هؤلاءٍ أمّتِي وإليهِم أنتمي

دين هو دين الله هو الإسلام و هو شرطه على الناس أن يسالم بعضهم بعضا ، فليس هناك دين إسمه المسيحية و لا اليهودية. فالمسيح دينه الإسلام و موسى دينه الإسلام وأتباع اي نبي من الأنبياء قد يكونوا مسلمين و قد يكونوا ممن يرفع الشعارات و لا علاقة لهم برسالة الأنبياء التي هي واحدة.
رسالة السماء لأهل الأرض لم تتعدد و لم تختلف ، فالدين واحد و الرسالة واحدة
النبي الكريم محمد امتداد لعائلته الكبيرة، عائلة الأنبياء الذين هم مثل الإنسانية العليا بصدقهم و جهادهم لتحرير الإنسان من العبودية للأشياء و الناس و الوقوف مع المستضعفين ، هؤلاء أمّتي و إليهم أنتمي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الثلاثاء، 28 يوليو 2009

حور العين......فهم مغاير








صوّر مجموعة من المفسرين جنة الخلد أنّها متاع جنسي للرجال دون النساء ويقصدون بالرجال جنس الذكور و بالنساء جنس الإناث وواصلوا بذلك اعتبار المرأة متاعا للمرء و أنّ العلاقة بين الزوجين علاقة جنسية لا غير و اعتبر المفسرون أنّ استمتاع الذكر الجنسي يستمر في جنّة الخلد دون حق الأنثى في الإستمتاع الجنسي كذلك. و رسموا لوحة زيتية لأهل الجنة بمروياتهم الحديثية تصورهم و حولهم عشرات "الحوريات" في عربدة عامة ووفرة جنسية مذهلة.
إنّ هذه المفاهيم تناقض القرآن في عمق مفاهيمه، فالقرآن أولا لا يعتبر الرجل مرادفا للذكر و لا النساء مرادفا للأنثى و إذا أعطى الله للذكور حوريات في الجنة فما هو نصيب الأنثى ؟ خاصة و أنّ القرآن قرر أنّ الجنة ليست حكرا على الذكور كما سنرى. و إذ هم وُضعوا أمام تناقضاتهم في كثير من الآيات وجدوا لمفاهيمهم مخارج وهمية للتملص من ما يظهر أنّه تناقضات في البلاغ المبين. وهذا التملص يعّبر أنّهم لا يتحركون وفق القرآن و إنما يحاولون تحريكه لصياغة موروثهم باستعمال آياته.

و هكذا عندما ترد لفظةالناس في البلاغ المبين تجعل مرة مرادفا للرجال (زين للناس حب الشهوات من النساء) و مرة بمعنى أتباع النبي الكريم محمد (ولله على الناس حِج البيت) وهم بذلك يعلمون القرآن كيف يعبر و يصححون له بالخط الأحمر ما ارتكبه من أخطاء في التعبير !!.
أكان القرآن عاجزا أن يضع الرجال بدل الناس أو المؤمنين وهو قد أورد لفظ الرجال و المؤمنين في القرآن مرات عديدة أم أنّ كتابه ليس بحق و هو في استعماله للألفاظ يقع في مثل ما يقع فيه البشر من خطأ في تعابيرهم و استعمال ألفاظهم؟
و عندما يرد لفظ الرجال في البلاغ المبين يجعل مرادفا للذكور و إذ وقعوا أمام التناقض في آيات كثيرة(2/239 24/37 ؛33/23 ؛7/46 ؛ 9/108؛ 22/27؛ 33/40) تراهم يقدرون الألفاظ و يصححون النظم و يعيدون تركيب الجمل.
البلاغ المبين يستعمل الألفاظ بحق فلا تختلف معاني لفظ من آية لأخرى و لا تتناقض بل هي تنبع من نفس المفهوم كما سأوضحه في بحث المنهج قريبا .فلا يكون الناس مرة بمعنى و مرة بمعنى آخر بل مفهوم الناس في القرآن واحد لا يتعدد. و مفهوم الرجل هو مفهوم الحركة نسبة لقاعد أو بطيء الحركة لا يقوى على اللحاق، فقد يكون الرجل ذكرا أو أنثى في كتاب الله.
للألفاظ القرآنية هندسة خاصة و مفاهيم لا تتغير و لا تنحرف عن المراد التي وضعت له و هي ترتقي في مدى معرفتنا في الكون محافظة على أصلها .
بعد هذه المقدمة ندخل في موضوعنا و هو مفهوم الحور العين في القرآن. و سأعرض مجموع الآيات التي تتحدث عن موضوعنا ملتزما منهج الترتيل القرآني و قد أُغفل نسيانا بعض الآيات أرجو من القارئ في حين تعقيبه على الموضوع عرضها.

لعل انسياق المفسرين نحو شرح الحور العين أنّها أنثى يستمتع بها الرجل في جنّة الخلد جاءت من الآيات التي تحمل ألفاظ التزويج بحور العين و لنبدأ في تأمل هذه الآية :


الدخان 44/51 ـ 56

فلفظ "زوجناهم" أوحى لهم أنّ المقصود هو المتعارف عليه وما يعقبه من معاشرة جنسية ومع أنّ لفظ "فيها" يرفع هذا الإشكال الوهمي إذ "فيها" يعبر عن مكان و ليس عن أنثى ولا ذكر. و إذا افترضنا هاء "فيها" تعود على الجنات مع أنّ الأمر مستبعد إذ "جنات" جمع و ليست مفرد، و اعتبرنا الجنات جنات متعددة داخل الجنّة الواحدة فإنّ الآيات تتحدث عن الثياب و الفاكهة و يأبى المفسرين إلاّ أن يحشروا الجنس بين الثياب و الفاكهة.

و لو قرأنا آيات الدخان أعلاه لرأينا أنّ هذا العطاء موجه للمتقين. فهل المتقين ذكور فقط؟
إنّ هذا العطاء موجه لمن يدخل جنة الخلد فإذا اعتبرنا أنّ عطاء الذكور الجنسي هو "حور العين" فما هو عطاء الإناث؟
و الغريب أنّ بعضهم يقول أنّ للإناث نفس العطاء الجنسي من "حور العين" و جعلوا الجنّة بقولهم هذا مكانا أترك للقارئ تصوره. و الحقيقة أنّ هذا القول على ما فيه من جرأة أقرب للتناسق و أقرب لتعبير البلاغ المبين إذ لا يعتبر المتقين ذكورا فقط و يحقق لمساوة في الجزاء بين الذكور و الإناث بحكم امتلاك الإثنين رغبات جنسية.
و لو أبصرنا نظم الألفاظ في آيات الدخان لرأينا أن الآية تقول "زوجناهم بحور عين" وليس "زوجناهم حورا عين" و الفارق بين النظمين هو فارق بين مفهومين. و حتى نوضح المفهوم القرآني نقرأ الآية التالية :


الأحزاب 33/37

فالتزويج الذي يعني ربط كائنين قصد البقاء النوعي برغبة جنسية أو بدونها يعبر عنها البلاغ المبين بفعل متعد إلى مفعول "تزوج فلان فلانة" و ليس "تزوج فلان بفلانة" و هذا يكفي دليلا لبداية الغوص في مراد القرآن من هذا التزويج و أنّ ما قاله مجموعة من الأسلاف لغو في البلاغ المبين و تحريف لمفاهيمه.

كل قارئ يدرك حجم التناقضات التي تحملها التفاسير السابقة و أنّها قراءة خاطئة للآيات أنتجتها ثقافة الأمة العباسية التي شاع فيها الجنس. هذه الثقافة التي أصبحت في نظر الكهنوت الرسمي مرادفا للإسلام أسس لها مبرراتها بنسفه لقواعد التعامل البسيط مع القرآن.

رؤيتنا لهذا الخطأ لا يعني أنّ الإشكال قد انتهى بل جهد معرفة مقصود الآيات يحتاج إلى نفس طويل نرجو القارئ أن يتابع معناالسير.
ما مفهوم "زوجناهم" في آيات الدخان و ما مفهوم "حور عين"؟

مفهوم التزويج في القرآن شامل لكل الكائنات :


الذاريات 51/49


يسن 36/33 ـ 36


الزخرف 43/11 ـ 12

الفيزياء الحديثة فتحت لنا آفاق كبيرة جدّا في فهم الزوجية في عالم الميت (شحنات كهربائية؛ سبينات زوجية؛ كوركات زوجية ...) و البيولوجيا الحديثة فتحت لنا ابتداءا من القرن العشرين ما لا يتصور من نوافذ و طرق تزويج الخلية و هندسة DNA اللولبية الزوجية و طرق التزواج بين الذكر و الأنثى.
فالزوج يشارك زوجه في البنية و يختلف عنه في ترتيب اللبنات في أصل البنية. و هو بهذا المفهوم يجذب إلى زوجه بحكم هذا الإختلاف؛ فالإلكترون يجذب نحو البوزيترون و الأنثى تجذب نحو الذكر. فعملية التفاعل والربط بين الزوجين هي سبيل البقاء النوعي.
إنّ عملية التزويج هي أساس البقاء و الإرتقاء في كوننا سواء كانت تفاعلا في العالم الميت أو تناسلا في العام الحي و الآية تشير أنّ أساس بقاءنا و خلودنا في دار الخلد هو هذا التزويج بـ "حورعين".
أمّا اعتبار التزويج مرادفا للمباشرة الجنسية بين ذكر و أنثى أو تمهيدا لها فهذا تنقضه الآيات التالية :


ص 38/ 55 ـ 58

فالعذاب يتلاحق بفعل المد الموجي بعد لفظ "شكله" و هو من شكل الحميم(الحار) والغساق(السائل) و لكنه أزواج أي يختلف ظاهره وهو من نفس الشكل.


الشورى 42/49 ـ 50

الآية توضح الإحتمالات الأربعة في هبة الأولاد وهي احتمالات داخلة في قانون يستحيل على الإنسانية أن تتحكم فيه. و ليس المقصود بهذا الكلام استحالة معرفة الميكانيزمات البيولوجية بل المقصود التحكم في عدد الذكور و الإناث. ما يتعلق بموضوعنا هو أنّ التزويج لا يعني عملية نكاح أو تحضير له بين الإخوة في نفس العائلة.


التكوير 81/1 ـ 7

و لا شك أنّ الأمور المصورة في الآيات لا تصف عرسا و تزويجا بالمعنى المشاع بل أنّ كل نفس يلحق بها زوجها الدنيوي الذي يمثل ذاكراتها المخزنة لأعمالها.
فالتزويج في البلاغ المبين مفهوم شامل للوجود متعد إلى كل أجزاء الكون الفسيح بما فيه الكائنات الحية. فهو قانون يصور النسخ المتشابهة في البنية التحتية و إن اختلفت المظاهر الخارجية. ولا شك أنّ هذا المفهوم لا يحمل معاني المباشرة الجنسية ولا النكاح.
فالتزويج في هذه الآية هو تزويج بين جيناتنا الدنيوية الحاملة لهويتنا و جيناتنا الأخروية الحاملة لأعمالنا وتجديدها بـ "حور حين".

و كما سطرناه سابقا فالتزويج بحور العين هو تعبير إذن عن مكان فيه الموجود المسؤول عن بقاءنا الخالد. وقبل أن نغوص في البلاغ المبين لنتعرف على هذا المكان نسجل ملاحظات ننفي بها أن تكون الجنة مكانا للذكور فقط :


الواقعة 56/1 ـ 11

فأصحاب الجنة(الميمنة و السابقون) و أصحاب النار (المشأمة) ذكورا و إناثا.
و يخبر القرآن أنّ عائلة الإنسان تلحق به في الجنة و تواصل العيش السعيد معه شرط أن تكون أعمالها شاهدة على حسن سلوكها، إذ لا ينفع النسب يوم الحساب:


الرعد 13/19 ـ 24

و في القرآن آيات أكثر من أن تُحصى توضح أنّ الجنة و نعيمها ليس حكرا على الذكور. ليس هناك في القرآن ما يسمح بالقول أنّ أغلب أهل النار إناث كما يحلو لرواة الأحاديث المكذوبة على النبي القول.
و قبل معرفة ماهية الحور العين و علاقة الربط بين اللفظين "حور"و"عين" التي وردت بهذاالربط في ثلاث آيات :
الدخان 54 ؛ الطور 20 ؛ الواقعة 22، أعيد ما قلته وهو أنّ اختصاص الذكور بحور العين مرفوض في البلاغ المبين و لنتأمل الآية التالية:


الطور 52/17 ـ 24

فالآية ابتداءا تتحدث عن نعيم المتقين (ذكورا و إناثا) و تؤكد أنّ جو الجنّة جو عائلي يمكن أن يكون امتدادا للعائلة الدنيوية إذا كان النسب عنوانا لإتصال العمل الصالح.
و يعقب وعد التزويج بحور عين إلحاق الذرية في إشارة واضحة أنّ التزويج بحور عين لا يعني المعاشرة الجنسية إذ كيف يجمع الإنسان مع زوجه و ذريته وحوله "حوريات" بالعشرات" و نفس الملاحظة في دخول الباء على حور عين لإستبعاد معنى الإقتران الجنسي. ويأتي هذا التزويج بعد وصف متاع الأكل و الشراب و الإستراحة الذي سنجده مكررا في آيات كثيرة.

و الآن سنحاول الغوص في البلاغ المبين لإستكناه معنى "الحور العين"، فنحن في هذه المقالات لا نسعى فقط لهدم قراءة الأسلاف و نقد منهجها بل نحاول جهدنا بناء منهج جديد في التفاعل مع كتاب الله.
و سبيل البحث في نظري هو قراءة الآيات التي جاء فيها لفظ "حور" و مشتقاتها (حار ؛ يحور ؛ حيران؛ الحواريون)
ثم ترتيل الآيات التي احتوت لفظ "عِين" (بكسر العين) و ربطها بمشتقاتها (عَيْن؛ عيون؛ أعين ؛معين) و محاولة فهم علاقة الربط بين اللفظين و أخيرا محاولة ربط هذا الجمع "حور عين" بمفهوم التزويج.

ولنتأمل آية الرحمان التي أتى فيها لفظ "حور" مفردا دون أن يربط بعين :


الرحمان 55/62 ـ 78

و لعل القارئ بفعل تفسير الأسلاف يظن لأول وهلةأنّ "حور" هي "حور عين" و أنّهن مقصورات في خيمتهن ينتظرن زوجهن العائد من السفر أو العمل يتجملن له ولعل القارئ قد انساق وراء الأوصاف التي أعتطها بعض الروايات لهن و ربما اشتاق لإمتلاك بعضهن. إن كان القارئ من هذا الصنف فأنا أستسمحه لأني سأهدم هذه الصورة في ذهنه. فلنقرأ الآيات حتى نرتقي لمستوى الخطاب الإلهي. و أول الملاحظات أنّ صيغة المثنى حافظت عليها الآيات من الآية 62 إلى 69 :
جنتان ... مدهمتان ... فيهما عينان ... فيهما فاكهة و نخل و رمان.
و إذا بنا نفاجأ أنّ المثنى تحول إلى جمع مؤنث :
فيهن خيرات حسان.
فلمن تعود نون "فيهن"؟
و لا شك أنّ قراءة بسيطة للآيات تبين أنّ الخيرات الحسان راجعة إلى الفاكهة و النخل و الرمان و هي بتعبيرنا الحالي فيتمينات و بروتينيات و سكريات و ..، و تواصل الآية وصف الخيرات (فيتامينات) على أنّها:
حور مقصورات في الخيام.
أي أنّ هذه الخيرات الحسان محصورة داخل خيام الفاكهة و النخل و الرمان.
هذه الخيرات مهداة "لمن خاف ربه" (55/46) ذكرا كان أو أنثى و لا تسمح لنا الآيات إخراج النساء من هذا النعيم و هي بذلك تؤكد أنّ ما ذهب إليه الأسلاف في فهمهم لحور العين خطأ فادح. و الأفدح منه أنّ بعضهم قال صراحة أنّ معنى الطمث هو افتضاض عذرية "الحورية" و الآية الكريمة بعيدة عن هذا التصور الهمجي الوقح فهي تقول "
"لم يطمثهن قبلهم إنس و لا جان"
فلفظ "قبلهم" واضح المعنى و هو أنّ الخيرات الموجودة في الفاكهة لم يذقها ولم "يفتضها" لا إنسي ولا جان، و أماّ اعتبار الحور عذارى فهن خلقن أساسا لأهل الجنة حسب زعمهم، فما معنى إيراد لفظ "قبلهم". و لقد ذهبوا بعيدا في هوسهم إذ اعتبروا أزواج الجن في زعمهم من نفس جنس أزواج الإنس و استشهدوا بهذه الآية ليبرروا دجلهم معتبرين إمكان زواج الجن بالإنس.
إنّ سياق الآية لا يستثني الإناث من كل هذا النعيم (لمن خاف مقام ربه) وسياق الآيات تتحدث عن الأكل و الشراب والإستجمام، ولسائل أن يقول، إنّ وجود الطعام و الشراب و الإستجمام بهذا الوصف لا يمنع من أن يمن الله على عباده بهبتهم علاقة جنسية خاصة في الجنّة فوق العادة مجازة لهم. فما المانع؟
المانع واضح وهو أنّ الجنة ليست مكان التناسل و بقاء النوع و لا مكان للتنافس و الدفع و أماّ الأكل و الشراب فهو عملية تجديد الطاقة اليومية التي يخضع لها كل مخلوق بطريقة أو بأخرى.
فما معنى وصف الخيرات الحسان بالحور.
لنتأمل هذه الآية :


الإنشقاق 84/10 ـ 15

فالحَوَر يصور حالة الرجوع و الحيرة تصور حالة التردد وتقليب الأمر و الرجوع إلى نفس النقطة دون إمكان الخروج والتحاور (تفاعل) هو الأخذ و الرد بين طرفين، و الحواريون هم خلص أتباع عيسى عليه السلام الذين يترددون عليه وهم من بقى معه بعد تفرق الأنصار و يلاحظ القارئ أنّي أحاول جهدي البقاء في الألفاظ القرآنية دون اللجوء ل"شعر جاهلي" و لا ل"شعر أموي أوعباسي" و أطالب القارئ أن يعود إلى مشتقات حار في القرآن ليغوص أعمق مما قدمت سابقا.
فحور إذن وصف لرجوع الخيرات إلى مكانها بعد اقتطافها، ورجوع الخيرات هو بالضرورة رجوع الفاكهة أولاّ. فالفاكهة تحوي خيرات حسان (عالية الفعالية) و هي حور (تعود على أصلها مباشرة بعد قطفها) إذ ليس هنالك حرث و زرع و هذه الخيرات محصورة في لب الخيمة المحيطة بالثمرة.

و بعد أن تعرفنا على مفهوم حور لنحاول معرفة دلالة لفظ "عِين".
و قبل أن نبدأ فلفظة عَين، عيون، أعين تعبر عن سيلان و جري إلى مدى معيّن فالعين و الأعين (حاسة البصر) تسيل و لا تتوقف عن السيلان و عيون (جمع عين) تجري وتسيل لسقي الناس وفي "عِين" إذن معنى السيلان الخفي جدا، فالكسرة في البلاغ المبين تعبر عن الخفاء (جِنّة و جَنّة).
و لنقرأ الآية التالية التي ورد فيها لفظ عِين غير مقترن بحور :


الصافات 37/40 ـ 49

لقد صوّر بعض الأسلاف "قاصرات الطرف"أنّها الحورية التي تغض بصرها حياءا وهذا التفسير الجنسي منبعه سوء فهم للحور الذي امتد فيما بعد ليشمل كل الآيات. فالطرف عندهم هو حاسة البصر مع أنّه في البلاغ المبين جانب الشيء:
"أقم الصلاة طرفي النهار و زلفا من الليل" 11/114
"ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم" 3/127
"أولم يروا أنّ نأتي الأرض ننقصها من أطرافها" 13/41

الطرف إذن هو جانب الشيء ووصف القرآن الشجرة التي تحمل هذه الفاكهة ب"قاصرات الطرف" أي أنّ أي طرف فيها (غصن أو جذع) قاصرات و نرى هنا نظم القرآن المبين، فالطرف مفرد و قاصرات جمع مؤنث (انظر ألفي المد القاصر في الرسم القرآني المعبرة عن التنوع وليس تعدد نفس الشجرة) فالآية تقول أي كانت شجرة الفاكهة فإن أي طرف فيها قاصر والفاكهة في متناول القاطف أي بتعبيرنا الأعجمي قصير، ويمكن تمثيلها بشجر البونزاي المعروف.
و حتى نطمئن إلى هذا المعنى و أنّ قاصرات الطرف تعني ما قلنا نقرأ هذه الآية :


الرحمان 55/46 ـ 60

و نفس الماحظة في الإنتقال من المثنى (46 ـ 54) إلى الجمع المؤنث (56) نلاحظه في هذه الآيات :
جنتان ..ذواتا أفنان..فيهما عينان..فيهما..
و الإنتقال إلى الجمع : فيهن قاصرات الطرف.
الآيات تصف جنى الجنة وثمارها و أنه دان وأنّ من بين أشجار الجنى "قاصرات الطرف" أي ثمار الأشجار القاصرات الطرف لم يذقهن ولم يفتضهن لا إنسي و لا جني وألوان هذه الثمار هي لون الياقوت و المرجان و أمّا لون بشرة المرأة فلا يوصف بلون المرجان. كل هذه النعم موجهة "لمن خاف مقام ربه" ذكرا كان أو أنثى.
و لنقرأ هذه الآية حتى تتم الصورة :


ص 38/49 ـ 54

المتقين ذكورا و إناثا لهم هذا النعيم و هذا النعيم وصفته الآيات أنّه رزق لا ينفذ. و الرزق في البلاغ المبين لا يرد إلاّ على ما به ديمومة الجسم (الأكل و الشراب) :
"كلوا واشربوا من رزق الله" 2/60
"فلينظر أيها ازكى طعاما فليأتكم برزق منه" 18/19
"كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور" 34/15.
ف"قاصرات الطرف" من هذا الرزق ووصفت أنها أتراب أي أنّ تكوينها من نفس تربة الجنة وليس المقصود بالأتراب ذوات نفس السن إذ أقرب مشتق لترب تراب و متربة وربما أطلقها بعض الكتاب القدماء أتراب على متماثلي السن لإستواء التربة على مستوى أفقي واحد وهذا ليس صحيحا و لا يمكن أن يأتي القرآن بلفظ يخالف فيه الموجودات الكونية.

و قبل أن نعود إلى آية الصافات 37/48 أسجل ملاحظة مهمة في البنية القرآنية وهي ظاهرة إقتران الألفاظ اقترانا ثنائيا :
حور عين؛ قاصرات الطرف؛جنة النعيم؛رب العالمين ...
هذا البناء الثنائي يحمل معاني لفظية و لكن يتجاوزهما بهذا الإقتران. فهي أشبه باقتران ذرتين لإنشاء جزيء جديد يتجاوز خصائص الذرتين، فقاصرات الطرف هي وصف لقامة نوع خاص من الأشجار مثمر ولكن جعل الطرف مفردا جعل الوصف متعلقا بالثمار و كأنّ الآيات تقول أنّ قصر أغصان وجذع هذه الأشجار هو الذي أعطى للثمار غناءها و ذوقها وكأنّ الآيات ترسم علاقة بين غناء الثمار و قامة الأشجار في الجنة.

ف"قاصرات الطرف" وصفتها آية الصافات ب"عِين"


الصافات 37/40 ـ 49

و أنّهن أشبه بالبيض المكنون (اللؤلؤ ولونه في المحارة).بعض المفسرين جعلوا "عِين" مرادفا لأعين و الطرف مرادفا للعَين وجعلوا غض البصر من الواجبات في الجنة فأخرجوا لنا تفسيرا يشبه قصور ملوك بني العباس و ما يحدث فيها. والحقيقة أنّ الله يحسن التعبير ف"عِين" ليست أعين و لو أراد أعين لأوردها ونلاحظ أنّ الآية بإشارة عجيبة تقودنا نحو الحل وهي أنّ "عِين" على وزن "بِيض" و البيض لون اللؤلؤة المكنونة في المحارة أو في غيرها و عين إذن ليست عَين و إنّما العلاقة بينهما في الشكل و المظهر الخارجي (بيضاء ـ بيض في نفس الآيات) فثمار القاصرات الطرف شكلها كالعين في سيلانها و ملاستها و نعومتها و رقتها.

اقتربنا من رؤية مدلول "حور عين" ف"حور" يصف حالة التردد والرجوع و العودة وعِين تمثل شكل أملس ناعم يسيل بخفاء فما مدلول اقتران اللفظين و ما معنى إيراد التزويج بها واعتبارها مكانا؟
فلنعرض الآن الآيات التي ورد فيها إقتران اللفظين :


الدخان 44/54


الطور 52/20


الواقعة 56/22

أول الملاحظات أنّ الآيات تتوجه إلى المتقين و إلى السابقين و أصحاب اليمين ذكورا وإناثا ولا يستطيع أي مفسر أن يفصل منها الإناث إلاّ إذا حرّف ألفاظ المتقين و السابقون و أصحاب اليمين وادعى أنّ المقصود بهذه الألفاظ الذكور فقط. وهذه الملاحظة تنفي أن تكون حور العين أو قاصرات الطرف أو الغلمان أو الأبكار كائنات خلقت للمتاع الجنسي إلا إذا اعتبرنا أنّ هذه الكائنات من الجنسين ولكن القرآن لا يترك لنا الخيار بل يحدد معاني الألفاظ تحديدا يمنع معها تعدد الدلالات.
فالقرآن يحدد أنّ "حور عِين" مكان خاص فيه مفهوم الرجوع و شيء ذو مظهر أملس يشبه ملاسة العين و أنّ "حور عين" تشبه اللؤلؤ المكنون في المحارة. إنّ هذه الأوصاف لا تدع شكّا أنّ المقصود ب"حور عين" بطاريات تجديد الطاقة التي تسمح لنا بالخلود في الجنّة،هذه البطاريات ذو شكل أملس محاري (أمثال اللؤلؤ المكنون) يدخل فيه الإنسان دون خوف (آمنين) ليجدد طاقته التي تسمح له بالخلود وتضيف الآية لتوضح وظيفة "حور عين" بقوله :
"لا يذوقون فيها الموت إلاّ الموتة الأولى، ووقاهم ربّهم عذاب الجحيم" الدخان 44/56.
وبهذا نفهم أنّ سياق الآيات ليس اعتباطيا بل هندسته من وحي رب العالمين. و الآن ما مفهوم "زوجناهم بحور عين"؟
إنّ خلق البشر تمّ من خلية واحدة خُلِقَ منها زوجها أي الخلية الأخرى الأنثوية و بخروجهما إلى سطح البسيطة ذكورا و إناثا تمّ التزاوج بينهم لبقاء النوع، فالزوج هو نسخة زوجه في عالم الميت والعالم الحي أمّا في الجنة فلا تناسل وبقاءنا مرتبط بتجديد طاقة الخلود في بطاريات خاصة في مكان يدعى "حور عين" وصفه القرآن بكل تفاصيله. فتزويجنا هو إعادة نسخنا في "حور عين".

و أشير أنّ المفسرين الذين اعتبروا الغلمان كائنات جنسية لم يقرأوا القرآن و إنّما وصفوا لنا ما يحدث في قصور بني العباس. و أمّا الآية فتقول "غلمان لهم" دلالة على أنّهم خدم وتضيف الآية وتصفهم "كأنهم لؤلؤ مكنون" دلالة على أنّهم آلات روبوتية ذوي شكل أملس ناعم.
و أماّ من زعم أنّ القرآن يصف افتضاض العذارى ذوات النهود المستوية فليقرأ ثانية آيات الواقعة :
"إنّا أنشأنهن إنشاء (35) فجعلناهن أبكارا (36) عربا أترابا (37) لأصحاب اليمين (38)"
و نسأل على من تعود نون "أنشأنهن" إن لم تعد إلى
سدر مخضود و ظل ممدود وماء مسكوب و فاكهة كثيرة و فرش مرفوعة؟
و نحن نعجب أن يقال أنّ النون تعود على كائنات جنسية إسمها "حور عين" فأين هي في الآيات التي تصف نعيم أصحاب اليمين؟ إنّنا أمام أفكار صيغت مسبقا و لا تنظر في الآيات و لا تهمها الألفاظ و لا النظم ولا السياق.
و من هذه الأفكار المغروسة جعل المفسرين أبكارا هي جمع البكر أي عذارى و لو كانت "الحورية" هي متاع جنسي أنشئت إنشاءا لسكان الجنة فما سبب إضافة "فجعلناهن أبكارا"، هل يعقل أن يسري الشك إلى إمكانية كونها ثيبا حتى توضحه الآية أم في القرآن حشو ؟ أمّا البكر فهي في البلاغ المبين من البكور أي الشيء في بدايته فهو ليس باليا ولا ذاويا و لا يابسا.
وجعلوا عربا المتحببات إلى أزواجهن مع أنّ أقرب مشتقات عربا هي عربي و المقصود بها كمال الخلق و الصنعة كما هو حال القرآن في وصفه بالعربي بكمال لسانه (28 حرفا).
و جعلوا أترابا نساءا من نفس السن مع أنّ أقرب المشتقات في البلاغ المبين لأتراب هي التراب.
الحقيقة أنّ منهج التعامل مع النص القرآني خاطئا فلا غرابة أن تأتي كل هذه الأخطاء متدافعة لأنّ المفسرين لا يتحاكمون للقرآن في بنيته لمعرفة دلالة ألفاظه بل يتحاكمون للشعر و آراء محصورة في التاريخ لا يمكن أن تتعداه.
فآيات الواقعة تصف نعيم الجنة من فاكهة وماء و فرش
بأنّها غير بالية ولا ذاوية (أبكار) و أنّها كاملة الصنعة (عربا) و أنّها من نفس عناصر تربة الجنة(أترابا).

و هكذاوصلت إلى النهاية في حديثي وخاتمتها أنّ الجنة مكان الخلود نجدد طاقتنا اليومية بالأكل و الشراب و نستقي طاقة الخلود في "حور عين" و أنّ نعيم الجنة لا يعدو أن يكون شرابا و أكلا و استجماما دون عناء و تعب ليُفسح المجال للإرتقاء الحقيقي وليست الجنة مكانا للعربدة ولا لأفعال جنسية همجية ليس في القرآن وصف جنسي أشبه بأفلام الخلاعة بل هو رسالة الله للإنسانية المرتقية نحو معرفته. و أخيرا أرجو أنّ أكون قد فتحت نوافذ جديدة في التفاعل مع كتاب الله

هناك تعليق واحد:

  1. القرآن ليس كتابا يشتري ضمائر الناس بوعدهم بالعربدة الجنسية يوم الحساب و لكن ليطهرهم و يوصلهم إلى مرتبة تسمح لهم بالتهيؤ ليوم الحساب لدخول مرحلة جديدة لا يدخلها إلاّ من فاز في هذا التربص الدنيوي المغلق و قام بواجب التحضير.

    ردحذف