هؤلاءٍ أمّتِي وإليهِم أنتمي

دين هو دين الله هو الإسلام و هو شرطه على الناس أن يسالم بعضهم بعضا ، فليس هناك دين إسمه المسيحية و لا اليهودية. فالمسيح دينه الإسلام و موسى دينه الإسلام وأتباع اي نبي من الأنبياء قد يكونوا مسلمين و قد يكونوا ممن يرفع الشعارات و لا علاقة لهم برسالة الأنبياء التي هي واحدة.
رسالة السماء لأهل الأرض لم تتعدد و لم تختلف ، فالدين واحد و الرسالة واحدة
النبي الكريم محمد امتداد لعائلته الكبيرة، عائلة الأنبياء الذين هم مثل الإنسانية العليا بصدقهم و جهادهم لتحرير الإنسان من العبودية للأشياء و الناس و الوقوف مع المستضعفين ، هؤلاء أمّتي و إليهم أنتمي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الثلاثاء، 1 فبراير 2011

ملحمة الاحزاب

في سورة الأحزاب وصف للقاء أعداء المؤمنين، لقاء فيه كل الأبعاد مجتمعة ، النفسية و العسكرية و الإعلامية و يبدأ وصف الملحمة من بدايات العدوان :

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمـْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا (ج) وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَآءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَاْ (10) هُنَالِكَ ابْتُلِىَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالا شَدِيدًا (11)" الأحزاب

الجند ليس ما نراه من عسكر في هيئاتهم ، فالجند هي القوّة المخفية المندفعة في إتجاه من تريد حصده، فالجند لفظ مؤلف من ( جن د ) أحد جذورها (جن ) يدل على الخفاء و الأخر (د) يدل على الدفع في إتجاه الإلقاء إلى الهاوية لمن يرد دفعه ، و القرءان يسمي العسكر غزّى أمّا الجند فهو شمول المواجهة الإعلامية و الحربية و النفسية و يزيد في تقوية هذا الشمول واو "جنود" الدالة على تجميع كل قوى الخفاء المندفعة، و إن شئنا قلنا أن الجند هي مرحلة تسبق العسكر و الغزّى ، حملة شاملة للإضعاف و التحضير النفسي و التحريض ضد العدّو قبل بدء اللقاء الحقيقي.

إنّ الجهة الكافرة تحضّر جنودها عادة من لا يشك في مقدارته فهو يحسب كل التفاصيل لأنّه عالم و مقتنع بظلمه و عدوانه فهو يريد التحضير و إخفاء أثر العُدوان ليُتهم المؤمنون بأنهم هم من بدأ و هم من اعتدى و هم من تجاوز و ظلم ، و الذين كفروا ـ بالمفهوم القرءاني أي الغير العقائدي ـ يظنون أن جبهة المؤمنين ضعيفة واهنة و أن مخططهم سينجح و لن تكون ضده أي عقبة و لكن للمؤمنين جنود ، هم أنفسهم لا ينتبهوا إليها "جنود لم تروها" ، فالمؤمنون قوّة تظهر عظمتها في ذات كل فرد ، فشبكة التأمين لا يستطيع مال أن ينشئها و ضمير الفرد المؤمن لا يمكن أن يوازيه تحضير عسكري أو إعلامي لأن هذا الفرد محكوم بضميره و ليس برشوة هذا أو ذاك و محكوم بقناعاته و الأدلة المقدمة له و حين الظلم يقول أن هذا ظلم و حين يتطلب الأمر الفداء بالنفس و المال من أجل حريته و مستضعفي قومه فلن يتوانى. فلا الخوف يقترب منه و لا الإرجاف و لا التضليل.

جنود الذين ءامنوا ليست خفية و حسب بل هي لا تُرى ، فهي أمر سنني خاف جدّا تظهر نتائجه فقط عند ساعات الحقيقة و لمن يظن أن المجتمعات إقتصاد فقط و تبادلات تجارية فقط و سوق و مصالح ، لمن يظن هذا فالرسالة تقول له لا . إنّ المجتمع المؤمن أكبر من هذا لأن مركزه الفرد المؤمن ، فرد حر يؤمن غيره و يسير وفق ضميره.
إنّ جنود الذين كفروا تتقدم مُستدرجة إلى حتفها كي يتم الحسم معها ، سنة إلهية في مسيرة التطاحن بين الذين ءامنوا و الذين كفروا :

"فأرسلنا عليهم ريحا"

الريح من جذر ( ر ح) و منه الروح ، و هي قوّة تحريك لقوى العطالة في شيء ، فالريح أيادي تخرج الشيء من عطالته ليبدأ حركته و هي في هذا البلاغ دفع و إيهام للذين كفروا بقوتهم و قوة مخططهم ليجيئوا مقتنعين بالنصر.

إنّ الهجوم على المؤمنين خاسر مهما كانت التضحيات ، ذلك لأن حربهم تبدأ نتائجها العكسية في جسم من يحاربهم بنخر ضمائرهم ووضعهم أمام إنسانيتهم ، فالمؤمنون لا يعتدون و لا يتآمرون و لا يبيتون شرّا و يريدون أن يشيع الأمن في كل هذا العالم الفسيح و عبثا يحاول الذين كفروا إقناع جنودهم و عسكرهم أنّ ما يفعلونه حق. تلك هي النعمة الإلهية على الذين ءامنوا، صفاء مسيرة و صفاء ضمير :

"يأيها الذين ءامنوا اذكروا نعمة الله عليكم"

هي نعمة تظهر في وقت المآزق و الأزمات و يعيد القرءان أبصارنا لنراها بعد أن نسيناها و ظنّناها طبيعية أو ربّما أراد بعضنا تجاوزها لما يرى من تفوق الذين كفروا.

" إِذْ جَآءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَاْ"

لقد أتى الذين كفروا بجميع مستوياتهم بالذي هو فوق و الذي هو أسفل وخرجوا جميعا من جحورهم ، فمهما طال الزمن فرغبة الحسم معششة في قلوب الذين كفروا و في صدورهم أي في ذات كل فرد و خاصة فيمن يتصدر السلطة و الوجاهة ، فالفوق و الأسفل لا يدل فقط على جغرافية الحدث التاريخي بل على درجات من أتى ، فالفوقية ليست علوية في القرءان ، فمن هو فوق قد يكون متفوقا في عتاده و آلاته و عدده و لكن لا أحد أعلى من الذين ءامنوا خاصة إن كان كافرا مشروعه الإكراه و تغطية الحقائق و تحريفها و تعميتها وفق مصالحه وصولا إلى الرغبة في إستئصال غيره.

من هو "فوقكم" هم من حاصروكم جغرافيا بتفوّقهم و من هم "أسفل منكم" هم شذاذ الأفاق من المرتزقة ممن لا يجمعهم شيء إلاّ المشاركة في الهجمة الآثمة، فالأسفل حالة درجية للإستعداد و ليس توصيف لإختلاف الماهية. كل هؤلاء جاءوا و بدأ العد العكسي للحملة :

"و إذ زاغت الأبصار و بلغت القلوب الحناجر"

يحاول المؤمنين أن يبصروا. أين الحلفاء ؟؟ أين الأعوان الخارجيين ؟ أين باعة سلع العبارات المعسولة ؟
زيغ الأبصار هو عدم تركيزها في جهة في تصوير لحجم الفراغ ، غذ لا أحد في الأفق و لا معين و كل الجنود ملقاة تؤكد تأهب الذين كفروا للحسم :

"و تظنون بالله الظنونا"

ظن ليس في محلّه ، فالمؤمنون نسيج متماسك مهما ضعفت إمكاناتهم و وسائلهم فالغلبة لهم مهما علت التضحيات، إذ ماهيتهم لا تقبل الهون و الإهانة و تكميم أفواههم و حريتهم و جعلهم كائنات طحلبية و لكن رجة أحزاب الكفر و ظاهر قوّتهم و عددهم بلاء حقيقي :

"هنالك ابتلي المؤمنون و زلزلوا زلزالا شديدا"

تبدأ البلوى و الزلزال فالرجّة هدفها إخراج مكنون القوّة و إخراجها من الكمون ، فالأمر أشبه بنفض الغبار على ذهب مصفّى بعد إدخاله الحمأ ، فالزلزال حركة شديدة تهدم الهش و من لا يستطيع الحراك، و ليست القضية أن يعلن الإنسان عجزه عن المواجهة و يعترف أن لا مقدرة له و يجلس ذارفا للدموع منتظرا فرجا من غير حركة و عمل بل المشكلة هي هؤلاء :

" وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا "

"لقد قلنا لكم انتبهوا " "لقد قلنا لكم أننا ضعفاء" "لقد نبهناكم إلى التعقل" ، هذه هي عبارات من في قلبه مرض و ما شابهها كثير يعسر عدّه و لكنّها كلها تصب في وصف ضعف المؤمنين أمام آلة الذين كفروا و عددهم و حجم تحالفاتهم و حكمتهم إعلاميا ، "مع هؤلاء لا يمكن المواجهة" هكذا يقول الذين في قلوبهم مرض و المنافقون ممن يحاولون حفر النفق لتجنبّهم الأحزاب الكافرة حين الحسم و يلقون لها بالتصاريح كي تكسبوا ود الزاحفين . و لمّا كان الله عنوان السنن الناظمة للكون ظن هؤلاء أن السنن الكونية مرتبطة فقط بالجانب الظاهر و ظنّوا أن الأمر محسوم بهذه المعادلة الكمية و نسوا السنن النفسية و هي الأسس الأكبر في مجتمع الذين ءامنوا بل هي ركيزة بناء دولتهم و تجمعهم.

الله و رسوله أي سنن الكون و إسقاطها "الرسول" تنطق لمن يرى الأمور حوله أن الحسم ليس كميّا بل نفسيا و أن ما وعد الله و رسوله ليس غرورا ، بل قول المنافقين و من في قلبهم مرض هو تعبير عن حقيقتهم و أنهم لم يقتنعوا يوما بمشروع تجمع "الذين ءامنوا".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق