي" و من الذين ءامنو مأمورين بالصلاة و التسليم بفعل الصلاة؟
لا شك أنّ ضبط هذا اللفظ لا يتعلق ببحثنا و لكن أوردته لسهولة بقاءه في الذهن كمثال.

و لندخل الآن موضوعنا وهي محاولة تحديد دلالة الشرك و المشركين و "الذين أشركوا" و التدليل أنّ المشركين طائفة سياسية عندما تأتي مستقلة. و نحاول في هذا البحث تبيين أنّ مفهوم المشركين ليس مرادفا لجحد وجود الله أو تعديده بل يرتبط بمفهوم إكراه الآخرين على معتقد و إرغامهم عليه و استعمال كل السبل في إشراكهم في هذا المعتقد أيا كان، صحيحا او خاطئا.
و لن أستطيع عرض كل الآيات التي تحوي اللفظ و مشتقاته و أكتفي بما يسمح لي بالتدليل تاركا تفاعل القراء يثري ما تركناه.
و أول ما نلاحظه في بداية البحث ورود لفظ الشرك بالمشتقات الآتية في البلاغ المبين :

ـ شارك
ـ أَشْرَك (و تصريفات الفعل)
ـ شريك
ـ مشرك (مشركة) ؛ مشركون / مشركين (مشركات)
ـ شركاء
ـ مشتركون

و يظهر للوهلة الأولى أنّ هذه الألفاظ جميعا تنبع من أصل واحد هو "الإشتراك" في فعل أو عمل أو قضية.
و هذا ما نقرأه في الآيات التالية :

1 ـ "و استفزز من استطعت منهم بصوتك و أجلب عليهم بخيلك ورِجلِك و شاركهمـ في الأموال و الأولاد و عدهم؛ وما يعدهم الشيطان إلاّ غرورا" الإسراء 17/64

و نجد ما شارك فيه الشيطان هؤلاء و هي "الأموال و الأولاد".

2 ـ "واجعل لّى وزيرا مّن أهلي(29) هارون أخي(30) اشدد به أزري(31) و أشركه في أمري(32)" طه

و إشراك موسى لأخيه هارون في "أمره" بطلب من موسى دون تدخل و لا سؤال من هارون و تدلنا الآية أنّ دخول الألف تدل على الطلب أمّا شارك فهي تدل وجود طرفين دون تحديد من قام بالدعوة و من ألّح في السؤال.

3 ـ "قل الله أعلم بما لبثوا، له غيب السماوات و الأرض، أبصر به و أسمع؛ ما لهمـ من دونه من ولي و لا يشرك في حكمه أحدا" الكهف 18/26

فالله لا يطلب من أحد أن يشاركه في حكمه. ولا يزعم أحد أنّه يشارك الله في تصريف الكون و امتلاك موجوداته و لنقرأ :

"قل ادعوا الّذين زعمتم من دون الله، لا يملكون مثقال ذرة في السماوات و لا في الأرض و ما لهم فيهما من شرك و ما له منهم من ظهير" سبأ :22


فمن يُطلب منه الشرك في قضية يكون شريكا و إن كانوا جماعة صاروا شركاء و هذا الشرك يكون في قضية ما بعينها
و لنقر أ هذه الآيات :

1 ـ "و قل الحمد لله الّذي لمـ يتخذ ولدا و لمـ يكن له شريك في الملك و لمـ يكن له ولي من الذل، و كبّره تكبيرا" الإسراء 17/111

2 ـ "الّذي له ملك السماوات و الأرض و لمـ يتخذ ولدا و لم يكن له شريك في الملك و خلق كلّ شيء فقدّره تقديرا" الفرقان 25/2

و جمع شريك في البلاغ المبين "شركاء" و هم يشتركون بطلب من جهة في أمر ما و لنقرأ :
".., إن كان رجل يُورث كلالة أو امرأة و له أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس؛ فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركآء في الثلث" النساء 4/12

"و قالوا ما في بطون هذه الأنعامـ خالصة لذكورنا و محرّم على أزواجنآ، وإن يكن ميْتة فهمـ فيه شركآء؛ سيجزيهم وصفهم؛ إنّه حكيم عليمـ "الأنعام 6/139

"فلّمآ ءاتاهما صالحا جعلا له شركآء فيمآ ءاتاهما؛فتعالى الله عمّا يشركون" الأعراف 7/190

أمّا من يشارك في أمر دون طلب فهو مشترك و ورود لفظ مشترك بالجمع حصرا في البلاغ المبين " مشتركون" يدل على انعدام الطلب في هذا اللفظ فلنقرأ :

"فإنّهم يومئذ في العذاب مشتركون" الصافات 37/33
"و لن ينفعكم اليوم إذ ظلمتمـ أنّكمـ في العذاب مشتركون" الزخرف 43/39

و بعد هذه الجولة يحق لنا أن نسأل كلمّا ورد لفظ الشرك و الإشتراك و مشتقاته:
ما هي قضية الإشتراك، ومن هم أعضاؤها ؟

فالآيات التي تتحدث عن الشرك بالله بلفظ :

ـ يشرك / تشرك بالله
ـ يشركوا / يشركوا بالله
ـ تشركن /يشركن بالله

تتحدث نسب سبب الشرك إلى الله، أي إتهام الله بأنه أدّى إلى الشرك و أداة "بِ" توضح هذا الإتهام، فما هي القضية التي اتهم فيها الله بسببها؟
للإجابة عن هذا السؤال يجدر بنا أولا أن نغوص و نجول في شواهد البلاغ المبين حتّى يتضح الأمر.

فالأمر متأزم إذا ويظهلا أنّ الأقدمون جعلوا أداة "ب" مرادفة لأداة "مع" و اعتبروا جملة "يشرك بالله" مرادفة ل "اشرك مع الله إلها آخر"، و يزداد الأمر تعقيدا عندما يأتي فعل الإشراك أو اسمه مستقلا دون تبيين قضية الإشتراك و لا أعضاءها، إذ ينبغي تحديد القضية على الأقل ليكون لهذا للإشتراك معنى. فورود ألفاظ "مشركين" و "مشركات" و "شرك" و أفعال الشرك دون زيادة "بالله" أو "برّبّي" أو أي نسبة أخرى لا يعطينا حق زيادة النسبة من تلقاء أنفسنا إذ البلاغ المبين لا نقص في آياته و لا يسمح لنا بتقدير من "نساه" المولى جلّ ذكره لنملأ نحن الفراغ. و لقد اخترت لتدليل على ورود لفظ الشرك مستقلا دون إضافة شاهدا يظهر لأول وهلة أنّه معقد جدّا فهمه، و لخطورة المفاهيم التي يحملها هذا الشاهد فضلت إيراده و التوسع في دلالته، ولنقرأ :


الأعراف 7/172 ـ 177

لنلاحظ أنّ الآية 173 قالت "أشرك ءابآؤنا" و لم تقل "أشرك أبآؤنا بالله" أي جعلوا من الله سببا في إشراكهم مع ورود آيات عدّة قالت "أشركوا بالله" فلا يمكننا تقدير محذوف في البلاغ المبين إذ القرآن لا نقص فيه.

لنذكر أوّلا أنّ سورة الأعراف تقص تاريخ تهييء الجنس البشري للخلافة في هذا الكوكب ليضطلع بها، فمِن نفخ الروح في آدم و غوايته و اختلاطه الجنسي بالهمج إلى توبته،إلى إصلاح برنامج نفخ الروح في ذريته إلى بعث الأنبياء لبعث صوت الروح من جديد و تعليم الإنسانية الآيات (نوح، هود، صالح، لوط، شعيب، موسى،محمد) إلى موعد النهاية الفاصل و تحقيق خلافة الأخيار لهذا الكون و سقوط الآخرين في العذاب المهين في هندسة إلهية لا تجارى.
و نعود للآيات أعلاه قبل أن نجيب عن مفهوم الشرك في البلاغ المبين و نريد أن نقف وقفة طويلة مع ما يسمى "آية الذر". و نبدأ في طرح الأسئلة لنكشف الرابط بين كل آية و التي تليها ابتداءا بالآية 172.

لماذا ذكرت الآية "بني آدم" و ليس "آدم"؟ ما السبب في إغفال آدم من هذا الإشهاد؟

لماذا وردت الآية 172 بهذه الصيغة الطويلة :
"من بني ءادم من ظهورهمـ ذريتهم" بدل الصيغة "البسيطة" من ظهور بني ءادم ذريتهم"؟

لماذا قالت الآية "ذريتهم" لم تقل الآية "من ذرياتهم" بالجمع مع أنّ هذه الصيغة وردت في البلاغ المبين :

"و من ءابآءهم و ذرياتهم و إخوانهم" الأنعام :87
"و من صلح من ءابآءهم و أزواجهم و ذرياتهم" الرعد:23
"و من صلح من ءابآءهم و أزواجهم و ذرياتهم" غافر:8

إشهاد الإنسانية وعي الربوبية تمّ ابتداءا من النسل الأول بعد ءادم، و لقد استثنت الآية آدم من هذا الإشهاد، و برنامج هذا الإشهاد يمتد إلى يوم القيامة "أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين" و هذا البرنامج يسري في الأباء و الذرية من نسل آدم "قالوا بلى شهدنا".
كل فرد منّا يحمل وعي البحث عن الخالق و ماهيته والجدل حول وجوده و هيمنته و حدود قدرته، و كل فرد منّا يحاول فهم السنن التي تدير الكون و الهدف من كل هذه الموجودات و الغاية منها. إنّ هذا البحث و هذه التساؤلات مبثوثة في أعماقنا مهما حاولنا إخفاءها.
و يشعر كل فرد منّا مهما حاول بهيمنة قوة خارجية عليه تتحكم في الكون و تديره ويشعر بالإفتقار إليها مهما سقط في البلايا و مهما عظمت خسارته من أموال و بنين. و يشعر كلّ منّا بوخز ضميره إن أساء و إن لم يقرأ كتاب و إن لم ينصت لرسول، كل هذا مبثوث في أعماق كينونتنا.

و الآيات تبدأ ب "إذ" لترسم حدث وقع و استمر وتواصل. ف "إذ" في الآية ترسم بداية الحدث و "يوم القيامة" ترسم نهاية الحدث.
هذا الإشهاد على الربوبية تمّ بأخذ "بني آدم" و فعل الأخد يدل في البلاغ المبين على قبض الشيء و جمعه و التصرف فيه ووقوعه تحت سلطته، و ترسم الآيات أنّ هذا التصرف تمّ دون شعور "بني آدم" التي تدل عليه لفظة "ظهورهمـ "، ف "ظهور" تعني دون علم صاحب الشيء :
"و ليس البّر أن تأتوا البيوت من ظهورها" البقرة:189

و رسم الميم الناقصة في "ظهورهمـ " يدل على استمرار الإشهاد في كل نسل بني آدم اللاحقين دون وعي منهم.

و لقد تمّ إشهاد "الذرية" و الأباء من الحاضرين من بني ءادم في النسل الأول و الغائبين من ذريتهم بدليل "أن تقولوا"، وكأنّ القارئ الحالي يشعر أنّ الخطاب موجه إليه كانّه حاضر في هذا المشهد. و مجيء "الذرية" واحدة و ليس جمعا "ذرياتهم" يدل على اختيار البذور النقية من السلالة الأولى ل "بني ءادم" إذ لفظ "ذرياتهم" تبعه فعل الصلاح في الشواهد المعروضة سابقا، أماّ "ذريتهم" فهي ترمز لوحدة النسل الأول.
هذا الإشهاد قوبل بالإعتراف "بلى شهدنا" و نلاحظ رمز النقاط الثلاث فوق "بلى" و "شهدنا" التي تعني الإنتشار و البث و الذر وفق متتالية هندسية
.
..
....
........
................

و لمّا كان رمز البث فوق "بلى" متأخرا عليها شيئا ما و على آخر "شهدنا" دلّ على بث أفقي و ليس عمودي، ولقد ورد هذا الرمز ست مرّات في البلاغ المبين وقد سجلته هنا لألفت النظر إلى استحالة خطه من بشر لم يهيأ إلى هذا الخط، فهل نسخ "كتبة الوحي!!" هذا الرمز من تلقاء أنفسهم أم هو رمز لا معنى له؟

إنّ هذا الإعتراف بأحدية الرب متصل مستمر في الذرية إلى انتهاء التناسل. و ينبغي أن نقف في جملة " ألست بربكم" قليلا
لو قال لك أحد من الناس :
ـ ألست صاحبك
فمعناه أنّه يشك في صحبته لك أو يريد تبديد هذا الشك منك، أمّا عندما يقول لك :
ـ ألست بصاحبك
فهذا يعني أنّه صاحبك الوحيد.
"ألست بربكم؟" : بلى يا رب أنت ربنّا الأحد.
و ملاحظة تتعلق بمن يتصور أنّ علامة "صلى" فوق "بربكم" هي علامة للوقف الجائز كما يقولون، وكل عاقل يقرأ الآية يدرك أنّها علامة للإستفهام، و في القرآن علامات للتعجب و التهكم و رموز أخرى لم يعرف الناس دليلها.

هذا الإشهاد تمّ على الأنفس فهو مهيمن عليها لا تستطيع و إن حاولت تبديله و تغييره فهو مغروز ليس فقط فيها بل عليها فهو من نوع
READ ONLY
و في جيناتنا الدليل المادي على هذا الغرز و في نفخ الروح الذي لا ندرك كنهه.
و الآن نصل إلى دلالة الآية و سبب مجيء جملة "بني ءادم" بدل "ءادم".
إنّ آدم تمّ نفخ الروح فيه و لكنّه صدّق أوهام نفسه التي وعدته بالخلود و الملك الدائم إذا اختلط جنسيا مع البشر الهمج و لقد انساق آدم لهواه فغوى (أنظر بحث "آدم و شجرة الهمج في منتدى حوار المناهج الإسلامية"). و بهذا الإختلاط أنتج آدم ذرية لا تحمل برنامج النفخ و أفسد بفعله مخطط الخلافة و تاب و تقبّل الله توبته و تمّ تصليح برنامج نفخ الروح في ذريته من الهمج حتّى لا يبقى عذر لمعتذر أنّ آدم هو "صاحب الخطيئة" أو يتقول متقول أنّنا أسارى خطيئة أبينا بما امتزج مع برنامج نفخ الروح من جينات الهمج و خصائصهم. لقد تمّ إصلاح البرنامج مباشرة في الجيل الأول الذي يحمل أساسا الإشهاد بالربوبية الأحدية على الأنفس في داخل الجيل الأول و تمّ نقله جيلا عن جيل دون وعي منّا بكيفيته "من ظهورهمـ " بالصبغة المادية (الجينية) التي تحمل مقابلها الروحي في عالم لم نعلّم آليات استكناهه.

و نفهم الآن سبب غياب آدم من الآية . فهل بلغ النبي الكريم محمد هذا المبلغ في الدقة و النظم؟ هل يُعقل لكل ذي لبّ أن يظن و لو لحظة أنّ النبي أو غيره هو من ألّف القرآن؟ لو كتب هذه الآية فقط لكان فوق كل البشر فكيف بنسخ القرآن كلّه.

و نعود للموضوع فنقول أن لا أحد يغفل عن هذا الإشهاد بالربوبية فهو مغروز فيه، في بنيته البيولوجية و ذاته العليا، و لا حجة لأحد في التذرع بإفساد برنامج نفخ الروح بما فعله الأباء ابتداءا بآدم :

"أو تقولوا إنّما أشرك أبآؤنا من قبل و كنّا ذرية من بعدهم، أفتهلكنا بما فعل المبطلون" الأعراف 7/173

هكذا يتضح لنا الرابط بين الآية 172 و الآية 173 من سورة الأعراف، فلا حجة لأحد أنّ أباءه هم نتيجة اختلاط إنساني ـ همجي "أشرك أبآؤنا" و لهذا فلا حرية لهم و لا ذاتية و نحن قد ورثنا من جيناتهم هذا الشرك فلا حول لنا ولا قوة في الإختيار إذ طبيعة الهمج فينا وهي طبيعة بهيمية لا تدرك الخالق و لا تبحث عنه بل هي مبرمجة بسنن السجود. وهنا نفهم قضية الإشتراك فهي متعلقة باشتراك جنسي بين الإنسان ممثلا في ءادم و الهمج ممثلين في "الشجرة".
إنّ حجة التذرع بفساد برنامج نفخ الروح غير مقبولة، فالبرنامج صُلِّح و لم يبطل بفعل ءادم ولذلك فقولهم :
"أفتهلكنا بما فعل المبطلون"
غير مقبول. لنسطر لفظ "مبطلون" لكي نتأكد أنّ القضية تتعلق بإبطال مفعول برنامج نفخ الروح و أنّ ما قلناه سابقا ينبع من ملاحظة صلة الآيات ببعضها و تدقيق النظر في الألفاظ نظما و دلالة.
برنامج نفخ الروح وإشهاد الربوبوبية صُلّح ومغروز في كل خلية من خلايانا بما تحمله من جينات
شاهدة على االربوبية الأحدية و لا تقبل التبديل
READ ONLY

لنتمعن جيدا في الألفاظ التالية من آيات الأعراف 175 ـ 177:
"و اتل"
"نبأ "
"اقصص القصص"

إذن القصة لها وجود في القرآن و القرآن يأمر بتتبع أثارها "اقصص القصص" وبدليل "و اتل" فأين هو إذن النبأ الذي علينا أن نتلوه في القرآن؟
لو كان الآيات 175 ـ177 هي النبأ لأخبر القرآن عن أفعال هذا الرجل و لفصلّ في الآيات التي أوتِيها و نجد في البلاغ المبين كيفية تفصيل القصص و أحداثها بدخول أداة "إذ" لترسم الأحداث و تفاصيلها و لترسم ملامح الشخصية المعناة ولنقرأ :

"و اتل عليهم نبأ نوح إذ قال" يونس 71
"و اتل عليهم نبأ إبراهيم إذ قال" الشعراء 69
"و اتل عليهم نبأ ابني ءادم بالحق إذ قرّبا" المائدة 27

و غابت أداة "إذ" في هذه الآيات و رمزت لصاحبها ب "الذي" ساترة اسمه.
فأين الآيات التي أوتيها هذا الرجل و كيف انسلخ منها و أين مواضع تلاوتها في القرآن و أين نبأها فيه؟
إنّ ما قلناه سابقا في اختفاء آدم من آية الذر كفيل بالرد، فالآية هنا تتحدث عنه تحديدا دون أن تفصح باسمه، و نلا حظ أنّ سورة الأعراف هي السورة التي حوت أكبر عدد من الآيات في قصة آدم (20 آية) وهذا ما يجعل الرابط بين هذه الآيات 174 و الآيات التي سبقتها واضحا.
إنّ آدم سمع صوت الوهم و أفسد برنامج الخلافة باختلاطه بشجرة الهمج هو و من نُفخ فيهم الروح معه إذ ءادم يعبر عن طور بدليل لفظ "من الغاوين"، فآدم لم يكن وحده إنسان حين الخروج من محطة حفظه "الجنّة" إلى محل الإختلاط بالهمج و إلاّ صار جمع "الغاوين" خطأ و أداة "مِن" حشوا. و عندما أتحدث عن آدم فأنا أعبر عن هذه الجماعة برمتها ممثلة بأول من نُفخ فيه الروح وهو ءادم، فقد انسلخ من الآيات، و في معنى الإنسلاخ النزع و التخلص شيئا فشيئا من لباس و رداء كان يغطي المنسلخ:

"و آية لهم اليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون" يس 37

فآدم نزع لباس الروح شيئا فشيئا إلى أن خرج من أمنه بإتباعه لهواه و اقترف الفاحشة و من خرجوا معه مع شجرة الهمج. لقد أتاهم الله الآيات بما أراهم من إخضاع للملائكة و حماية في الجنّة و ما أراهم من عداوة إبليس و ما أجرى عليهم من نعم فأبى ءادم إلاّ مسايرة هواه.
و قد يظن ظان أنّ إنصات آدم لإبليس تمّ قبل إتِّبَاعِه لهواه و الأمر ليس كذلك إذ الآية تقول :
"فأَتْبَعَهُ الشيطان"
فمن الذي تَبع الآخر؟
لقد انسلخ آدم من الآيات وخرج من الجنّة فأصبح تابعا للشيطان مطيعا سميعا يدله على مواطن الهلاك و أصبح الشيطان تابعا له من خلف يسوقه و يجعله تابعا له دون أن يشعر بهذا السوق. إنّ لفظ "أَتْبَعَهُ الشيطان" ترسم طريقا لمن يريد البحث الجاد في مفهوم إبليس و الشياطين في البلاغ المبين بعيدا عن الخرافة و هو بحث سوف نرجئه لموضوع مستقل.
و لنعد للموضوع ، فغواية آدم لم تحدث في لحظة بل سبقتها إرهاصات. إذ كان في مقدور الملائكة أن تمنع هذه الرغبة الملّحة و تجعل آدم في مستوى الرفعة التي تليق ببرنامج الخلافة في الأرض " ولو شئنا لرفعناه بها" و لكن من بنود هذا البرنامج الأساسية حرية الإختيار و ممارسة هذه الحرية "و لكنّه أَخْلَدَ إلى الأرض و اتبعّ هواه" و لم يعي معنى نفخ الروح فيه، ومع أنّ ألطاف كثيرة أحاطت به لكنّه أصرّ على الخروج، فمثل إصراره كمثل الكلب الذي مهم فعلت له فلن توقف لهثه.
لم يشبّه آدم في الآية بالكلب ولم تقل الآيات "هو كالكلب" و إنّما شبهت مثل آدم بمثل الكلب في الحدث، فلا الآية انتقدت الكلب و لا شبهت آدم به. و لا شك أنّ إغفال ذكر اسم آدم في الآيات له دلالته و قد يكون سبب ذلك تقدير المولى جلّ ذكره لتوبته. و يتضح بعد هذا العرض مفهوم آيات الأعراف :
آدم أفسد المنهج باختلاطه بالهمج جنسيا و اجتماعيا "ذاقا الشجرة"
و لقد صُلّح البرنامج في ذريته و ليس هناك حجة لأحد في التقول على الله بأن لا إرادة حرّة له و لا اختيار بفعل إشراك أباءنا في بنيتهم مع الهمج، بل إنّ برنامج إشهاد الربوبية صُلّح بعد إفساده و هو موجود في ذواتنا و مغروز فينا مع استحالة تبديله أو تغييره، فرفض الشهادة لرب الأرباب الواحد الأحد هو ممارسة للإختيار و الحرية و ليس نابعا من خطأ آدم و لا من الذين تلوه بفعل إصلاحه في نسل آدم الأول.

إنّ هذا المثال على طوله يوضح أنّ ورود لفظ "الشرك" وتوابعه مستقلا يدفعنا للتساؤل عن قضية الإشتراك و دواعيه و شخصياته في سياق الآيات ولا يمكننا بحال أن نجعل هذا اللفظ نمطا واحدا يُقصد به تأليه غير الله أو جعل الكون محكوما بأكثر من إله. ولقد حدث خلط في كتب التفسير بين "مع الله" و "بالله" و أصبحت جملة "تجعل مع الله إلها آخر" مردافة لجملة "تشرك بالله" و لنقرأ :

"إنّا كفيناك المستهزءين(95) الذين يجعلون مع الله إلها ءاخر؛ فسوف تعلمون(96)" الحجر

"لا تجعل مع الله إلها ءاخر فتقعد مذموما مخذولا" الإسراء:22

"الذي جعل مع الله إلها ءاخر فألقياه في العذاب الشّديد" ق:26

"و لا تجعلوا مع الله إلها ءاخر، إنّى لكمـ منه نذير مبين" الذاريات: 51

و هنا الأمر هو فيمن لم يلتفت إلى نداء روحه و اعتقد بوجود أكثر من متصرف في الكون و عدد تدخل السنن بين قوى متعددة مع أنّ كل شيء في الإنسان و الكون يشهد بأحدية الواحد جلّ ذكره. و أداة "مع" كافية لرسم هذا المفهوم.

فما معنى ورود جمل من طراز "الشرك بالله"؟ أليس من الضروري أن نسأل عند ورود هذه الجمل عن قضية الشرك و أعضاءها؟
فإذا كان الله سبب شركي، ففي أي قضية و في أي مسألة؟
إنّ السؤال المطروح يعطي الجواب. فالإنسان حر في اختياره و في إرادته و في تقرير مصيره و حجة أنّ الله يتدخل في اختياره و يملي عليه و يفرض عليه شيئا خطأ كبير و حجة غير مقبولة، فالله عنوان القوانين الموضوعية في البلاغ المبين لم يخلق في هذا الكون ما يعيق اختيارنا و آيات معصية أبينا آدم و إفساده لبرنامج الخلافة بمحض اختياره و إرادته خير دليل و ما فصلناه في آيات الأعراف أنّ الأباء لا يورثون العصيان و لا الطاعة للأبناء، فالمسألة فردية، و كل منّا ثُبّث فيه و غرز فيه إشهاد الربوبية و نُفخت فيه الروح التي من بين أساسياتها حرية الإختيار. و لنقرأ هذه الآيات التي توضح ما سطرناه :

"سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا ءابآؤنا و لا حرّمنا من شيء؛ كذلك كذّب الّذين من قبلهمـ حتّى ذاقوا بأسنا، قل هل عندكم من علمـ فتخرجوه لنا، إن تتبعون إلاّ الظن و إن أنتمـ إلاّ تخرصون(148) قل فللّه الحجّة البالغة، فلو شاء لهداكم أجمعين(149)" الأنعام

فلفظ "أشركوا" ورد هنا مستقلا دون زيادة "بالله"، فهم أشركوا من و في ماذا؟ و حتّى ينتفي معنى أنّ الشرك مرادف لجعل آلهة أخرى مع الله أو من دون الله ورد اعتراف هؤلاء بالله "لو شاء الله ما أشركنا". ويتضح من الآية 149 مفهوم "الذين اشركوا" بأنّ الله جعل حرية الإختيار لكل فرد "فلو شاء لهداكم أجمعين" و الذين أشركوا تنازلوا عن اختيارهم و أشركوا غيرهم في هذا الإختيار و كان حري بهم أن لا يتبعوا ظنون من أشركوهم في حكمهم بدون علمـ. و لله الحجّة البالغة، فمع ضعف الإنسان عن إحاطته بكيفية علمـ الله فهو يدري أنّه مختار حر.

و نفهم الآن لماذا اعتبر القرآن أنّ الشرك ظلم عظيم :

"و إذ قال لإبنه و هو يعظه يا بني لا تشرك بالله، إنّ الشرك لظلمت عظيمـ " لقمان 13
فاتهام الله بالتدخل و المشاركة في اختيار المرء و حريته ظلم من حيث وصف الله بغياب الحكمة في خلقه للكون و الإنسان الحر المختار.

و تبقى المسألة جديرة بالدراسة عند ورود الشرك و اشتقاقات الشرك و اسماءه مستقلة :
مشرك / مشركة
مشركون ـ مشركين / مشركات

فلنحاول اكتشاف دلالة هذا اللفظ معتمدين على ما وصلنا إليه سابقا من نتائج وبتأمل الشواهد القرآنية التي ورد فيها الألفاظ أعلاه مستقلة، أي غير مقرون بجملة "بالله" أو "مع الله" .

إنّ هذه المنهجية ضرورية إذ ورود هذه الألفاظ مستقلة لا يسمح لنا أن نقدر محذوفا و نعتبر لفظ "مشركين" مرادفا ل "مشركين بالله" أو ل "مشركين مع الله"، فكتاب الله حق و عباراته حق و لا يجوز إطلاقا أن نقدر محذوفات و كأنّها نُسيت في الآية أو و كأنّها بديهية الوجود فحذفت تقديرا !!! فلماذا أتت مقرونة بالله و الشيطان و الخلق في الآيات الثلاث التي سنعرضها؟
فلنقرأ :

"فإذا قرأتَ القرءان فاستعذ بالله من الشيطان الرّجيمـ (98) إنّه ليس له سلطان على الّذين ءامنوا و على ربّهمـ يتوكّلون(99) إنّما سلطانه على الّذين يتولونه و الّذين هم به مشركون(100)" النحل.
فهؤلاء بالشيطان أصبحوا مشركون، أي أنّهم وقعوا تحت سلطان الشيطان وباعوه حرية اختيارهم و وقعوا تحت تأثيره، و لا يمكن فهم هذه الآيات أنّ الشيطان له شريك.

"ذلك و من يعظّم حرمات الله فهو خير له عند ربّه، و أحلّت لكم الأنعام إلاّ ما يتلى عليكم، فاجتنبوا الرجس من الأوثان و اجتنبوا قولـ الزور(30) حنفآء لله غير مشركين به؛ و من يشرك بالله فكأنّما خرّ من السمآء فتَخطفه الطّير أو تهوي به الرّيح في مكان سحيق(31)" الحج

فالذي يشرك بالله لا يستطيع أن يقرر في شيء فهو كمن يخر من السماء لا يستطيع توقيف سقوطه إلاّ بالإصدام بطير (كل ما يعلو عن الأرض و يستقر في السماء) أو يصطدم بالثرى، و المعنى أنّ تدخل الله في اختيار الإنسان يمنعه من أن يكون له أي اختيار، فالكائنات الأخرى لو تدخلت في حرية الإنسان و اختياره لتركت له مجالا أم أن يتدخل الله و يشرك المرء في اختياره فهذا مستحيل لأنّ تدخل الله معناه استحالة بقاء أدنى حرية و اختيار للفرد، والبلاغ المبين يؤكد أنّ على الإنسان أنّ لا يشرك بالله شيئا، أي لا يجعل الله سببا في مشاركة أي شيء له في اختياره، و بهذا فالقرآن يؤكد حرية الإنسان المطلقة و أنّ لا شيء يعيقها بتاتا.
و نرى في آيات الحج تقابل و تضاد بين الحنيفية والشرك في البلاغ المبي، فالحنف كما سيأتي بيانه هو الميل مع البينات كلما ظهرت والإذعان لها وهو مناقض للتهود و التنصر و لنقرأ :

"و كذلك نري إبراهيمـ ملكوت السماوات و الأرض و ليكون من الموقنين(75) فلمّا جنّ عليه الليل رءا كوكبا، قال هذا ربّي؟ فلمّا أفل قال لا أحبّ الأفلين(76) فلمّا رءا القمر بازغا فال هذا ربّي؟ فلمّا أفل قال لئن لم يهدني ربّي لأكوننّ من القومـ الضآلين(77) فلمّا رءا الشمس بازغة قال هذا ربّي هذا أكبر؟ فلمّا أفلت قال ياقومـ إنّي بريء ممّا تشركون(78) إنّي وجّهت وجهي للّذي فطر السماوات و الأرض حنيفا، و مآ أنا من المشركين(79)" الأنعام
هكذا يحنف إبراهيمـ من مشاركة قومه (شرك بلغة القرآن) الذين توقفوا عن رؤية البينات إلى فاطر السماوات و الأرض خطوة خطوة من الكوكب إلى القمر إلى الشمس وصولا إلى فاطر السماوات و الأرض. فالحنف هو الإعتراف بالبينات و الإنصياع لها و الميل للدليل و عكسه الشرك (المشاركة) و التهود (الإنحصار في فكر السابقين و الأسلاف) و التنصر (مناصرة المعاصرين دون دليل و حجة). و لنبقى مع إبراهيم كي نقتنع بحنفه و بابتعاده عن الشرك و التهود و التنصر :

"و قالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا!!! قل بل ملّة إبراهمـ حنيفا، وما كان من المشركين" البقرة :135

فإبراهيم لا يطلب الهداية ممن سبقه بمجرد سبقه التاريخي (التهود) و إبراهيم لا ينصر و لا ينتصر لمعاصريه بسبب قومي أو لساني أو أيديولوجي "نصارى" بل ملتّه الحنيفية التي تتقبل الدليل و تحنف عن غيره حين ظهوره و إبراهيم لا يسعى لمشاركة غيره ولا دفع أحد أن يشاركه في فكره دون قناعة و بينات (أستعمل لفظ المشاركة مع أنّ الصحيح هو لفظ شرك).

و نبينّا الكريم أُمر باتباع ملّة إبراهيم الحنيفية :

"ثمّ أوحينآ إليك أن اتّبع ملّة إبراهيمـ حنيفا، وما كان من المشركين" النحل

"قل ياأيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلآ أعبد الّذين تعبدون من دون الله و لكن أعبد الله الذي يتوفاكم، و أمرت أن أكون من المؤمنين(104) و أن أقم وجهك للدين حنيفا و لا تكوننّ من المشركين(195)" يونس

و كل الناس أُمروا أن يسلكوا سبيل الحنيفية ليرتقوا و يبتعدوا عن شرك الناس و إشراكهم في فكر لم يقتنعوا به أو في أدلة لم يصلوا إلى إدراكها بعد، و على الناس أن يدركوا أنّ حريتهم كاملة لا يتدخل الله في صنعها أو في تغييرها و لنقرأ هاذين الشاهدين :

"حنفاء لله غير مشركين به" الحج 31

"فلّما جآءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلمـ و حاق بهم مّا كانوا به يستهزءون(83) فلمّا رأوا بأسنا قالوا ءامنّا بالله وحده و كفرنا بما كنّا به مشركين(84)" غافر

فالإنسانية مطالبة دوما بمراجعة ما وصلها و استقر إليها من علم و ما تعتقد أنّه الحق المطلق "بما عندهم من العلمـ " ولا تستهزئ بما يُطرح من بينات جديدة بل عليها تدقيق النظر قبل الترّدي، فسسب ترديها في الآية هو سبب اشتراكها الجماعي في خطأها بسبب العلم الناقص الذي وصل إليه ولم تلتفت للحق الجديد و البينات الجديدة.

إلى هنا ولغرض الإختصار نقف لنسجل مجموعة من الملاحظات و نختم بقراءة مختصرة لآياتين كثُر حولهم الجدل.
إنّ الشرك بالله ليس هو الإعتقاد بوجود آلهة مع الله بل هو إتهام الله بمشاركة العبد في اختياره و قراره السيد الذي لا يملك كائن في الكون إعاقته. وهذه القراءة تفرق بين أداة "بِ" و أداة "مع" كما فرّق بينهم البلاغ المبين وتجعل من الشرك دليلا للإشتراك و المشاركة يختص بكل الموجودات و ليس لفظا مختصا بالمولى جلّ ذكره حصرا. إذ ورد الشرك في القرآن مستقلا و متبعا بلفظ "بالله" لا يدع شكا في اختلاف دلالة الجملتين. وعلينا كلّما ورد لفظ الشرك و مشتقاته أن نتساءل:

ـ في أي قضية تمّ الإشتراك ؟
ـ و من هم أعضاء هذا الإشتراك ؟

و أخيرا فلفظ المشركين عندما يرد مستقلا يدل على الذين اشتركوا في قضية دون دليل و بينة و برهان و انضمّ بعضهم لبعض مريدين ضمّ غيرهم إليهم ظلما و تعسفا. و لنقرأ :

"إنّ عدّّة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات و الأرض منهآ أربعة حرم؛ ذلك الدين القيم؛ فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم؛ و قاتلوا المشركين كآفةكما يقاتلونكم كآفة؛ واعلموا أنّ الله مع المتقين" التوبة 36

و علينا أن نتساءل في أي قضية تمّ الإشتراك؟
و الجواب بسيط للغاية، فهؤلاء اشتركوا في القتال "كما يقاتلونكم كافة"، وخطاب القتال الذي يعني وجود طرفين موجه للذين ءامنوا، ممن أمِنه الناس فهو لا يعتدي عليهم و دخل الأمن نفسه فاطمأنّ لقناعته فلا يجبر أحدا على اعتناقها، ف"الذين ءامنوا" يقابلهم "المشركين" الذين اشتركوا و يريدون إشراك غيرهم في تقويض مجتمع الأمن و اللاإكراه وقتاله، و يظن الناس أنّ المشركين هم طآئفة عقائدية والأمر ليس كذلك، إذ لم توضح الآية إلاّ اشتراكهم في قتال "الذين ءامنوا"، و كلّ منّا أمر أن لا يكون من المشركين فيبتعد عن إكراه الآخرين و محاولة إشراكهم في معتقده و أن يبتعد عن شرك الآخرين دون علم و دليل و لنقرأ :

"قل أغيرالله اتخذ وليّا فاطر السماوات و الأرض و هو يطعم و لا يُطعم ؟ قل إنّي أمرت أن أكون أوّل من أسلمـ ، و لا تكوننّ من المشركين" الأنعام :14
فالنبي مع قناعته بمعتقده و إيمانه و اطمئنانه طولب أن لا يشرك أحدا في قناعته دون أن يقتنع هذا الأخر.

"قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا و من اتّبعنى، وسبحان الله و ما أنا من المشركين" يوسف :108

فسبيل النبي و من تبعه هو سبيل البصيرة و ترك المجال للآخر كي يبصر بنفسه و ليس سبيله سبيل الإكراه و إشراك الآخر دون علم منه و دون اقتناع. ولو انّ النبي أشرك الناس في معتقده فهو في عداد الخاسرين، فجهلهم مردود لكن إكراههم مرفوض:

"قل أفغير الله تأمروني أعبُدُ أيُّها الجاهلون(64) و لقد أوحي إليك و إلى الذين من قبلك لئن أشرَكتَ ليحبطنَّ عملك و لتكوننّ من الخاسرين(65) بل الله فاعبد و كن من الشاكرين(66)" الزخرف

فلا ينبغي لأحد أن يشرك أحدا في قرار عقيدته و عبادته و لا أن يأتمر بأمره بل عليه أن يطيع بينات الكون و بينات نفسه بعنوانها "الله" ليصل إلى الإيمان.

و يبقى في الأخير قضية زواج الذكر بالأنثى، فهي في كتاب الله غير متعلقة بملة أو دين بمعناهما المطلح عليه الآن من "يهود" و"مسيحيين" و"مسلمين" و "بوذيين" ... إنّما متعلقة بقسمين من الناس، قسم "المؤمنين" و قسم "المشركين"، فلا يجوز لمن يتبع دين الإكراه و التعسف و إشراك الآخرين في معتقده دون قناعة منهم و هذا هو المشرك أن يتزوج بمن يعيش سبيل الحرية العقائدية و الفكرية و يأمنه الناس، فالآيات القرآنية تحدد طبيعة المرء من حيث قبوله بسبيل الله سبيل الحرية و اللاإكراه و تعايش الناس السلمي و بين مرء يود و يعمل لإكراه الآخرين على دين و فكر لم يقتنعوا به :

"ولا تَنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ؛ ولأمة مؤمنة خير من مشركة و لو أعجبتكم؛ و لا تُنكحوا المشركين حتّى يؤمنوا؛ و لعبد مؤمن خير من مشرك و لو أعجبكم، أولئك يدعون إلى النار، و الله يدعوا إلى الجنّة و المغفرة بإذنه، و يبين ءاياته للناس لعلّهم يتذكّرون" البقرة :221

فالزواج مفتوح للناس من أي توجه كان شرط أن يمتنعوا إكراه من اقترنوا به في فكرة أو عقيدة او ملّة. وكيف لا يكون ذلك و حرية المعتقد أساس الكتاب و الإقتناع عن علم لب البلاغ المبين :

"و لا تقف ما ليس لك به علم، إنّ السمع و البصر و الفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا" الإسراء :36

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق